هل يمكن أن نهزم “إسرائيل” مع ما تمتلكه من ترسانة نووية وأسلحة متقدمة ودعم غربي؟
أولا: يجب أن نحترس من فقدان الثقة في النفس والانخداع بالحرب النفسية (التضليل الإعلامي وأفلام هوليود) فالهزيمة النفسية أخطر أنواع الهزائم لأنها تؤدي للهزيمة الفعلية قبل بدء المعركة.
ثانيا: حسب النظرة العسكرية ، توفر السلاح وتقدمه ليس العامل الوحيد لانتصار جيش أو قوة عسكرية ، بل يحتاج الانتصار إلى توفر 3 عوامل:
العامل الأول: الشجاعة والإرادة للقتال لدى القيادة والجنود.
العامل الثاني: الشعب أو البيئة الحاضنة التي توفر الدعم المادي والبشري والمعنوي للقوة المقاتلة وتصبر على تقديم التضحيات.
العامل الثالث: السلاح المناسب الذي يهدد الخصم بصورة مستمرة.
وتوفر عامل واحد فقط مع اختفاء أو ضعف العوامل الأخرى قد يؤدي إلى إلحاق خسائر بالخصم لكن لا يؤدي لكسب الحرب.
فمثلا أيام النكبة الفلسطينية عام 1948، تمتعت العصابات الصهيونية بالعوامل الثلاثة إلى حد ما في مقابل ضعف الجهة المقابلة (الدول العربية وبعض الفلسطينيين) ، ولكن منذ اجتياح الكيان الصهيوني للبنان عام 1982 ، والكيان الصهيوني لم يحقق انتصار كبير واحد بل هو في ضعف مستمر بالنسبة للعاملين الأولين (إرادة وشجاعة القائد والجندي والبيئة الحاضنة) ، لذلك رغم تمتعه بالسلاح المتقدم والدعم اللامحدود من الدول الكبرى يتعرض لهزائم متتالية ، ومن ذلك:
- اضطر الكيان الصهيوني بعد انتفاضة الحجارة (بدأت في 1987 وكان سلاح الفلسطينيين فيها فقط الحجارة والسكين) أن يرضخ جزئيا ويستميل جزء من الفلسطينيين وأن يوقع معهم معاهدة أوسلو عام 1993.
- في لبنان عام 1982 حارب الاحتلال الصهيوني قوات شعبية لبنانية استخدمت ضده طريقة حرب العصابات وقصفت المدن الصهيونية بالصواريخ وتحت ضغط الخسائر البشرية للصهيانة ورعب جنوده من الموت ،ظهرت حركة صهيونية شعبية تسمى “الأمهات الأربع” تكونت من أمهات الجنود الصهاينة الرافضين بالتضحية بأبنائهن في المجهول ، هذه الحركة اكتسبت شعبية كبيرة لدى الجمهور الصهيوني مما اضطر القيادة الصهيونية للانسحاب من لبنان بلا قيد أو شرط.
- الانسحاب من غزة بلا قيد أو شرط نتيجة عمليات المقاومة الفلسطينية المستمرة.
لكن الدليل الأكبر عن زيادة الضعف الصهيوني في وقتنا الحاضر أنه في المواجهة الأخيرة بين المقاومة في غزة والاحتلال لم يجرؤ الساسة الصهاينة على مجرد التلويح بالاجتياح البري لغزة ، خوفا من صواريخ الكورنيت المتطورة المضادة للمدرعات والدبابات والتي استخدمتها المقاومة ببراعة، حتى أن القوات البرية الصهيونية ابتعدت عن حدود قطاع غزة لمسافة 5 كم طوال فترة المواجهة ، وكان الصهاينة من الضعف بحيث أنهم طلبوا وقف اطلاق نار من طرف واحد بعد 11 يوم فقط من بداية المواجهة لعدم تحمل المجتمع الصهيوني قصف الصواريخ الفلسطينية المستمر الذي طال ثلثي مساحة الكيان.
في المقابل تمتعت المقاومة الفلسطينية بالشجاعة والإرادة ، حيث بدأت المواجهة بقصف تل أبيب والمستوطنات في القدس ولم تتوقف الصواريخ ليوم واحد ، وكذلك تعالت أصوات الجماهير الفلسطينية في غزة وخارجها وفي العالم تأييدا للمقاومة رغم تقديم التضحيات البشرية والمادية الكبيرة ، ونلاحظ أيضا التطور النوعي في سلاح وأسلوب المقاومة حيث مزجت بين حرب العصابات واستخدام الأسلحة المناسبة والتي لم يستطيع جيش الاحتلال رغم امتلاكه للتكنولوجيا المتفوقة والأسلحة الحديثة أن يوقف تهديدها.
نموذج الضعف والانهزام الصهيوني هذا ، تكرر تاريخيا مع دول أكبر بكثير وأكثر تقدما من الكيان الصهيوني ، فالهزائم الأمريكية في فيتنام والعراق أمام المقاومة الشعبية قليلة الامكانيات ، والانسحاب المذل لأمريكا من أفغانستان الذي يحدث حاليا بعد محاولة احتلال فاشلة دامت 20 سنة (2001 – 2021) ولم تحقق أي نجاح ، هذه الهزائم أدلة واضحة على أهمية العوامل الأخرى بجانب عامل تقدم السلاح وتطوره ، فالغرب واسرائيل نتيجة لافتقاد جنودهم وقياداتهم الشجاعة والإرادة اللازمتان للمواجهة البرية ، ونتيجة ضعف البيئة الشعبية الحاضنة التي لا تحتمل التضحية لفترات طويلة، اعتمدوا على نظرية “حسم الحروب عن طريق القصف الجوي” وهذه النظرية ثبت فشلها مع الشعوب الصامدة والمستندة على دين صحيح أو مبدأ صلب.
ولقد أدرك الصهاينة والغرب أهمية هذه العوامل الثلاث فعملوا منذ 15 عاما على اضعاف عامل الحاضنة الشعبية بفرض الحصار على قطاع غزة ونشر الأكاذيب بأن المقاومة هي السبب في هذا الحصار وأنها إن سلمت سلاحها وخضعت لشروط الاحتلال فسيقدمون لأهل غزة حقوقهم الطبيعية التي منعها الاحتلال عنهم من كهرباء وأدوية وحرية تنقل وإعمار للبيوت والمدارس ، ولكن أهل المقاومة فهموا ألاعيب الاحتلال فازدادوا التفافا حول مقاومتهم، وبعد فشل سياسة الحصار لجأ الغرب لسياسة أخرى أفصح عنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن منذ عدة أيام، حيث قال .. أن دور حماس سيتغير في غزة إذا تمكنا من تنفيذ جهود إعادة الإعمار والإغاثة بمعزل عنها.
إذن فالخطر الأكبر على المقاومة ليس السلاح الصهيوني المتقدم ولكن الخطر الحقيقي ضعف العوامل الثلاثة لدى الشعب والمقاومة الفلسطينية لا قدر الله.
ثالثا: المحتل يحتل الدول لكي يسيطر عليها وينتفع من أرضها وخيراتها ، فإن أحس أن المقاومة تجبره على دفع أثمان كبيرة ولا يستطيع احتلال الدولة بهدوء وأمان فسيرحل لأن فكره مبني على الربح والخسارة وليس مبدأ أو قيمة، وهذا ما رأيناها نتيجة مقاومة الشعوب الحرة التي أجبرت الامبراطوريات العظمى على الانسحاب (بريطانيا ، فرنسا ، أمريكا .. إلخ) ، وقد شاهدنا بداية ذلك في المواجهة الأخيرة ، حيث قام المستوطنين بالهروب والتكدس في المطارات لمغادرة الكيان المحتل، وتمكنت انتفاضات شعبية في بعض مدن الداخل المحتل من شل الكيان الغاصب وإصابته بالذعر.
فماذا لو تم فتح عدة جبهات من دول أو حركات مقاومة ضد العدو في نفس الوقت؟ وماذا لو حدثت انتفاضة فلسطينية شعبية شاملة (في القدس وغزة والضفة الغربية وأراضي 48 والشتات) ؟ الكيان الصهيوني ليس ببلد عادي مثل بقية البلدان ، بل هو قاعدة عسكرية كبيرة وظيفتها ردع الدول العربية المحيطة وخدمة المصالح الغربية (بلطجي المنطقة)، فعند أول انتصار كبير من الفلسطينيين يؤدي لتصدع هيبة الكيان وقدرته على الردع سيؤدي ذلك لانتفاء سبب وجوده وانتفاء سبب تقديم الدعم له من أمريكا والدول الغربية (البلطجي لا يكون بلطجي باستمرار ضربه واهانته ممن هم أضعف منه)، وسيشعر مستوطنيه أنهم لا يستطيعون استكمال حياتهم المرفهة بأمان فيبدأون في الهروب والهجرة العكسية للدول التي أتوا منها (صرح ليبرمان مؤخرا: إذا كان هذا حالنا أمام غزة فماذا سنفعل إذا قصفنا حزب الله وإيران؟) ، إن هزيمة هذا الكيان أسهل وأقرب مما يتخيل الكثيرون، و الدعم الغربي الذي يتمتع به العدو لن يغني عنه شيئًا لو انهار العدو داخليًا وهرب مستوطنوه منه.
كما أن الدول الغربية نفسها قد تضعف قوتها وتصبح عاجزة عن دعم هذا الكيان، فقد رأينا الولايات المتحدة على شفا الحرب الأهلية والتفكك في عهد ترامب ويمكن أن يتكرر ذلك في أي وقت، أيضًا تصاعد قوى عالمية جديدة كالصين وروسيا قد يضعف قدرة الغرب على الدعم والتأثير.
أخيرا: حسب النظرة العقلية والدينية ، ميزان القوى غير متكافئ بالفعل، فنحن في جانبنا الحق والعدل، وفي جانبنا الإله مطلق الكمال والقوة والقدرة، فالله ينصر المظلوم طالب العدل والحق إن أخذ بالأسباب التي في استطاعته، وهذا شيء يثبته العقل الذي يبرهن على كمال الإله وعدله، وتتحدث عنه كل الأديان السليمة، وهو شيء متكرر في التاريخ حيث هزمت الفئة القليلة المتمسكة بالحق والعدل الفئات الكبيرة التي تتبع الباطل وتسعى في الأرض ظلمًا وفسادًا، حيث انتصرت ثورات المظلومين في الشرق والغرب، وانهارت الممالك والإمبراطوريات الظالمة كلها على مر التاريخ أمام أعدائها أو أمام ثورات الجماهير.
ملاحظة: مستحيل أن يضرب الكيان الصهيوني قنابل نووية في فلسطين ، لأنها تكون سحابة ذرية ضخمة وسامة يمكن أن ينقلها الهواء للمدن الصهيونية القريبة جدا ، فالسلاح النووي لتهديد الخائفين وليس للاستخدام.