مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

عندما تتوه الحقيقة “أون ذا رن” .. الأخلاق ونظرية العرض والطلب!

تحبي تشربي كوفي في أون ذا ران ؟

“في البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك، ثم يحتقرونك، ثم يصورونك، فتضطر بسرعة أن تعتذر” ثم تدرك سريعا أن نخبتنا ضللت الناس عبر ميراث طويل من السنين ليصبح من ينشر قيم الشجاعة والمروءة فنان بلطجي تهوي إليه قلوب الشجعان، ورافع راية الحب هو الشاب الشقي “شاقط الفتيات” من الجامعات والنواصي و”الكوفيهات”، وحاملة لواء الشرف والحب العذري هي تلك الفتاة التي تعشق حبيبها دون علم أهلها، وتواعده وتسامره، وتخادعهم وتكذب عليهم من أجل لقاء حبيبها الموعود، وربما الهرب معه فيتعاطف الجمهور -الرافض للظلم- مع تلك الفتاة البريئة ويصبون لعناتهم على أبيها المتوحش! هكذا تبدلت المعايير فأصبحت الفهلوة ذكاء، والصياعة رجولة، وجمع الأموال قمة النجاح، والشهرة أسمى الأهداف، والتحرش شقاوة وخفة دم… ليدرك بطل ” أون ذا ران ” أنه أصبح نجما بين عشية وضحاها يتسابق المعجبون على التقاط الصور معه، وتلح البرامج المسائية عليه في الظفر بلقاء حصري معه، ويأتيه الاهتمام من كل مكان، حتى أن بعض الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي كتبن بمنتهى الأريحية والتواضع أنهن لبوا دعوته لاحتساء فنجان القهوة مع بطل التريند الجديد إن هو أراد! وربما عن قريب سيصبح بطلا سينمائيا، أو نجما إعلانيا للتسويق للكافيهات، أو يُباع قميصه المشهور في مزاد علني!

نعم هو نفسه لم يدرك ذلك في البداية، وربما لم يدرك أكثر الناس الطيبين أيضا مآلات الأمور، وكيف أن تصوير تلك الفتاة لهذا الشاب وفضحه على مواقع التواصل الاجتماعي سينهي مستقبله ويدمره وأسرته ويُنبذ من المجتمع نبذا لارجوع فيه ولا تسامح! ولم يتصوروا أن يصبح نجمًا تتهافت عليه الفتيات قبل الشباب، بل ويدافع عن خفة دمه وحضور شخصيته ورجاحة منطقه بعضا من المثقفين والكتاب فضلا عن العوام الذين قابلوه! لتكون هي الرسالة الأشد وضوحا أن رقي الأخلاق وجمال القيم هي أمور استحسانية ذوقية يتعارف عليها الناس، وإن ضللنا البوصلة فلنا في الحياة الغربية القدوة والقِبلة، فما وجدناه هناك فهو حق سرمدي إلى أن يتراجعوا عنه! وتكون مرجعية النقاش وميزانه هي الفلسفة الشهيرة “طيب إيه اللي يمنع إننا نخلف من غير جواز؟! أنا شخصيًا عملتها كذا مرة ونفعت”.

هذا ببساطة هو عالم السيولة، تتغير القيم والثوابت والأخلاق بين غمضة عين وانتباهتها، ونصبح من حال إلى حال، ومن كان يتحدث بالأمس مدافعا عن المرأة ومظلوميتها وتسابق المجتمع على الظفر منها كأنها سلعة تشتهى كي تباع، يعيب اليوم على الفتيات اللاتي تأذين من هذه الأفعال متعجبا “ما المشكلة أن يستلطف أحدنا فتاة فيقرر أن يعزمها في ” أون ذا ران ” ولها الحق أن ترفض أو توافق؟! أم تريدونا أن نعتزل النساء فلا كلام ولا سلام ولاغرام وانتقام ولا وداع ولا نظرة وابتسامة وحاجات كتيرة ياما… لذا لا تتعجب إن طلب منها أحدهم بعد ذلك سهرة لطيفة ” أون ذا بِد ” لأن الفتاة وقتها إن شهرت به ستصبح هي المتخلفة التي تتعامل مع النفوس البشرية بانغلاق وتمييز جنسي لا مبرر له وفصل عنصري منحط، وسيُنظّرون وقتها مدافعين عن الرجل، فكما لكِ الحق في الرفض والقبول، هو له الحق في العرض والطلب! وتبدأ المغالطات الفكرية والأخلاقية وبدلا من تجريم هذا الفعل المتحرش، يرونه هم حقا ثابتا أصيلا لكل شاب، وينحصر الحديث وقتها في سؤال واحد لا شريك له “هل من حق الفتاة أن تعترض عليه بأسلوب متجهم أم لا بد أن ترفض طلبه هذا برفق ولين وابتسامة مصطنعة حتى لا تؤذي مشاعره؟!”.

اقرأ أيضا :
كيف تتهذب النفس البشرية

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 متى يكون الإنسان ممسوخا؟

 النظرة المادية للأخلاق

 

أحمد السيد

بكالوريوس تجارة
خريج معهد إعداد الدعاة بوزارة الأوقاف
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة