عام جديد سعيد
عام جديد، نعم هو كذلك، هو كذلك عندما تمر آخر ثانية في آخر دقيقة في آخر ساعة في آخر يوم في آخر أسبوع في آخر شهر من العام الماضي، هو كذلك في الجهاز المكتبي أو في الجهاز المحمول الذي تملكه، هو كذلك عندما تضطر أن تسجل التاريخ على ورقة ما… هو كذلك في عدة أشياء أُخرى تعني أننا الآن في عام جديد نظريًا فقط.
لكن عمليًا هل هو فعلًا جديد بحق؟ ما الذي جَدَّ عليك وعلى مجتمعك لكي تُطلق عليه بأنه جديد بحق؟ هل جَدَّ شيء على تفكيرك الذي تتعامل به مع الأمور؟
فكما يقول دكتور مصطفى محمود “إن مشكلتك ليست سنواتك التي ضاعت، ولكن سنواتك القادمة التي ستضيع حتماً إذا واجهت الدنيا بنفس العقلية”، هل جَدَّ شيء على أفكارك التي تنبني عليها سلوكياتك؟ هل أصبحت سلوكياتك أفضل؟
فتعبد إلهك بحق وتتعامل مع الناس بأسلوب حسن، هل أصبحت تسعى للمعرفة وأصبحت تعمل بها؟ هل أصبحت تسعى نحو غايتك أم مازلت ساكنًا في مكانك كالعام الماضي والعام الذي قبله؟ هل أصبحت أفضل وأصبح مجتمعك أفضل؟…
إن جَدَّ شيء عليك بشكل عملي وأصبحت وأصبح مجتمعك بسببه أفضل، فهنيئًا لك، أنت الآن بالفعل في عام جديد بحق، عام جديد ليس لأنه حدث تغيير في التاريخ فقط.
على مستوى الإنسان
عام سعيد، على مستوى الإنسان؟! لا ليس كذلك، ليس كذلك لأننا لا نعرف شيئًا عن السعادة، ليس كذلك لأننا لا نعرف معنى السعادة فنظن أنها شيئًا آخر، فإن كنت أظن مثلًا أن دولة الصين هي نفسها دولة الهند، فهل أستطيع في يوم من الأيام أن أصل إلى دولة الصين؟
يقول الإمام أبو حامد الغزالي “الفتور عن طلب السعادة حماقة” نعم هي حماقة، لأن كل إنسان يسعى في كل لحظة وفي كل سلوك له أن يحصل على سعادته، ومنْ يتكاسل في ذلك فهو بالطبع أحمق، لكن كيف تصل إلى شيء وأنت لا تعرف عنه شيئًا أو تظنه شيئًا آخر؟ كيف تسعى في طلب السعادة وأنت لا تعرف عنها شيئًا أو تظنها شيئًا آخر؟
فقد يظن ظان أن السعادة هي الفرحة أو الانبساط أو اللذة، فتحصل عليها من مأكل أو مشرب أو ملبس معين إلى غير ذلك من الأشياء المادية التي من طبيعتها النقص والزيادة، وكأن السعادة تنتهي بانتهاء الشيء الذي تحصل عليها منه، بالطبع لا…
السعادة هي أن يتكامل الإنسان معنويا فهذا هو الأولى، وفي سعيه لذلك يسد نقصه المادي الذي يشترك فيه مع الحيوانات، وألا تكون هناك فجوة بين أفكاره إن كانت صحيحة وبين سلوكياته، فيعرف الحق ويتبعه (أي يعمل بالخير).)
فها هي السعادة بما هي سعادة، ها هي السعادة التي يجب أن يسعى إليها كل إنسان، ها هي السعادة التي من خلالها الإنسان يُصبح سعيدًا بحق لا أن يفرح لساعة أو ليوم بمجيء عام جديد ويعيش في حزن فيما تبقى من نفس العام،
ها هي السعادة التي من خلالها على مستوى الإنسان يُصبح العام سعيدًا بحق، فإن كان الاحتفال بالعام يدعو إلى الفرحة في يوم، فنحن ندعو إلى السعادة في هذا اليوم وفي كل يوم، ندعوا إلى أن تكون في كل أيام العام سعيدًا بحق.
على مستوى المجتمع
أما على مستوى المجتمع فهو ليس سعيدًا أيضًا، نعم ليس سعيدًا، كيف يُصبح سعيدًا بعد قرار (ترامب) وإعلانه أن القدس عاصة إسرائيل! -يُطلق عليها ما يُطلق، فكل هذا اعتبارات لفظية، لأن الواقع يقول أن القدس عربية وستظل عربية فهذه حقيقة يقينية، رغم أنفه وأنف غيره- كيف يُصبح سعيدًا ونحن لا نسعى لاسترداد قدسنا؟
بل كيف يُصبح سعيدًا ونحن حتى لا نتألم من هذا القرار! –ضع من علامات التعجب ما تشاء في هذا الأمر- حدثني كيف يُصبح سعيدًا ومجتمعنا غارق في الظلمات، يُعاني من الظلم المعنوي قبل المادي، يُعاني بسبب ظلم أفراده لأنفسهم ولغيرهم، كيف يُصبح سعيدًا في دولة ما وباقي الدول المجاورة في حزن تام؟
كيف يُصبح سعيدًا وفلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرهم… يُقتلون كل يوم بل كل ساعة، أم أصبحنا كالذي هو أعمى العقل والقلب والبصر؟
تنظر فقط إلى كيف يحتفل الغرب بهذا العام وتسعى لتقليدهم! هم من الممكن أن يكون لديهم أسباب لاحتفالهم، لكن أنت على ماذا تحتفل؟ تحتفل بالخراب؟ تحتفل بالقتل؟ تحتفل بالسرقة؟ تحتفل بالظلم الذي يملأ مجتمعك من أوله لآخره؟ تحتفل بمجتمع متهالك على يمينه الشهوة وعلى شماله الغضب ولا يعرف عن العقل شيئا، حدثني على ماذا تحتفل؟
نتمنى لكل عام أن يكون جديدًا وسعيدًا
يا صديقي ما يُغير السنين حقًا هو “ما نكون عليه فيها” و “ما نفعله من خلالها”، فإن لم تفعل شيئاً لإصلاح نفسك وتطويرها في العام الذي نظنه جديدًا سعيدًا فلا نتوقع أن يكون أفضل من ذي قبل على الإطلاق.
يا صديقي إن لم تسعَ لأن يكون العام جديدًا وسعيدًا بحق على نفسك وعلى مجتمعك فكيف سيكون كذلك؟
يا صديقي كلها أماكن وأزمنة واحدة، فهي خير، كلها خير، لا يختلف في ذاتها شيء، أفعالك هي التي تعرض على الأماكن والأزمنة فتفرح بها وتتذكرها إن كانت أفعالك خيرًا.
يا صديقي سئمنا من أن نتمنى لكل عام أن يكون جديدًا وسعيدًا ولا يكون كذلك، ألم يأنِ لأن نسعى لذلك فيكون كما نتمنى؟!
اقرأ أيضاً:
عام جديد! ربما يكون سعيد أو قد يكون مثل ما سبقه، فما الفارق؟
ثقافة التغيير بين النظرة السطحية والنظرة العقلانية
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا