مقالات

ظننت أن الغربة تهون، لكن فرحة الفرح لا تداوي ما جُرِح

هل يستحق فرح كبير عاماً اخر من الغربة ؟

كنت راكبا لإحدى المواصلات العامة وإذ برجل يجلس خلفي، أسمعه وهو يهاتف أحد المقربين له مخبرا إياه بأنه لن يعود من الغربة هذا العام، وأنه سيمد فترة السفر لعام آخر لأنه ليس معه من المال ما يكفي لعمل “فرح كبير” يليق بهذا اليوم.

أثار ذلك الموقف في ذاكرتي كثيرا من المواقف السابقة من أُسر صارت تسكن في منزل ربما يكون نصفه أو اكثر من مساحته مهدرة في وضع “سفرة ونيش وصالون” وذلك من أجل أن يستمتع الضيوف عند زيارتهم بفخامة “الأنترية” أو ربما يرغبون في التباهي بأواني الطعام وأشكال الأطباق لضيوف يأتون في كل عام مرة أو مرتين!

صارت تلك الأسر تعيش في ضيق من المساحة من أجل تلك اللحظات!
أرأيتم كيف ينفق البعض مرتب سنتين أو أكثر من أجل فرح كبير  أو ما يسمى بليلة العمر لأنه يريد أن يفرح! ألا يثير في نفوسنا الأسى أن يتغرب شاب عن وطنه لعام آخر من أجل هذا اليوم بل هي بضع ساعات! لقد ترفع البعض عن مثل هذه التقاليد المتوارثة، والدخول في معترك البهرجة الكاذبة، ولكن صارت زيجاتهم سعيدة وحياتهم مستقرة، فما علاقة السعادة بإنفاق المزيد من الأموال في الكماليات؟!

لم يكن هناك داعٍ لذلك

مشاهد كثيرة تمر أمامنا تجعلنا نتحسر على مجتمعاتنا، فهذا عامل بسيط أو موظف ذو أجر زهيد يشتري “موبايل” ربما يتعدى ثمنه 3 أو 4 أشهر من راتبه!
هل يظن أنه يكتسب قيمته الشخصية مما يحمله من هاتف؟!
وهذا أب يشتري لأبنائه -الذين لا يزالون يأخذون مصروفهم اليومي- سيارة فارهة، حتى يتميزون عن أقرانهم، ويصبح هو أبًا مثاليا جعل لأبنائه من الرفاهية ما لم يحصله الآخرون، ومن ثم يصبح أبًا ناجحًا! …إلخ.

للأسف صارت الأزمة عامة تعم فقيرنا وغنينا، كل بلحاظ شريحته الاجتماعية ولكن السبب واحد! ألا وهو جنون الاستهلاك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فقد صار في أذهان الكثير منا معتقدٌ أن السعادة هي إطار مادي؛ مما جعل الكثير يسعى نحو المادة من أجل أن يحصد مزيدا من السعادة والراحة والمتعة متناسيا أن يعمل عقله في تلك الثقافة الوافدة لأصحاب رؤوس الأموال والمنتجين وللشركات العابرة للقارات والتي قد هيأت وهما لأبنائنا؛ من أجل مزيد من الثراء لهم، فصار مجتمعنا تابعا لهم منتظرا لما هو جديد من أجل أن يقتني سلع الحداثة والتقدم والرفاهية ومحولا أمتنا لأمة مستهلكة لا منتجة لذلك كان  لزاما علينا أن نعيد النظر في الأمر بلحاظ آخر،

فالنزعة الاستهلاكية توقع مجتمعنا في مزيد من المشكلات من ذل التبعية والانقياد، سالبة حقنا في الإبداع بل صرنا سوقًا لهم وصار أبناؤنا  مندوبين ومسوقين لتلك الشركات… فهل سعادتنا في فرح كبير ؟ موبايل غالي ؟ سيارة فارهة ؟ . وصارت تلك الشركات متحكمة في أذواقنا وفي أسواقنا وفارضة لثقافة مغايرة لنا من أنماط وعادات سلوكية.

ومن أجل أن نحوز على وظائف لأبنائنا، ومن أجل سوق العمل علينا مجارة مناهجهم التي تلبي مصالحهم وتطلعاتهم ومحققة لشركاتهم مزيدا من النجاح في تسويق منتجاتهم.

والتي تجعل الميزان الاقتصادي في صالح بعض الدول الغنية، بل ويجعلها في حساب فئة قليلة، وواضعة على كاهل البعض مزيدا من الأعباء، وأتذكر قصة حكاها صديقي عن ولعه وأسرته بشراء الوجبات السريعة من المطاعم العالمية، فإذا به يرى خادمة البيت تجلس في المطبخ وقد طلبت “دليفري من نفس المطاعم العالمية” لتأكل وجبة ربما تعادل ربع راتبها أو أكثر ظنا منها أن السعادة ها هنا!

لا أجد الفرح في كل هذا العناء

أي سعادة تلك! إنما هي سلوكيات لم نحصد منها إلا مزيدا من التفكك الأسري والفردية والبحث عن اللذة الشخصية والمادية، مما أثر على المجتمع وجلب لمجتمعنا مزيدا من الصراع الطبقي و الأحزان من أجل التنافس على سعادة مادية محدودة؛ ليصبح حصول هذا على نصيبه من المادة المحدودة لا يكفيه من السعادة، لتكون الزيادة على حساب المحرومين، كنا قديما ننتظر تلك الاجتماعات حتى ولو كانت الأسر مهمشة، والموائد بسيطة، فنرى الفرحة في عيون الجميع وقلوبهم ولكن قبل أن تحجبها الغشاوة.

هل يستحق فرح كبير عاماً اخر من الغربة؟ هل تستحق وجبة دليفري ربع الراتب؟

ألم يأن لنا أن نقف مع أنفسنا وقفة؟ فإن لم تكن بدافع أخلاقي أو وطني فليكن بعين المنفعة والتطلع لمستقبلنا ومصالحنا أولا.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.