الموارد المتاحة هي 10 أشجار، أما حاجتنا فهي 50 شجرة!
الندرة : هل هي في الموارد الطبيعية أم في حكمة الإنسان ؟
أثناء وجود الإنسان على هذه الأرض يسعى دومًا للحصول على شىء ما، شىء لازم لتحقيق وجوده وإثرائه واستمراره، وهذه الأشياء أو الاحتياجات الإنسانية تتنوع وتتعدد وتختلف فى طبيعتها وأهميتها، مثل التنفس والطعام والشراب والنوم والراحة والمسكن والتفكير والعمل والعبادة، وهذه الحاجات من شأنها إشباع رغبات فطرية عند الإنسان وبالتالى يتحقق وجوده ويتم الحفاظ على هذا الوجود.
فالشىء تزداد أهميته ومنفعته كلما كان مفيدًا للحفاظ على حياة الإنسان واستمراره، فالطعام والشراب نحتاج منه بشدة ما يحافظ على حياة الإنسان وقوته، ونحتاج من الملبس ما يحمى أجسامنا من البرد والحر، ونحتاج من السكن ما يوفر لنا الأمن والمكان المريح، وهذه حاجات عرفها الإنسان وأدركها بنفسه وبسبب تكوينه البيولوجى وأدرك غرضه الأساسى منها، ولكن ماذا لو تغيرت الأغراض وتبدلت نظرة الإنسان لاحتياجاته المادية؟ ماذا لو أصبح يشعر بالحاجة الشديدة لشئ ما ويرغب فى الحصول عليه وهو فى الحقيقة لا يدرى ماهيته ولا كيفية استخدامه ولا حتى لمَ يحتاجه؟ فهو لم يكن يحس ولا يدرى بوجوده قبل أن يراه فى الإعلانات والدعايا التى جعلته يشعر بالحرمان لعدم امتلاكه هذا الشئ.
الموارد تنتهي أما الحاجة فلا
ماذا لو أن الإنسان أصبحت لديه حاجات لا متناهية فى مقابل موارد محدودة؟ ماذا لو أصبحت الموارد الموجودة فى الطبيعة قليلة بالنسبة للمطلوب؟ هل بالفعل يعانى العالم من ندرة فى الموارد الطبيعية والتى تسببت فى حرمان جزء كبير من البشر من إشباع رغباتهم؟
هل المشكلات الاقتصادية فى المجتمعات سببها فقر الطبيعة والبيئة؟ هل سببها أن البشر ينجبون أكثر من اللازم؟ هل سببها أن البشر يتفاوتون فى الملكيات؟؟
فى أحد الأيام مرضت أختى الصغيرة وأُصيبت بشلل مفاجئ فى عضلات الفم والبلعوم وعندما رأتها طبيبة بإحدى المستشفيات شخصتها بأنها حالة نفسية، ولكن طبيب آخر اكتشف أن الأمر كان عرضًا جانبيًا لدواء تناولته أختى فى صباح ذلك اليوم، واندهش بشدة من تشخيص الطبيبة لأن المفترض أن يلجأ الأطباء لافتراض أن حالة نفسية هى السبب بعد استبعاد كافة الأسباب العضوية الأخرى لا أن يتم البدء بالتشخيص النفسى.
أشعر بنفس الأمر عند النظر للمشكلة الاقتصادية، أنا لست مختصة بالأمر ولكن أعتقد أنه يجب البدء بالنظر للسلوك الإنسانى تجاه الموارد الطبيعية الممنوحة له وكيفية توظيفه لها وغرضه منها وهل بالفعل لا تستطيع هذه الموارد مواجهة هذه الأعداد من البشر، ثم إذا فرغنا من كل هذا ووجدنا أن الإنسان برئ عندها يمكننا توجيه التهم للطبيعة ولتعداد سكان العالم.
إن وسائل إشباع الحاجات الإنسانية متاحة فى الطبيعة بصورة تستلزم عمل الإنسان لإنتاج هذه الطيبات، والطيبات هى الحاجات الحقيقية والتي يترتب على إشباعها اكتمال قدرات الإنسان فلا كل رغبة أو ميل يُعتبر حاجة واجبة الإشباع كما أن كل ما يخل بطاقات الإنسان الجسدية أو العقلية ليس من الحاجات واجبة الإشباع، بل على النقيض هى ليست ضمن إطار الحاجات، كما أن الحاجات الحقيقية يجب إشباعها بما يحفظ قدرات الإنسان الجسدية والعقلية حتى يتم وجوده كما يجب؛ فلا إفراط ولا تفريط، كما ينبغى الملاءمة بين استغلال الفرد والجماعة للموارد الطبيعية حيث يتم الالتزام بتحقيق الكفاية من الحاجات الأساسية لأفراد المجتمع فردًا فردًا مع المحافظة على الملكية الفردية والعامة.
أما أن يتم إهدار الموارد الطبيعية التى مُنحت للإنسان حين يُفرِط الإنسان فى الاستهلاك بما يضر حتى بقدراته، حينما يُفتقد العدل فى توزيع الثروة والموارد والدخول، وحين يعطل الإنسان أدوات مجتمعه التى تيسر النشاط الاقتصادى بالاكتناز والطمع، عندما تبنى بعض الدول رفاهيتها وتقدمها على نهب خيرات شعوب أخرى وتعطيل قدراتها، عندما يكون تحقيق النمو الاقتصادى والرفاهية باعتبار المجموع هو الأهم حتى ولو كان لبعض أفراد المجتمعات وليس كلهم فيما لا يجد البقية ما يكفى حاجاتهم الأساسية، عندها تكون الندرة فى سلوك الإنسان، تكون المشكلة والتى تكمن فى سلوك الإنسان الخاطئ وقصوره فى التعامل مع هذا الكم الهائل من الخيرات والطيبات التى مُنحت له وفى التعامل مع قدراته وإمكانياته.
وبهذا الحال حتى لو تزايدت الموارد الطبيعية فلن تشبع حاجات المجتمعات كافة، طالما هناك تفاوت فى قدرة البشر فى الحصول على الحاجات، تفاوت فرضه عليهم عرقهم وجنسهم ومهنتهم وجنسيتهم، طالما أن هناك من البشر من يرى أن إشباع حاجاته يعتمد على حرمان آخرين من حاجاتهم، عندما لا يدرك البشر حقيقة احتياجاتهم المادية وحجمها الطبيعى، عندما لا يرى الإنسان هذا الخلل فى سلوكه مع الموارد التى لم يبذل جهدًا للحصول عليها والتى وُجدت فقط لمساعدته، عندها ستظل المشكلات الاقتصادية قائمة وستظل الطبيعة متهمًا بريئًا لم تثبت إدانته لمن كان له عقل.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.