مقالاتقضايا شبابية - مقالات

القدس تدافع عن العالم – فالإنسانية ترفض الظلم والاحتلال ونهب خيرات الشعوب

في السادس من ديسمبر الجاري خرج علينا -الرئيس الأمريكي- دونالد ترامب بقراره الذي يتمثل في الاعتراف بالقدس الشريفة عاصمة لدولة الاحتلال “إسرائيل” والشروع في نقل السفارة الأمريكية إليها.

وعد بلفور البريطاني والدعم الأمريكي

القرار الأمريكي أعاد إلى أذهاننا التصريح الذي أصدرته الخارجية البريطانية في 2 نوفمبر عام 1917م وعُرف بـ”وعد بلفور” نسبة لآرثر جيمس بلفور وزير الخارجية آنذاك، بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبالفعل ساعدت بريطانيا العصابات الصهيونية على إقامة دولتهم المزعومة والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة يمكن الرجوع إليها [1] مثلما تحظى دولة الاحتلال”إسرائيل” بالدعم الأمريكي المباشر حاليا وغير الأمريكي أيضا.

في الحقيقة؛ الموقف البريطاني سابقا والأمريكي حاليا لا نقول يستنكره، بل يتعجب كل عاقل  من الجرأة- أو في الواقع  الوقاحة- التي اتُخذ بها!

فلا أظن أنني إذا جئت إلى مدينتك وعاينت منزلك ثم عمدت إلى مكبر للصوت واستخدمته لأذيع عليك نبأ مفاده أنني قررت أن أنزع عنك بيتك وأعطيه لوافد غريب على المدينة، لا أظن أن موقفي هذا ستقابله بالاستنكار! بل ربما تصيبك نوبة من الضحك الهيستيري وتنعتني بالمجنونة! ولست مخطئًا!

فكيف ظنك بمن قرر أن ينزع شعبا بقيمه ومقدساته وثقافته، أفراحه وآلامه، حضارته ومنتجاته، تفاعله مع جغرافيا المكان وتاريخه، العلاقات التي ربطت الجيران والأصدقاء، بسمات الصغار وأحلامهم، ماضي الشيوخ وذكرياتهم، الأسرة الكبيرة التي تسكن البيت الواحد، أشجار الزيتون التي شهدت على تعب الأسرة وكدها في الزراعة وفرحها بالحصاد، قرر أن ينتزع وطنا من أهله ويستعمل مكبرا للصوت ليذيع عليهم بيان مفاده أنه قرر وهبه لآخرين وأصحاب البيت والأرض والشجر والذكريات عليهم البحث عن مكان آخر غير وطنهم يؤويهم فوق الأرض إذا استجابوا للبيان، أو تحتها إذا قاوموا!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ذلك هو القرار الأمريكي ومن قبله الوعد البريطاني ممارسة للبلطجة والعنجهية، وهو ليس شذوذا في الواقع عن رؤية الحضارة الغربية المادية التي تنكَّرت للقيم الإنسانية، للعدالة والحق واحترام الآخر وحفظ كيانه وحقوقه، تنكرت للأصل المعنوي والروحي للإنسان؛ فاختزلته في الجانب المادي الذي لا يعترف سوى بلغة القوة المادية والسطوة وفرض الأمر الواقع على حساب الخير والعدل والحق، لا يعترف سوى بالمصالح الشخصية المادية فينهب ويحتل ويستعمر ويغتصب دون أى اعتبار للمبادئ ودون رادع من قيم أو أخلاق.

الصهيونية

والصهيونية هى تجسيد حى لقيم المادية بوحشيتها التي قضت على الإنسان حين قضت على العدالة وحفظ الحقوق ولم تقم وزنا للأخلاق والمبادئ، والتي جعلت الأصل للقوة والبلطجة؛ فأنتجت الاحتلال والاستعمار ونهب خيرات الشعوب وأرضها وتدنيس مقدساتها، وجعلت المصلحة مقدمة على الحق، وقد التزمت الصهيونية وتمسكت برؤية وقيم حاضنتها الثقافة المادية فمارست أبشع أشكال الظلم من المجازر والتشريد وهدم البيوت والتهجير والاعتقال وعدم احترام المقدسات في همجية وحيوانية يشهد بها العالم، ودعمت الأنظمة العنصرية التي قتلت شعوبها.

الشيخ الفلسطيني، والمرأة الفلسطينية، والرجل الفلسطيني، والطفل الفلسطيني حتى الأشجار تحارب وتقاوم أسوأ ما أنتجه الإنسان -على مر تاريخه- من فكر وثقافة، وأبشع ما مارسه من سلوكيات، يقاومون آلة الحرب الوحشية التي لا ترحم شيخا ولا طفلا ولا امرأة، يقاومون البلطجة والعنجهية والعنصرية، يقاومون سلب الحقوق بالقوة، يقاومون اغتيال بسمات الصغار وأحلامهم الصغيرة، يقاومون عجز الأب عن حماية ابنه ، عجز رب الأسرة عن حماية أسرته،

يقاومون ضعف الأم عن انتزاع وليدها من بين أيدي خاطفيه، يقاومون سطوة المستعمر المحتل الذي ينهب ويسرق ويغتصب، يقاومون الإذلال والظلم والغطرسة الأمريكية والصهيونية، يقاومون الضرب بكل الأعراف الدولية والاتفاقات عرض الحائط، يقاومون المؤامرات الدولية المشبوهة ويفضحون الباطل  يقاومون سياسات الإمبريالية والتوسع والهيمنة على مقدرات الشعوب وحقها في العيش والمساهمة في ركب الحضارة الإنسانية.

القدس تدافع عن الإنسانية

الشعب الفلسطيني الأبيّ يدفع من دمه ومن شبابه وشيوخه وأطفاله ليدافع عن القيم الإنسانية، عن الحق والعدل، ليرفض لغة القوة وفرض الأمر الواقع والهمجية، يدافع عن المبادئ!

القدس تدافع عن الإنسان الذي يريدون أن يجردوه من إنسانيته ويجبروه على العيش في غابة يتصارع فيها مع أخيه ويسحقه، القدس تدافع عن أصالة العدل والحق ووضوح المبادئ والقيم، تدافع عن أمل الإنسانية في واقع أفضل، في عالم أفضل، عالم يعطي الحقوق لأصحابها، عالم ينتصر للمبدأ والقيمة، عالم لا يسحق الضعيف والفقير ويكفله ويتولى رعايته، عالم يُخلِّص الإنسان من قيود وأغلال المادية التي سجنته في جسده وممتلكاته المادية فحكمت على الفقير بالتعاسة والذل، عالم يُقاوِّم الظلم ويرفض الاستعمار ونهب وسرقة الشعوب، عالم يُحتَرم فيه الإنسان.

القدس تدافع عن مقدسات مليارات المسلمين والمسيحيين في العالم من التدنيس والانتهاك والهدم.

القدس تدافع عن العالم!

تدافع عن حلمك في غد أفضل لأولادك وأحفادك تُحتَرم فيه إنسانيتهم وتُصَان حقوقهم ومقدساتهم.

المعركة ليست للفلسطينيين وحدهم

المعركة مع المادية والوحشية ليست معركة الفلسطيني وحده، بل معركة كل منا، معركتنا جميعا لأنَّ الظلم يُدمي ضمائرنا جميعا، ولأنَّ لكل منا عقلا يرشده لأصالة القيمة والمعنى على المادة والمصلحة المادية ولأن الحق ليس ما تفرضه البندقية. معركتنا جميعا لأننا جميعا تحت تهديد هذا العدو الذي يتحين الفرص للانقضاض علينا ولا يدخر جهدا لبث أسباب النزاعات والخلافات والفتن بين الأشقاء ولإضعاف الدول وصرف طاقات أبنائها عن البناء والتعمير إلى الاقتتال والنزاع والتدمير، معركتنا جميعا لأن مقدساتنا تنتهك وتدنس وتحرق.

المعركة مع الصهيونية معركتنا جميعا، وأول واجباتنا تجاهها هو الوعى والتوعية بأهمية تلك المعركة والوعى والتوعية  بضرورة مقاومة هذا العدو وإخراجه من صدورنا ومن قراراتنا وسياساتنا الاقتصادية ومن أرضنا.

معركتنا جميعا، ومن واجباتنا دعم كل من يقاوم ويصمد في مواجهة هذا الاحتلال الغاشم وتلك البلطجة والعنجهية.

معركتنا جميعا، ومن واجباتنا مقاطعة العدو اقتصاديا ورفض بضائعه التي يصرف بها على شراء السلاح الذي يُوجِّهه لصدورنا وقيمنا وأحلامنا.

معركتنا جميعا، ومعركة كل صاحب بصيرة وعقل وضمير، ومن واجباتنا أن نشترك مع القدس في الدفاع عن الإنسان وفي رفض منطق القوة والحيوانية ولا ندعها وحيدة تُحارب عَّنا جميعا!

[1]   النكبة – الجزء الأول 

اقرأ أيضاً:

ستبقى القضية حية

كيف تم تهويد القدس ؟

سفر فلسطين – المسيح بيننا

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية