انطباعات: انتحار نجم فرقة الروك ” لينكين بارك”
انطباعات: انتحار نجم فرقة الروك ” لينكين بارك ”
امتزجت عندي الكثير من المشاعر والأفكار المتخبطة في لحظة عندما انتبهت لهذا الخبر الذي جاءني في أول أخبار صفحتي الشخصية على موقع “الفيسبوك”. لم أعد أعرف مع أي فكرة أركز وأتعمق، تذكرت الفرقة ” لينكين بارك ” هذه الفرقة التي كانت مع فرق موسيقية أخرى سببًا كبيرًا لسخرية زملائي في الفصل مني لأني لم أكن من الشباب المعاصر الذي يتابع أخبار الفن والنجوم ويشتري مجلة “تين ستاف” ويمضي الصيف في حفظ أغاني الموسم الجديدة العربية والغربية لكي يتفاخر بها أمام أصدقائه في المدرسة. تذكرت أيضا كم الهوس الذي كان يحتل عقول الناس حول هذه الفرق الموسيقية في جيلي وفي كل الأجيال الشابة التي ولدت بعد عصر الانفتاح وحقبة برنامج “العالم يغني” وسهرات “اخترنا لك” على القناة الثانية التي كنا نعتبرها نافذتنا على نمط الحياة الغربية والحلم الأمريكي الذي كان يتمنى الكثيرون من جيلي اللحوق بركبه البهيج.
وها هو ذا الركب الآن يصل لأحد المطبات القاسية جدا على الطريق وهو يرى أحد آلهته الـ”Idol” القدامى يلقى حتفه منتحرا بالشنق. لم يكن الكوميديان “روبن ويليام” صدمة كافية لهذا الركب لكي يتوقف ويفكر قليلا في الطريق الذي يسير فيه، ولا أظن أيضا أن خبر انتحار “تشستر بننجتون” المغني الرئيسي لفرقة ” لينكين بارك ” أو انتحار “كريس كورنل” المغني المشهور ذي الحنجرة القوية ستكون صرخات كافية لإيقاف هذا السعي الجنوني نحو هذا الهدف الذهبي اللامع الذي ضاعت الكثير من الأرواح وزهقت الكثير من الأنفس في سبيل تحقيقه دون جدوى حتى الآن.
أنا لا أتحدث عن شخص عادي في هذا الركب الجنوني، أنا أتحدث عن نجوم ورموز وآلهة هذا الموكب، عليكم أن تدركوا جسامة الخبر. مهما يحاول الغرب في هذه النكبات أن يداري على الخبر وأن يظهر إلهًا جديدًا في مكان الآلهة التي تتساقط يوما بعد الآخر فإن العقول المستنيرة لن تدخل عليها هذه الخدعة الماكرة. دائما أؤمن بأن هناك من سينظر إلى جانبي طريق الموكب وخلفه ليرى أجساد “الأبطال” التي تساقطت في هذا السباق، سباق لا أحد يعرف لماذا أو إلى أين يذهب؟ فالكل وعد بالوصول لأحلامه وتحقيقها ما أن يصلوا إلى هذا المكان الذي لا يملكون له خريطة ولا يعرفون له علامة أو أي كيفية للاستدلال عليه.
يتدربون ليل نهار في صوامعهم وبرامجهم عن الموهبة والحلم والحنجرة الذهبية في انتظار هذا اليوم الذي يصلون فيه للخلاص الموعود الذي يعتقدون أنه سيكون الراحة الأبدية لهم. وتغفل أعينهم عن رؤية الحقيقة التي تقع على جانبي الطريق عند أجساد أبطالهم الأولمبييـن الذين سقطوا. فالجواب أمام أعينهم طوال الوقت لكنهم لا يريدون أن يصدقوا أن النهاية الموعودة هي نهاية العدمية والاكتئاب والانهيار نفسها التي يجدونها في أجساد “كريس كورنل” و”تشستر بننجتون” و”روبن ويليام”.
ربما لا يعجبنا سماع هذا الكلام الصعب الصاعق بآذاننا ونحاول بكل صعوبة التملص من هذا القيد الحارق الذي ألهب أيدينا ودمر أحلام الوهم الأمريكي أمام أعيننا، ولكن مهما حاولنا فإننا كلما نظرنا لجانب الطريق سنجد هذا الواقع يصدمنا دائما. لكن لن يتوقف الركب عن المسير طالما أن المغريات الجديدة تلمع دائما في وسط الطريق لتشيح بأنظار الناس عن الحقيقة وتغري أنظارهم بالوعود التي اكتشفنا ونعيد اكتشاف كذبها كل يوم.
ولنأخذ نجم فرقة الروك لينكين بارك مثالا، لا يجب أن أذهب بعيدا، فالمعلومات البسيطة عن هذا الرجل يمكن أن تعطينا عمقًا كافيًا للتفكر فيما يحدث حولنا. لقد كان بالفعل يملك كل ما تصفه لنا الرؤية المادية أنها السعادة الحقيقية. مال وفير، منزل، عائلة، زوجة جميلة، أبناء وإناث وذكور، عمل شيق كنجم رئيسي في فرقة غنائية مشهورة يذيع سيطها في الأركان الأربعة للمعمورة. ربما لو شعر بالضجر فإن آلاف الحسناوات على أتم الاستعداد لإسعاده بكافة الطرق التي يمكن لنا أن نتخيلها والتي نعجز عن تخيلها كذلك.
السؤال الآن المحوري والهام والمُلِح: ما الذي يدفع المغني الرئيسي لفرقة لينكين بارك للانتحار شنقا في منزل أسرته؟ فليجيبني أحدكم لأني في الواقع وطبقا لمنهج المادية الذي أمضيت أغلب حياتي أتعلمه وأعيشه ماعدا السنين الأخيرة في حياتي، فإني لا أجد إجابة، ما الذي كان يريده هذا الرجل الطماع غير القانع أكثر من ذلك؟ إن لديه بالفعل كل شيء، إنه حتى لم يترك الأشياء المحرمة بالنسبة لنا بالقانون والشرع. فالتقرير في موقع روسيا اليوم يقول بالحرف
“كما كان بنينغتون يتحدث سابقا عن مشاكله مع إدمان المخدرات والكحول والاكتئاب، حيث اعترف، في ديسمبر العام الماضي، أنه كان في مرحلة من الانكسار وفقدان الأمل بالحياة.“
فعلا لقد انفطر قلبي على هذا الرجل! فبينما المحرومون من أبناء الإنسانية المعذبة يعانون ليجدوا فقط قوت يومهم ويعتبرون نفسهم من أكثر سكان الأرض حظا لو باتوا ليلتهم وقد امتلأت بطونهم جزئيا بالطعام، فإن هذا الرجل المسكين البائس لم يجد السعادة حتى بعد إدمان المخدرات والكحوليات. أريد وبشدة أن أطلق بصوت مرتفع كلمة “ياحراااام!” من كثرة التأثر والقشعريرة التي انتابتني من هذا الخبر. ما هذا الذي يحدث وكيف تتغير نظراتنا للواقع بهذه الدرجة السخيفة المثيرة للشفقة. طبعا لا يوجد شماتة في الموت وليس الموت ما أسخر منه، فهو الآن في موقف صعب بعد أن اعترض على وجوده وأنهى حياته بنفسه، لكن ما أسخر منه هو الحال المتبدل وغير المنطقي الذي تسير عليه الأمور في هذا العالم. وكيف أن العدمية والشهوانية المفرطة التي فتكت بالمجتمع جعلت التأثر بأبطال موكب “الخيبة المادية” أكبر وأهم عند الناس وبؤرة اهتمام أوسع من بؤرة اهتمامهم بالمستضعفين من فقراء ومظلومي البشرية الذين يصرخون تحت وطأة الموكب نفسه.
عليك أن تتخيل الصورة معي فهو موكب يسير على أعناق وأجساد أبناء الشعوب المستضعفة ليستهلك موارد أوطانهم وبلادهم بكل إسراف ولا مبالاة لكي يحققوا الرفاهية المادية التي يتمتعون بها حتى الثمالة لتتساقط أجسادهم على جوانب الطريق فيكملون المسير دون اهتمام من هزيمة لهزيمة ومن انكسار لانكسار ومن تسافل لتسافل حتى تنتفي الإنسانية كمفهوم وكواقع تماما. ضحايا أسفل الركب وضحايا على جانب الطريق لكن شتان بين هذه الضحية وتلك، ضحية قررت أن تقاوم الركب وتدافع عن هويتها ورفضت الانخراط والذوبان في هذا الركب الفاسد. وضحية ثانية سقطت بعد أن أنهكها التلذذ بأنواع وأصناف المشتهيات التي لم تكن لتوفر لهم غلا على حساب الضحايا التي نهبت وسرقت حقوقها من قبل. ثم بعد أن يتقدم الموكب قليلا نجد من نجحوا في الهرب من الموت تحت وطأة هذا الموكب الدامي الغاصب يهللون لأبطاله الذين سقطوا على جانبي الطريق وينسون ضحاياهم وإخوانهم الذين قتلهم الموكب. إنه قمة الانسحاق أن تحلل لأبطال المحتل والغاصب الذين سقطوا في صراعهم لإخضاعك وإذلالك كفكر وكحضارة وكشعب لا كفرد فقط.
لا لن نتعاطف مع ضحايا ركبكم وإن كانوا مساكين يستحقون الشفقة على جهلهم وسوء اختيارهم وهلاكهم في النهاية على الرغم من كل ما توفر لهم من إمكانيات للراحة والسعادة وهذا هو جوهر ما يثبت فشل سعيكم وفشل نظرياتكم وفشل اختياراتكم. أما ضحايانا القابعين تحت مجنزرات دباباتكم وركام البيوت التي هدمتها صواريخكم ورماد الحريق الذي أشعلته قذائفكم الفسفورية والعنقودية المحرمة دوليا، وأطفالنا ورضاعنا الذين اقتنصتهم طلقات بنادقكم، فلا لن ننساهم، فهم أول الضحايا التي حاولت أن تقاوم ركب الطغيان والفساد والمادية والرأسمالية المتوحشة التي تخرب في الأرض وتعوث فيها الفساد.
ونحن نختار اليوم مجددا وبكل بسالة أن نسير على نفس الدرب الذي سار فيه أجدادنا وأباؤنا في مقاومة مكر الاستكبار والظلم. وقد زاد اقتناعنا بعد كل ما رأيناه من فشل مساعيكم و”فلسفتكم” المزعومة في تحقيق أي سعادة للإنسانية حتى أغنى أغنيائكم وأشهر مشاهيركم مثل جم فرقة الروك لينكين بارك ، فإننا على يقين تام أن هذه الرؤية المشؤومة ليست إلا كنور الصاعق الكهربائي في ليل الصيف الحار. فهو يعد البعوض كذبَا بالنور في هذا الليل الكئيب، ولكن النهاية المحتومة هي الهلاك لكل من يقترب من هذا الصاعق الماكر.
هكذا هو حلمكم وهكذا هي “فلسفتكم” إن جاز أن توصف بهذه الكلمة الراقية. هذه الكلمة التي شوهها مفكروكم التائهون بين أوهام الإنسان الفائق وبين أوهام السيطرة والتحكم في كل شيء. هذه الكلمة التي أراد أصحابها الأوائل أن تصف حب الحكمة وحب الحق والخير والجمال كقيم مطلقة تنير للبشرية طريقها نحو مدينة الفضائل والقيم والعدل الاجتماعي الشامل. لا نحو بابليون العصر الحديث التي تسحق مواطنيها تحت سنابك الشهوات والتسافل اللا إنساني دون رحمة أو شفقة على أحد. لا لن نشفق على ضحياكم، ولن ننسى ضحيانا!
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.