هاري بوتر والجمل الطيب .. تأثير الإعلام والأضرار التي يقدمها لأطفالنا الصغار
تأثير حكاية الجمل الطيب على الأطفال
مسرحية بعنوان “الجمل الطيب” ؛ كنا نَهُمُّ بتحضيرها لتقديمها بشكل جذاب وتمثيلي لأطفالنا الصغار بطريقة “خيال الظل” وتحكى عن أن جملا كان يمر بغابة يحكمها أسد وحاشيته؛ مجموعة من الحيوانات، وكان الأسد -ملك الغابة- من يقوم باصطياد الفرائس حتى تأكل جميع الحيوانات في مجلسه، وحدث أن مرض الأسد، وقعد عن اصطياد الفرائس، فارتاب الحيوانات وأخذوا يفكرون ما العمل؟! وحدث أن كان عابر السبيل- الجمل- في ضيافة ملك الغابة وحِماه، وكانت الحيوانات تحتال لتفترس هذا الجمل وتُحاول أن تُخلِّص الأسد من وعده الذي وعده للجمل بأنه آمن في أرضه؛ ليفترسوا هذا الجمل الطيب.
وكانت نهاية القصة هكذا بالفعل، وشرعنا بالتنفيذ على هذا السيناريو. ولكن سارع أستاذنا قبل الشروع بالعمل بالمسرحية في الاعتراض عليها وعدم تقديمها للأطفال. وأن الطيبة ليست جزاءها الاستغلال والاستضعاف كما يُشاع دائما. وإنما هى صفة جيدة يتميز بها الإنسان إلى جانب الرحمة والوفاء بالوعد الذي يجب أن يتحلى به الأسد في مسرحيتنا هذه. وأن الأثر الناتج عن تقديمها لأطفالنا الأعزاء سيكون سيئا عندما يرون النهاية المحزنة للجمل الطيب، وكذلك اختلال القيم بالمسرحية.
هاري بوتر
سلسلة أفلام ” هاري بوتر” تَابعها الكبار قبل الصغار، تحوي العديد من المغامرات وكثير من الخيالات المشوقة التي تثير فضول المُشاهد وتلعب على طبيعة الإنسان هذه؛ المحبة للفضول والتشوق والإثارة. صراع بين الخير والشر على مدار سنوات عديدة، ولكن حينما انتهت السلسة؛ انتهت بموت أبطال حقيقين ضُرب بهم المثل في التضحية والنبل وإنكار الذات، من أجل التخلص من الشر ومن أجل أن يسود الخير. انتهت السلسة وما انتهى أثرها بالمُشاهد الذي حفظ هذه الأحداث عن ظهر قلب لأنها مسَّت انسانيته وأَعلت من قيم أخلاقية نبيلة.
تأثير الدراما وفطرة الاستكشاف
تلعب الدراما والتليفزيون بصفة عامة دور كبير في حياتنا؛ فمن منَّا ليس لديه جهاز تليفزيون؟! وليس جهازا واحدا، وإنما يمتلئ المنزل بالأجهزة، بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر واللاب توب والآى باد والمحمول والتي تستطيع من خلالها مشاهدة برنامجك أو فيلمك المُفضل.
ويحدث أن تجتمع العائلة أمام التليفزيون، أو تجتمع سويا لمشاهدة فيلم ما، فيكون اجتماعهم لمشاهدة الفيلم وليس للتحدث ومناقشة موضوع هام. ومع التقدم التكنولوجي الرهيب واستخدام التجربة في الاختراعات؛ أصبح طموح الإنسان لا يحدُّه حد في بذل الغالي والنفيس من أجل اكتشاف المزيد والمزيد وسبر أغوار المجهول. وتتبارى” هوليود”في صنع أفلام سينمائية لا حد لها، مواكبة لهذا التقدم التكنولوجي الزاخر الذي يُعد وسيلة عظمى لخدمة الأفلام السينمائية من خدع بصرية وصوتية وما إلى غير ذلك.
طموح الإنسان لا حدّ له في اكتشاف الجديد؛ لذلك نجد افلاما قائمة على تجارب لم تُكتمل بعد، ويقوم الفيلم بتخمين العديد من نتائج هذه التجارب في محاولة لحل جانب الغموض الذي فُطِرَ الإنسان على تفسيره وحله. وتستخدم السينما العديد من الحيل التي لا تتم واقعا. فمثلا يمكن تجاوز عشرات السنين لعمر شخص معين بالفيلم. ويمكن تصور رجل خارق يقفز من على برج شاهق في المياة دون أن يصيبه أى أذى باستخدام الخدع التصويرية، أو هذا الشاب الذي يجلس على الأرض وينام على قدميه نمر ضخم و لا يؤذيه، أو هذا الطفل الذي نما وكبر في دقيقة واحدة ليصبح رجلا بكلمة على الشاشة “مرّ خمسة وعشرون عامًا” !
بل ومغامرات الفضاء أو حتى السفر إلى دولة أخرى. يستعين الفيلم كذلك بممثلين محبوبين عالميًا وموسيقى تصويرية خاصة لكل مشهد. فبالإمكان متابعة فيلم معين فقط بسبب وجود الممثل الفلاني. ويمكن التأثر بفكرة فيلم فقط بسبب الجو النفسي الذي فرضته الموسيقى التصويرية.
الأفلام لا تذاع للتسلية فقط
في المثالين السابقين؛ ذكرنا بعض من التأثير الإيجابي لبعض الأعمال، ولكن ماذا يمكننا أن نفعل بشأن العديد من الأعمال الكثيرة سلبية التأثير والتي تشجع على العنف بدون سبب أو وجه حق، أو التي تُشجع أن القوة هى أساس كل شئ، وأن الحق نسبي، ولا يوجد مبدأ ثابت!
يكفي أن ترى مشهدًا واحدًا فقط وأنت تمر على ابنك وهو يشاهد فيلما سينمائيا من أفلام “هوليود” لترى حجم التأثير، تأثير بغاية السهولة والسرعة، تأثير أُنفق عليه ملايين الدولارات وبمجهود جبار حتى يتم نشر مجموعة من الأفكار الهدّامة لتُسيطر عليك وتجعلها-أنت- باختيارك مرجعيتك الفكرية، وتستقي منها مبادئك.
يكفي أن ترى بيوتنا الآن، وأن تنظر إلى شاب ربّته هذه النوعية من الأفلام وأن تنظر إلى والده الذي لم يُشاهدها وترى الفجوة الهائلة بينهما، وما يتبع ذلك من كم المشاكل الموجودة بينهما في اتخاذ القرارات على سبيل المثال.
أطفالنا غارقون في خيال الأغيار
دائمًا أتذكَّر هذا المثال؛ أم لم تشاهد أفلامًا هوليودية من قبل وابن مدمن مشاهدتها؛ حيث كان الابن يشاهد أحد المشاهد التى يقوم فيها البطل بتقطيع أوصال أحدهم، وكانت الأم جالسة، فصرخت وامتعضت بينما الابن لم ينبت ببنت شفة وجلس يتأمل باقى المشهد دون حراك.
حينما عرضت كتاب للأطفال لأحد الأمهات وبه مادة علمية تضُم؛ التعرف على الاختلافات، التعرف على الرابط بين الكلمات، والبديهيات العقلية.. ضحكت وقالت هذه الأشياء لن ينجذب إليها الأطفال!
صحيح هذه الأشياء لن ينجذب إليها الأطفال.. لكن لماذا؟ لأن الأطفال-الآن- يعيشون فى عالم من الخيال وللأسف ليس من صنعهم بل نحن من صنعناه. نعم! صنعنا خيالهم. هم يعيشون فى عالم سوبر مان وباتمان، وبنتن، وسبايدر مان، والألعاب الإليكترونية الشهيرة التى يُحارب فيها الطفل-افتراضيًا- من دون أى معنى أو من أجل أن يكسب المال الافتراضى.
الانطلاق من الهوية
ينبغي علينا أن نعتز بثقافتنا وهُويتنا الأصيلة؛ لأنها نحن ببساطة، ينبغي أن نتعلم الصبر في سبيل الحفاظ على نافذتنا المعرفية وأن نقوم بتقديم البديل الذي يُعبّر عنّا حتى لو بدأنا من الصفر وكأننا نُعيد بناء الإنسان؛ ولذلك مشروعنا بالعقل نبدأ.
اقرأ ايضاً: