أسئلة عامة

لماذا يدعم الغرب الكيان الصهيوني؟

س: لماذا إسرائيل مهمة للغرب؟ ولماذا تدعمها الدول الغربية باستمرار؟ حيث أنشأتها إنجلترا، ودعمتها أوروبا ثم الولايات المتحدة، واستمر ذلك حتى الآن؟
ج: أهمية إسرائيل للغرب ترجع لأهمية الشرق الأوسط، فالشرق الأوسط هو المعبر الذي يربط الغرب بالعالم، وله أهمية اقتصادية وعسكرية كبرى، كما تمر به ويحتوي على أهم مصادر الطاقة في العالم. بالإضافة إلى أن الحضارة الإسلامية هي الند الأساسي للغرب حسب تصريحات الغربيين أنفسهم، وتمثل إسرائيل قاعدة عسكرية وأمنية واستخباراتية ضخمة تضمن مصالح الغرب في هذه المنطق الحيوية.
وتفصيل ذلك كما يلي:
أولًا: لفهم أهمية إسرائيل نحتاج أولًا أن نفهم أهمية “الشرق الأوسط” أو “العالم العربي” أو شمال أفريقيا وغرب آسيا” للغرب.
فهذه المنطقة هي الممر بين الغرب وآسيا والهند والصين وغيرهم، وهي الممر أيضًا بين الغرب وبين قارة أفريقيا بأكملها وبالتالي:
– أغلب المواد الخام الآتية من آسيا وأفريقيا تمر أولًا بالشرق الأوسط قبل الوصول للغرب.
– المنتجات المصنعة في آسيا وبعض أجزاء أفريقيا تمر عبر الشرق الأوسط للوصول للغرب.
– المنتجات الغربية كي تصل إلى أغلب أسواقها تحتاج للمرور بالشرق الأوسط.
– بالإضافة لكون الشرق الأوسط معبرًا لخطوط الطاقة كأنابيب الغاز والبترول بين الشرق والغرب.
– كما أن حركة السفر العالمية بين الغرب وأغلب مناطق العالم تمر عبر الشرق الأوسط.
– والقوات الغربية التي تسعى للسيطرة على مساحات شاسعة من العالم تحتاج إلى أن تمر في منطقة الشرق الأوسط وممراتها المائية حتى تصل للمناطق الأخرى، مثل القوات الفرنسية الموجودة حاليا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغيرهم، ومثل القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان وغيرها.
كما تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أغنى المناطق عالميًا من حيث مصادر الطاقة كالغاز الطبيعي والنفط، وهذه الاكتشافات زادت من أهمية السيطرة على هذه المنطقة، فمن يسيطر عليها سيسيطر على أغلب مصادر وخطوط الطاقة في العالم، وبالتالي على أغلب مصانع العالم ومنتجات العالم، بل وعلى الطاقة المحركة للجيوش والآلات الزراعية و …
أيضًا تعتبر منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الوحيدة عالميًا التي تمتلك تراث فكري يهدد الهيمنة الغربية، فإذا نظرنا حولنا سنجد أن أفكار الحضارة المادية الغربية قد غزت وسيطرت على أغلب عقول العالم، فحتى الدول التي تحاول أن تقف ضد نفوذ الغرب حاليا -مثل الصين وروسيا- تعتنق أفكار الغرب مثل الرأسمالية والاشتراكية وغيرهما، بينما لا يزال التراث الفكري العربي والإسلامي قادرًا على الصمود أمام المنظومة الفكرية الغربية وتقديم بديل لها بل وتهديد وجودها نفسه.
وقد فطن مفكرو وساسة الغرب لهذه الحقيقة، فقد أشار صاموئيل هنتنغتون في كتابه الشهير “صراع الحضارات” إلى أن المشكلة التي يواجهها الغرب هي الإسلام نفسه وليس الإسلام المتشدد، لأن الإسلام يمتلك حضارة وفكرًا مختلفين ويؤمن أصحابه بتفوقه.
كما أشار ساسة غربيون كثر لعداوتهم مع الإسلام، فقد انطلقت سابقًا تصريحات من إدارة كلينتون بأن الإسلام هو ند عالمي للغرب، كما أعلن جورج بوش الابن الحرب الدينية “الصليبية” أثناء تمهيده لغزو الشرق الأوسط، كما قام دونالد ترامب وماكرون وغيرهم بالتعبير عن عداوتهم الواضحة للإسلام.
كما صرح السكرتير العام لحلف الناتو سابقا بأن الإسلام لا يقل خطورة على الغرب من الشيوعية، وتنبأ البعض بتحول الغرب للحرب مع الإسلام بعد انتهاء الحرب الباردة، مثل كارين أرمسترونج وغيرها.
لهذا كله من المهم أن يسعى الغرب بكل قوته لفرض سيطرته قدر المستطاع على الشرق الأوسط.
أيضًا التاريخ يوضح لنا أهمية الشرق الأوسط للغرب، ورغبة الغرب في السيطرة عليه:
– ففي اليونان القديمة عندما أراد الإسكندر المقدوني التوسع كان لا بد أن يمر أولًا عبر الشرق الأوسط.
– وعندما حاولت روما القديم التوسع بدأت بالشرق الأوسط.
– وعندما حاولت أوروبا في العصور الوسطى التمدد قامت بالحملات الصليبية على الشرق الأوسط.
– وعندما حاولت إنجلترا استعمار الهند ووسط آسيا بدأت بالسيطرة على مصر في الشرق الأوسط، كما تعرضت مصر لأكثر من اعتداء عسكري بسبب امتلاكها ممرًا واحدًا من الممرات المهمة المتعددة في الشرق الأوسط، وهو قناة السويس.
– والغرب الحديث بشكل عام حاول منذ نشأته السيطرة على الشرق الأوسط، فرأينا احتلال الإنجليز والإيطاليين والفرنسيين وغيرهم لكل الشرق الأوسط تقريبًا، وعندما انتفضت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية توسعت في الشرق الأوسط.
فالغرب عبر التاريخ يعرف أهمية هذه المنطقة ويسعى للسيطرة عليها.
ثانيًا: إن إسرائيل تمثل تجربة فريدة ومهمة في فرض سيطرة الغرب على الشرق الأوسط، حيث تمثل قاعدة عسكرية وأمنية واستخبارية ضخمة، تضم الملايين من الأشخاص العاملين في هذه المهام، وبتكاليف بشرية ومالية قليلة بالنسبة لما تقدمه من خدمات هائلة.
فالسيطرة على مناطق مختلفة من العالم يمكن أن يتم بطرق عديدة، كالحرب العسكرية والاستعمار والحرب الاقتصادية والغزو الفكري والحرب الناعمة و ….
وعادة ما تحتاج السيطرة التامة لوجود نوع من الحرب العسكرية أو الاحتلال المباشر أو التواجد على أرض العدو، لكن تكلفة الاستعمار والحروب العسكرية والقواعد العسكرية ضخمة جدًا، مثل الاحتياج المستمر لإرسال الجنود والإنفاق عليهم طيلة فترة تواجدهم في الأرض التي يتم غزوها، وقد جرّب الغرب كل هذه الطرق مع الشرق الأوسط.
لكن إسرائيل تقدم حلًا استثنائيا لفرض سيطرة الغرب على المنطقة، فعن طريق الفكرة الصهيونية، التي استغلت العاطفة الدينية لبعض اليهود، والاحتياج المادي للبعض الآخر، وللتخلص أيضًا من اليهود الذين كانوا يمثلون عبئًا على أوروبا؛ تم إنشاء قاعدة عسكرية دائمة هي إسرائيل، هذه القاعدة تتميز عن القواعد العسكرية الأخرى بعدم الاحتياج المستمر لإمدادها بالجنود والإنفاق عليهم، بل إن اليهود الذين هاجروا لها ذهبوا وبقوا هناك عن قناعة ورغبة في كثير من الأحيان، كما أنهم يتكاثرون وينتجون أفرادًا وجنودًا جددًا باستمرار.
كما أن هذه القاعدة لديها اقتصاد ومصانع وتجارة وزراعة وغيرها من مصادر الدخل، وبالتالي تغطي جزءً كبيرًا من نفقاتها.
كما أن هذه القاعدة تتكون من حوالي 7 مليون إنسان حاليًا، وبالتالي هي أكبر قاعدة عسكرية في التاريخ، ولا يمكنك إنشاء قاعدة بهذا الحجم بالطرق الاعتيادية.
وبهذه الطريقة تم حل مشكلة الموارد البشرية والمادية لإنشاء قاعدة عسكرية مهولة في الشرق الأوسط، تقوم بحفظ مصالح الغرب سابقة الذكر في هذه المنطقة المهمة.
وفي حالة فقد الغرب هذه القاعدة بهزيمتها وانهيارها فلا يمكنه ببساطة أن يعوّضها ويعوَض ما تقدمه له من خدمات جليلة في المنطقة.
ثالثًا: تقدم هذه القاعدة العسكرية العديد من الخدمات الجليلة للغرب في منطقة الشرق الأوسط المحورية، فهي:
– تسيطر بشكل مباشر على موقع جغرافي مهم استراتيجيًا، وهو أرض فلسطين المحتلة.
– تقوم بالهجوم بشكل مباشر على الدول التي تسعى للاستقلال ولو بشكل جزئي عن الغرب، مثلما حدث من قبل مع مصر عبد الناصر وسوريا الأسد ولبنان والعراق و …
– تقوم بشكل مباشر بالهجوم على أي دولة قوية تنشأ حولها وتسعى للتقدم، مثلما حدث في التجارب سابقة الذكر وغيرها.
– تقوم بشكل مباشر باغتيال علماء وقادة ومفكرين في الدول من حولها، لمنع تقدم وازدهار هذه الدول، وقائمة اغتيالات الموساد طويلة ومعروفة.
– تقوم بقصف أو تدمير المنشآت النووية وبرامج التسليح أو الصناعات المتميزة في الدول المحيطة بها، مثلما حدث في سوريا والعراق و …
– تقوم بمحاولة تدمير المجتمعات من الداخل، مثلما صرّح مسؤولون سابقون في الموساد، وهو أمر طبيعي بالنسبة لهذا الكيان ولا يحتاج لأدلة كثيرة.
– تقوم بدعم دول أخرى للتأثير سلبًا على دول الشرق الأوسط، كدعم أثيوبيا في بناء سد النهضة على النيل بما يضر مصالح مصر.
– تقوم بإثارة الفتن الداخلية في بعض الدول من حولها، مثل استضافتها لبعض المسلحين في الحرب السورية، ومثل إنشائها لجيش من العملاء في لبنان أثناء احتلالها.
– تقوم بتقديم الدعم العسكري والاستخباراتي والأمني للدول الغربية في منطقة الشرق الأوسط، فالتعاون الاستخباراتي بين الموساد والسي آي إيه مثلًا معروف ومشهور، وكذلك مع غيرها من أجهزة المخابرات الغربية، كما ساعدت بالمعلومات وغيرها في الحرب الأمريكية على العراق، ومثل ذلك كثير.
كل هذه الخدمات وغيرها تقدمها إسرائيل للغرب، وبالتالي من الطبيعي أن يحافظ الغرب -الذي لا يهمه إلا مصلحته- عليها لأقصى درجة!
أخيرًا: خطر إسرائيل على منطقتنا واضح لكل ذي عين وعقل، ودعم الغرب لها واضح وخاصة الولايات المتحدة، وبالتالي فعداوة هذا الكيان الغاصب وداعموه من الحكومات الغربية الظالمة هو شيء بديهي وفطري ومنطقي وطبيعي عند أي إنسان سوي.
وفي اللحظة التي سيشعر فيها الغرب بأن دعمهم لإسرائيل يؤدي لخسائر لهم وليس مكاسب سيتخلون عنها فورا، فمقاومة هذا الكيان المحتل وتكبيده الخسائر المستمرة مهم لقطع الدعم الغربي عنه، كما أن فضح حقيقته للشعوب والأحرار حول العالم مهم أيضًا للضغط على الحكومات والساسة وتكبيدهم خسائر بسبب هذا الدعم.

مقالات ذات صلة