مقالات

قصة المرتب مع السلع الزائدة

يوم جديد ورتين ممل! أنا حقاً أشعر بالضجر؛ فكل يوم أنغمس منذ الصباح إلى المساء في العمل حتى أستطيع أن أتحصل على ما يكفيني أنا وأسرتي، وبرغم من أن المرتب الذي أتقاضاه مرتفع بالمقارنة مع باقي الموظفين، فلقد كان هذا المرتب يعد ثروة منذ زمن ليس بالبعيد؛ فقد كان يستطيع من يمتلكه أن يشتري الكثير من السلع والكثير ولكنه لا يسد احتياجاتي الآن.

هكذا تحدث رامي مع صديقه عصام بمجرد قدومه إلى العمل وهو يحمل في يده وجبة سريعة، فقد اعتاد أن يجلب واحدة في صباح كل يوم حتى لا يتأخر على العمل، فتبسم عصام قائلاً: هل حقاً تريد أن تعلم السبب أم أنك تشتكي لتخفف عن نفسك؟
رد رامي قائلاً: ياعصام الأمر فعلاً أرهقني وأصبح لا يطاق ولا أجد له تفسيراً!

عصام: إن السبب وراء هذه المشكلة يرجع لعاملين أولهما التضخم المالي الذي أصاب البلد فهو الذي أفقد العملة قيمتها الشرائية وهذا مرجوعه في إصلاح النظام الاقتصادي، ثم همس له ضاحكا، وأحب أن أنوه أنك لست المتسبب في التضخم ولست أيضاً القادر على حله.

فسأله رامي: إذاً ما هو السبب الثاني؟ فرد عصام قائلاً: السبب الثاني هو الثقافة الاستهلاكية، رامي. وما معنى الثقافة الاستهلاكية؟

عصام: ثقافة الاستهلاك يقصد بها الإقبال من الجماهير الغفيرة على اقتناء السلع الكمالية، والمبالغة في شراء ما ليس هناك حاجة حقيقية إليه، مع ازدياد الأهمية التي يعلقها الناس على القدرة على الاستهلاك، وتنافس الناس فيما بينهم في إظهار هذه القدرة، وانتشار الاستهلاك المظهري الذي لا يخدم إلا هذه الرغبة في التفوق على الآخرين وهذا التعريف هو لجلال أمين– من كتاب العولمة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

رامي: يا عصام مفهمتش ممكن تشرحلي بشكل أبسط

ببساطة هي أننا نضع السلع الكمالية محل السلع الضرورية ونعطيها نفس الأهمية.

صاح رامي قائلاً: عصام

رد عصام سريعاً: أيوة يا رامي أكيد هتسألني يعني إيه سلع كمالية ويعني إيه سلع ضرورية صحيح؟

أيوة فعلاً!

عصام: طيب يا رامي السلع الكمالية الحاجات اللي بنشتريها من باب الترفيه ملهاش احتياج ملح وضروري في حياتنا زي المكياج بالنسبة للسيدات واللبس على الموضة بالنسبة للشباب وغيره وزي النيش اللي سادد بيه باب الشقة عندك يا رامي!

ده بالنسبة للسلع الكمالية أما السلع الضرورية فهي اللي بنحتاجها علشان نعيش وهي الأكل والشرب واللبس اللي بيستر جسمنا وبيتوافق مع مسلماتنا وهويتنا ومثل التعليم والصحة أيضاً دي كلها ضروريات للإنسان.

طيب ياعصام هي ثقافة الاستهلاك دي جات منين ومين المستفيد منها؟

ممكن أرد أنا يا عصام! هكذا تحدث إبراهيم صديقهم الثالث في المكتب قائلاً: بص يا رامي الاستهلاك أمر طبيعي جداً ولازم للاستمرار في الحياة بس زي ما قال في الضروريات بس، أما ثقافة الاستهلاك بالمعنى والمضمون اللي ذكره عصام في البداية على لسانه لجلال أمين،

بدأ في الغرب وتفحل وازداد حقاً في عهد مارغيرت تاتشر (رئيسة وزراء بريطانيا)، ورونالد رويغان (الذي شغل منصب الرئيس الأربعين للولايات المتحدة) لأنهم أعطوا الكثير والكثير من المميزات للشركات مما سمح لهم بالسيطرة على أدوات الإعلام ونشر هذه الثقافة حتى تزداد الأرباح بازدياد الإقبال على الاستهلاك،

فكلما استهلكت أكثر كلما ازدادت جيوبهم، ولم يتوقف الحلم الرأسمالي على شعب بلده الذي أهدته الحكومة للشركات بعد ما جعلت السوق حراًّ ولم تتدخل في ضبطه بأي شكل من الأشكال وقد سمح لهم انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول العالم إلى قطب واحد متمثل في أميركا بإلصاق انتصارهم بالرأسمالية فسارعت بعض الدول بتبني هذه النظرية

وفُرض على بعض الدول تبني الرأسمالية مما سمح للشركات من الخروج من إطارها الضيق وتحويلها إلى إمبراطورية عابرة للقارات بعد أن حدث الكثير من الاندماجات بين الشركات بعضها البعض فقد ذكرت نورينا هيرتس في كتابها السيطرة الصامتة في هذا الصدد (لقد حدث تغيير في ميزان القوة ساهم في إحداثه السياسة الحكومية في الخصخصة، وتحرير التجارة ورفع القيود والتطور في تقنيات الاتصالات خلال العشرين سنة الماضية.

وهنالك الآن مائة شركة متعددت الجنسيات هي أضخم الشركات وتتحكم في نحو عشرين في المائة من الأصول المالية العالمية، وأكبر51 مؤسسة مالية في العالم هي الآن شركات، مقابل 49 تمتلكها الدول) ولا يوضح ما وصل إليه الحال في الغرب أكثر من المثل الشعبي الأميركي القائل فلتتبضع حتى تسقط ميتا من الإنهاك

وطبعاً تم تصدير الثقافة الاستهلاكية للعرب بكل الوسائل الممكنة حتى يصبحوا مستهلكين جدد وللأسف وبفضل وسائل الاتصالات الحديثة والثورة المعرفية المتداولة دون قيود أو حواجز أصبح نشر الثقافة الاستهلاكية عن طريق ترويج بعض النماذج

والشخصيات المؤثرة في كل مجتمع، وقد تأثر بها البعض، وكأنهم مُسيرون لا مُخيرون، وقادهم هذا نحو سلع استهلاكية دون الحاجة إليها، فزادت النزعة الاستهلاكية لدى معظم الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية.

إيه الكلام الكبير ده يا إبراهيم! يا عم أنا راجل بسيط مش بفهم بالطريقة دي اشرحلي يا عصام هههههههه

بص يا رامي الموضوع ببساطة إن في ناس بتنصب عليك بأنها توحيلك إنك محتاج لحاجات انت مش بتحتاج لها في الحقيقة بس زي ما بيقولوا “الزن على الودان أمر من السحر” فيظهرولك في كل حته ومش بيخلو أي مكان غير لما يطلعولك فيه علشان لما تشتري اللي هم بينتجوه أرباحهم بتزيد وده ممكن يخليهم يعملوا أي حاجة أي حاجة علشان يأثروا عليك.

رامي طيب أنا مش عايز حد يسرقني ومش عايز أكون مستهلك بالشكل ده أعمل إيه؟!

عصام الحل بسيط يا صديقي وهو على مرحلتين: الأولى هي المعرفة. وانت أديك عرفت والمرحلة التانية: التطبيق وهو إنك تقاوم الاستهلاك بالرفض يعني ما تشتريش غير الحاجات اللي بتحتاجها فعلاً وبلاش وجبات سريعة،

اصحي بدري شوية وجهز أكلك لنفسك، البس كويس بس مش لازم آخر موضة، عود أولادك على كتب المدرسة وبلاش ملخصات، بلاش مشاريب غازية عمال على بطال، وقيس على الضرورة وعدم الضرورة كل حاجة وشوف مقدار أهمتيها وبعد كدا ابقى اشتري.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

 

مؤمن أحمد سيف

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ أسيوط