الشر
“الشر” ربما هو المعضلة الأكبر لدى البعض في نظرتهم لوجوده من حولهم، فلماذا لا يوجد عالم يسوده الخيرات لا توجد به شرور؟
هذا السؤال يداعب بعضنا وخصوصا في فترات المحن وعند رؤيتنا لبعض أوجه القصور والخلل حولنا، لذلك علينا أن نبحث في الأمر.
أحكي لكم موقفًا… بينما كنا في انتظار بقرة أن تضع مولودها كان معي صديقان: صديق رأى أن منظر الولادة والسائل التي ينزل من رحم البقرة ويملأ جسد رضيعها يصيبه بالاشمئزاز والقرف، بينما رأى الآخر أن ذلك السائل اللزج وأن تلك العملية ليس مقززة، بل كان شديد التعجب من سلوك زميلنا الأول وكأنه ينظر له بعين من الدهشة والاستنكار يخلطها إحساس بسذاجة وربما تفاهة الرأي المقابل، وقد بدأ زميلنا بنقد الرأي الآخر حول أهمية ذاك السائل اللزج وجماله من أجل تسهيل عملية الولادة وتيسيرها وحفاظها على الجنين فهي من النعم التي لا يفهمها إلا من له خبرة بحياة الريف واختلاطه بالدواب ودورة حياتها.
لذلك كان ذلك الموقف لافتا لي حول أن الأمور قد يدركها شخص ما بجهة، فيما يراها الآخر بأنها على النقيض تماما، فما يكون مقززا لأحدهم يراه الآخر مظهرًا للإبداع والجمال.
لذلك تختلف الأمور في الواقع وذلك بلحاظ رؤيتنا له وتلك الزاوية التي ندرك من خلالها الأمور.
لذلك إذا نظرنا بجهة التسرع والسطحية للحكم لوجدنا الأمور على نحو آخر كصديقنا ولكن إذا نظرنا للأمور بلحاظ آخر سترى الأشياء على نحو جديد، لذلك تكون كثير من أحكامنا وانزعاجنا ما هي إلا نتيجة لسطحية التفكير وعدم اكتمال المعلومات ونقص الرؤية للأمور، فبما أن المعطيات ناقصة فمن ثم سيصاحبها أحكامًا ناقصة ومبتورة ومشوهة .
فعلينا قبل أن نصدر الأحكام أن نفهم وأن ندرك الواقع، فإن كل الصعوبات التي تواجه الإنسان قد نُظرت إليها عبر الزمان بلحاظين.
الأول: أنها الشر، والثاني بأنها عقبة نحاول حلها لنتغلب عليها، فبدأ البعض بوضع الحلول ونمت الاكتشافات من أجل حل تلك المشكلات، فالمشكلة تحوي في باطنها الخير والرحمة للإنسانية بوجه عام و ان حمت في طياتها النقيض على المستوى الفردي.
لذلك سأروي لكم قصة في التراث الصيني تتحدث عن الشر:
يروى أن فلاحا كان لديه حصان وكان ذلك الحصان له دور كبير في مساعدة الفلاح في عمله في الزراعة، ففي أحد الأيام استيقظ الفلاح على اختفاء الحصان وكان ذلك بمثابة كارثة لمن يعمل بالزراعة وعين الشر والمصيبة، ولكن ذلك الرجل الحكيم لم يصدر الأحكام نظرا لعدم علمه بما هي المصلحة، فأتى من حوله ليواسونه ولكنه لم يحزن وقال لعل ما حدث كان خيرا، وبعد أيام عاد الحصان ومعه عدد من الأحصنة البرية ففرح مَن حول الفلاح واعتبروا ذلك كنزا ولكن الفلاح لم يشارك نفس الدرجة من الفرح وقال لعله كان خيرا، وأخذ ابن المزارع بتلك الأحصنة لتربيتها وتهذيبها من أجل أن يجعلها أليفة، وبينما هو يقوم بتدريب أحدهم سقط من فوق أحد الأحصنة فكسرت قدماه فحمله من حوله وقاموا بمواساة أبيه ولكن الفلاح لم يحزن، وأعتقد أن ما حدث ربما به خير لا يعلمه، وبعد أيام قام الإمبراطور بإصدار أوامره بجمع الشباب للحرب فسعى جنده لجمع الشباب ولما دخلوا القرية وجدوا الفتى وقد كسرت قدماه فتركوه ففرح من حوله لنجاته من الحرب إلا ان المزارع قال لعله كان خيرا.
ما نقصده أن الإنسان قد يرى أمرا بية الشر ولكنه بعد فترة يرى الخير وأحيانا لا يرى الخير ولكنه قد يكون موجودا ولكنه لم يدركه، وربما يلح بعضنا على بعض الأمور و يسعى لأنه يظنها الخير، فإذا بها هي التي تلقي بحتفه او تكون سبب لشقائه ، و هي ما أكثرها في تاريخ البشرية.
فلا يجب أن نتعامل مع العوائق بنظر الحنق والغضب بل نتعامل معها بالشكل الصحيح ببذل الجهد ولا نبحث عن النتائج فربما عدم النتيجة يكون خيرا لنا.
فالشر ما هو إلا في أذهاننا نظرًا لقصر نظرنا وطريقة تعاطينا معه و لجهلنا ؛ فالظلم والقتل والمرض يدمي القلب ولكنه في تاريخ الإنسان يكون خيرا لهم بأن يتعلموا كيفية التغلب عليه فقد رأينا كم من محتل قام بالقتل والدمار وكان ذلك دافعا لبعض الشعوب الحية لتنهض من غفوتها وتتحرر وتتقدم وهناك من لم يفعل وهو لم يفعل لخلل به، فالقضية تكمن في إدراكنا ورد فعلنا وليس فيما يعرقل الإنسان في ذاته.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب