مقالات

دورمامو والطبيب “الأوبرمنش” – مناقشة فلسفية لتحليل أحداث وشخصيات الفيلم

دورمامو والطبيب “الأوبرمنش” – مناقشة فلسفية لتحليل أحداث وشخصيات الفيلم

شاهدت منذ أشهر عديدة فيلم السينما الأمريكي “الدكتور سترينج”، بطبيعتي أحب أفلام الحركة والصخب والضرب والحبكة الدرامية وصراع الخير والشر وغيرها من مثيرات تلك النوعية من الأفلام.

كما تتميز “مارفل” الشركة الأم التي تنتج كل تلك السلسلة التي تسمى بالمنتقمين أو “الأفنجرز” باستهدافها للأطفال ولذلك تجد قصة جيدة في كثير من الأحيان دون أي مشاهد خليعة أو إباحية، بصراحة استمتعت بالفيلم بمعنى الكلمة. وأنصحكم بمشاهدته مرة أخرى لو كنتم شاهدتموه من قبل، لو استطاع هذا المقال أن يثير فيكم الفضول والتساؤل حول أحداثه التي ربما تظهر واضحة وبسيطة من الوهلة الأولى ولكنها تزداد غموضا كلما انتبهت أكثر للتفاصيل.

شخصيات الفيلم

كانت الشخصيات المحورية للفيلم أربع شخصيات، الدكتور “سترينج” والراهبة و”كايسيلياس” المتمرد الذي يحاول خدمة “دورمامو” وأخيرا “دورمامو” هذا الوجود السرمدي العجيب الذي يصفونه في الفيلم بالشر المطلق وبأنه يقبع خارج الزمان وأنه مدمر الأكوان.

هذا هو الخطر الرئيسي الذي يحاول الفيلم أن ينبهنا من شره مرارا وتكرار. ويتضح لنا في آخر الفيلم أن القوة الكبيرة التي تمتلكها الراهبة تأتيها من خلال فيض “دورمامو” وأنها كانت بحكمتها وعقلها تستطيع أن تستخدم هذه الطاقة دون أن تخضع لسيطرة “دورمامو” الإله الشرير على عكس “كايسيلياس” ضعيف الإرادة الذي يسيطر عليه دورمامو تماما ويستخدمه لتحقيق أهدافه الشريرة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثلاثة من الشخصيات المحورية في الفيلم، من اليمين: “كايسيلياس” خادم “دورمامو”، ودكتور “سترينج” وأخيرا الراهبة

فقط أسلط الضوء هنا على نقطتين، النقطة الأولى هي الإسقاط الفلسفي الذي ربما يكون هو المراد من وراء الفيلم. أو أنني أريد تقديم مفهوم أعمق لتلك الشخصيات بمقارنتها مع بعض المبادئ الأساسية في الفلسفة كواجب الوجود، والإشراق أو الروحانية “spiritualism” والخير والشر. والنقطة الأخيرة أريد أن أظهر أكثر رمزية الطبيب “سترينج” ودوره في هذه الشبكة المتداخلة من الصراعات والحروب.

الإسقاط الفلسفي

أولا: في الفلسفة تشير صفات مثل السرمدي والدائم وغير المتأثر بالزمن لمفهوم المحرك الأول أو الإله. وهو بالفعل لا يتأثر بالزمن بل لا يخضع لمجريات الأحداث والتغيـير لدرجة أن وضعه في بُعد كما فعل الفيلم أو القصة مع دورمامو هو خطأ فلسفي لأنه لا تحده أي أبعاد مطلقا بما فيها الزمن؛ فهو الكمال المطلق، والكمال المطلق لا يشوبه النقص، وإذا امتنع عنه النقص امتنعت عنه الحركة لعدم احتياجه إليها لا لعدم قدرته عليه، ولكن لانتفاء سببها وهو النقص كما اتضح.

ولا يكون في الكمال المطلق قبح أو نقص أو شر أو ظلم، بل إن كل تلك الصفات السيئة هي كلمات نعبر بها عن حالات انعدام الكمال وسلب الحقوق وتعطيل الخير.

وفي هذا الموضوع نقاش كبير بين الملحدين والإلهيين من كل الأديان وهو السؤال عن الخير والشر. فلو أن الله خالق كل شيء والشر موجود بيننا سواءً في البشر أو في الطبيعة، إذا فإن الله خلق الشر، فما الحكمة من خلق الله للشر؟ وكيف يصدر عن الخير شر؟ بالطبع هذه الأسئلة ومثيلتها الكثيرة من المغالطات منتشرة على الكثير من المنتديات وملتقيات التحاور والنقاش سواءً في الحقيقة أو في العالم الافتراضي.

الرسائل الرمزية

إذا فلماذا يحاول الفيلم تصوير هذا الوجود السرمدي القابع في بعد لا يـتأثر بالزمن على أنه شر مطلق وأنه “مدمر الأكوان”؟ ما هي رمزية دورمامو هنا؟ وإذا سمحنا لأنفسنا أن نتساءل هذا التساؤل وأن نحلل لنصل لإجابة ربما لن نجد مانعا من التساؤل حول رمزية بقية الشخصيات المحورية.

من هي الراهبة في الفيلم وما هي رمزيتها؟ ومن هو كايسيلياس ولماذا قام بأحد اجتماعاته في الكنيسة في إشارة واضحة أنه يمثل التوجه الديني؟ صورة تظهر “كايسيلياس” وهو يقوم بتعويذة دورمامو في مايبدو واضحا أنه كنيسة

وماذا عن المدن الثلاثة التي تتخذها مقاومة “دورمامو” مراكز لحماية الأرض؟ كانت المدن الثلاثة لندن وهونج كونج ونيويورك، لا تمثل تلك المدن في العالم الحقيقي مراكز للروحانية كما يدعي الفيلم، بل هي كما نعلم مراكز لأضخم البورصات التجارية ولشارع “وول ستريت” ولبنك لندن التي تعتبر مخازن ثروات الرأسمالية المتوحشة في العالم.

اثنان من المراكز الثلاثة لحماية العالم من خطر دورمامو الإله السرمدي

إذا فعلينا أن نشكك في الرمزية التي يعطيها الفيلم لهذه الراهبة ولطريقتها في معالجة الجسد من خلال الروح. إنها مراكز للمادية وليست مراكز للروحانية كما تدعي القصة التي ألبستها رداء البوذية الأصفر لتعطيها هيبة رجال الديانة البوذية ومسحة من زهدهم وتسامي أهدافهم.

لكن ها هي تحمي الأرض من تدخلات واجب الوجود أو الإله في الفلسفة الذي يحاول أن يعود بالإنسان لبعد اللازمان (ناهيك عن المغالطات في هذه الجملة فلا يوجد أبعاد في اللا زمان). ولكن نتساءل ما هو هذا البعد الذي لا يوجد فيه الزمن؟ هل هو بعد الخلود؟ هل هو بعد العقاب والثواب الذي تُكلمنا عنه الكثير من الأديان السماوية والوضعية؟ ولماذا يريد بعض الأشخاص أن يحموا البشرية من بعد الخلود؟ إلا إذا كان هناك في ذلك البعد ما يخشونه.

هل العالم الآخر عالم نعيم أم شقاء؟

هل هو مناسب للأطفال ؟!

لا يخشى الإنسان في العادة من الثواب لكنه بالطبع سيخشى من العقاب. كل هذه الأسئلة جالت في ذهني وأنا أشاهد الفيلم، ولا تنسَ أن هذا فيلم يروج له أنه مناسب للأطفال. فما رأيك بكل هذه الأفكار المعقدة والمغالطات التي اختلطت مع المعلومات الصحيحة وهي تعرض على طفل صغير لم يطور بعد آلية للنقد والتفكير الحر الذي يستطيع من خلاله الإجابة على تلك التساؤلات.

ربما فكريا وفلسفيا هو أبعد ما يكون عن فيلم للأطفال، بل هو فيلم للراشدين الذين يريدون أن يشاهدوا نمط التفكير الإلحادي في رداء أفلام الحركة المثيرة لكي يراجعوا أفكارهم ويتناقشوا في مدى خطورة الغزو الفكري والثقافي الذي يتعرض له مجتمعنا من دون أن يكون له مراكز فكرية تحميه كتلك التي كانت “تحمي” العالم الغربي من دورمامو وأفكاره الشريرة.

الدكتور سترينج

ثم أعود لأصول صولتي الأخيرة مع الدكتور “سترينج” أو الغريب إذا ترجمنا معنى الاسم. إن هذا الرجل هو من يأتي من الخلفية التجريبية البحتة ونمط حياة الحلم الأمريكي لكي يساعد رهبان المادية في حماية قلعتهم من خطر الإله الذي يهدد أسلوب حياتهم.

وبالفعل في النهاية يقهر دورمامو الإله. يقهر الإله؟! لقد قتلنا الإله؟! بمن تذكرنا تلك الكلمات؟

نعم إنه الكاتب العنيف السيء المزاج الغاضب “نيتشه” صاحب مقولتين هما الأحب لقلب الحضارة الأمريكية المادية المتبجحة في الثراء والطغيان على المستضعفين. “لقد قتلنا الإله” و”الأوبرمنش” أو الإنسان الفائق الذي يسحق الإله بتقدمه وسيطرته على عالم المادة لدرجة أنه لم يعد فقط لا يحتاج للإله في عالمه بل يذهب طائرا ليغزو عالم الإله وينتصر عليه.

إحدى الصور تظهر “نيتشه” و”ماركس” وهم يصوبون مسدساتهم نحو؟!

تجول في مخيلتي الآن كلمات “يا سلام يا سلام” الساخرة من تجبر وتغلغل فكرة الأوبرمنش في العقلية الأمريكية وربما في عقلية الكاتب لسلسلة مارفل “ستان لي”.

كما أتعجب من مدى براعة هؤلاء في تبسيط فكرة الأوبرمنش وأفكار نيتشة المعقدة التي ربما تكره نفسك وأنت تقرؤها وكيف أنهم طرحوها في أسلوب سلس في فيلم أطفال. وبسهولة ستجد هذا الجيل عندما يكبر ويسمع عن كتابات نيتشه سيقول في كل بساطة مثل الدكتور “سترينج”.

دكتور “سترينج” ونيتشه في رداء “الأوبرمنش” أو “أوبرمان”

دعوة إلى التبسيط

يا ترى هل نستطيع نحن أصحاب الفلسفة والرؤية الإلهية والساعين لتحقيق العدالة لا فقط لمجموعة معينة من البشر بل للإنسانية كلها أن نتعلم من العدو كيف نبسط أفكارنا التي ملأت الكتب ونظرياتنا عن العدالة الاجتماعية والاقتصادية والنظام الاجتماعي “المركونة على الرف” بنفس أسلوبهم.

هل من الممكن لهذا الوسائل البريئة التي تستخدم لغايات أصحابها الخبيثة أن تستخدم في غايات شريفة تخدم الإنسانية بحق.

إذا كانوا هم يريدون “الأوبرمنش” ليحطم الإله، فنحن نريد الإنسان الحقيقي الذي يبني الإنسانية بدلا من أن يحطمها في معارك طواحين الهواء الوهمية. نحن في انتظارك أيها الإنسان الحقيقي لكي تكون أنت القائد في هذه المعركة الطاحنة مع الشر الغاشم.

اقرأ أيضاً:

لماذا أنتحر الجوكر ؟

مناقشة فيلم: بلا حدود

تأملات في فيلم: انشطار

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.