رمضان كريم، نحزن لرحيله حزن الفاقدين، ولكننا ومع ذلك لا زلنا لا ننتهزه جيدا
شهر رمضان و العيد
ها هو مجددا يحزم حقائبه، كما الحال كل عام، آذنا بالرحيل، رحيل يرافقه منا حزن وهمّ لا يبليان، وأحسبها يتضاعفان كل عام، يأتينا مُحملا بالعطايا الإلهية، والنفحات الربانية، وفرص للتغيير جوهرية، هاهو رمضان يرحل مجددا ليترك القلوب على اشتياق، على أمل بتَجدُد بهجة اللُقى كما تتجدد وعكة الحزن.
إلا أنه ضيف كريم، ولا يكون من أهل الكرم إلا أن يتركوا فينا وَسمهم، ويُخلفوا فينا أثرهم، ماجمالك يا رمضان هذا الذي يُحرك المُهَج؟
فضل شهر رمضان
تحضرني لهذا السؤال إجابة، أحب مشاطرتها معك-قارئي الغالي-لعل نفع الإجابة يُصيبنا جميعا. إننا لنتأمل هذا الشهر الكريم، فنجده كنهر يأتي فيسري في نفوسنا الجدباء، نهر الإنسانية منه تتفّجر لتعيد فينا الحياة النقية، التي تتحالف المغريات والمفسدات سلبها منا، إنه شهر العودة، العودة للفطرة التي جبلنا عليها الخالق تبارك وتعالى، ومن أسعد ممّن يستعيد غائبا عنه؟ من ذا أسعد ممن يسترد عافيته في نفسه؟
نعم…يحضرك السؤال: أني لهذه الحياة التي تُبث فينا من جديد؟ أقول لك: إنه الصوم-قارئي الكريم- الصوم الحقيقي كما أراده الله لنا ،على مراد الله منه لنا.
إننا طيلة شهر الصبر-ويالله ما للصبر من ذخرعند أصحاب المعالي-نصوم عن الطعام والشراب، عن الشهوة الجنسية، عن النظر لكل ما يخدش الحياء، عن قول كل ما يهتك الفطرة ويعيبها، عن اللذائذ الحسية وانفلات الشهوات الغضبية دون ما يستدعي انفلاتها حقا، وما يتبقى لنا بعد نزع أسر هذه القيود سوى عروج الروح وارتقاء النفس في درجات التّزكي والعفو الإلهي، سوى ارتفاعها عن التسافل الأرضي، سوى نزع الغشاوة التي تغشى البصائر فلا ترى الأمور بحجمها الطبيعي، لك إذا-قارئي العزيز- أن تتصور بهجة نفوس مضيعة تلهج وراء ملذات السراب التي لا تزيدها غير اللُهاث.
العيد
ويُقبل علينا العيد، يوم قطف الثمار وجني البذار التي يستمر بذرها طيلة شهر رمضان، ويالحسرة من لم يبذر، يقول ابن الجوزي: ((ليس العيد ثوبًا يجر الخيلاء جره، ولا تناول مطعم بكف شرهٍ لا يؤمن شرّه، إنما العيد لبس توبة عاص تائب، يسر بقدوم قلب غائالروحب)) نعم إن العيد إنابة قلوبنا الغائبة، توبتها وعودتها للحق والرشاد.
العيد هو وجه أفاضت أنوار القلب عليه، هي نفس تركت سلوك الغل والحقد والحسد وركلته خلف ظهرها، هي ذات تجّلى الله عليها بمراده، ويالها من مكرمةّ!
والآن قارئي: لا أقول لا نشتري ثيابا جديدة طالما في غير بذخ، لا أقول لا نأكل طالما في غير إسراف، لكن أقول اعرف مراد الله فيك منك العيد، ساعتها تستحيل كل أيامك عيدا، لذا يقول الرافعي: (( فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم، لا اليوم نفسه. ))
اقرأ أيضاً:
كيف نرمم نفوسنا في شهر رمضان ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.