مقالاتإصداراتفن وأدب - مقالات

The pursuit of happiness – وظيفة الأحلام لا تعطي كريستوفر الأمان

فيلم عن قصة حقيقية لـ كريستوفر جاردنر

قد يظن الكثيرون بأن السعادة تتحقق مع الوفرة المادية ورغد العيش، وإشباع رغبات الجسد وإمتاع الحواس بما تشتهيه، وهم معذورون في تصورهم هذا، إذ أن الثقافة الشائعة والمحتوى الإعلامي العالمي الحالي يزكي ذلك التوجه بشدة، إلا أن المتأمل في جوهر السعادة وحقيقة مسبباتها، يجد اختلافًا كبيرًا بين ذلك التوجه والسعادة في ذاتها أو كما يجب أن تكون.

كريستوفر والسعي نحو الهدف

هذا ما يحاول مؤلف فيلم ” السعي نحو السعادة ” أو ” The pursuit of happiness ” توصيله للمشاهد، الفيلم القائمة أحداثه على قصة حقيقية لرجل الأعمال الأمريكي” كريستوفر جاردنر “، حيث يطرح مدلولات مختلفة لمفهوم السعادة المتحققة من الشعور بالإنجاز والإصرار وتجسيد لمعاني الإرادة بمراحل الفيلم المختلفة والسعي نحو هدف محدد والوصول إليه، وذلك من خلال مجموعة مشاهد مبدعة ومؤثرة على مدار الفيلم، تبث الأمل والإيمان والتحفيز في قلوب وعقول المشاهدين.

كحال كثيرين غيره، في سعيهم لتحقيق أقصى درجات السعادة، بدأ ” كريستوفر ” سعيه في تحقيق مفهومه الخاص عن السعادة الظاهرية، آملًا في إشباع حاجاته الحسية من وفرة المال ونفوذ السلطة ومركز اجتماعي لا يُمتهن، فبدأ بالتمرد على واقعه الروتيني المستقر، والذي بالكاد يفي باحتياجاته اليومية فضلا عن أسرته المكونة من الزوجة وابن صغير لم يتجاوز عمره العاشرة، حيث كان يعمل مندوبا لبيع أجهزة طبية، مترددا على عيادات الأطباء على مدار اليوم، يبيع جهازا أو اثنين في الشهر، إلا أن الطلب على تلك الاجهزة لم يكن كبيرا، حيث كانت غالية الثمن في مقابل عدم اقتناع معظم الأطباء بالحاجة إليها، واعتبارها من الأجهزة غير الضرورية التي يمكن الاستغناء عنها، الأمر الذي اصابه بإحباط كبير لاسيما وقد استثمر كل مدخرات الأسرة في استيراد تلك الاجهزة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي ظل تلك الضائقة المالية، ضعف أمل الزوجة العاملة بأحد المطاعم وتملكها اليأس في تغير الحال، فقررت مغادرة الأسرة والسفر للعمل بولاية أخرى أملا في وظيفة أفضل ودخل أعلى، تاركةً الابن والزوج” كريستوفر ” ليواجها تلك الظروف سويا، لتسعى في تحقيق مفهومها الخاص من السعادة وصناعة حياة أفضل، بعيدا عن بيتها وأسرتها.

وفي ظل معاناة شديدة وظروف حياتية ومادية صعبة واجهها مع ابنه، لمعت أمام ” كريستوفر ” نظرة في عيون فئة محددة من الموظفين أمام إحدى المؤسسات المالية الكبرى، قد اعتاد أن يمر عليها من حين لآخر، تلك النظرة التي تمنى أن تعلو وجهه هو الآخر في يوم من الأيام، حيث رأى أنها ترجمة لحياة مليئة بالسعادة والراحة والرخاء،

الفوز بالوظيفة

حتى كان ذلك اللقاء بينه وبين أحد أولئك الموظفين، حيث سأله باندهاشة وحماسة شديدتين بما مؤداه : ” ما وظيفتك التي تجعلك في تلك الحالة من السعادة ورغد العيش ؟ وكيف توصلت لتلك الوظيفة ؟ ” ، فأجابه بابتسامة عريضة بأنه يعمل كسمسار مالي في تلك المؤسسة، وما عليه إلا أن يكون جيدا في الرياضيات والمعاملة مع الناس ليلتحق بتلك المؤسسة، من هنا وفي تلك اللحظة قرر ” كريستوفر ” أن يمتلك تلك الحياة السعيدة، ويسعى لنيل تلك الوظيفة وتعلم ما يلزم من مهارات ضرورية للالتحاق بها، لتحقيق حياة أفضل له ولأسرته.

اتجه ” كريستوفر ” لمكتب مسؤول التوظيف بالشركة، ليخبره الأخير بضرورة اجتياز فترة تدريبية مدتها ستة أشهر دونما مقابل مادي، ليظهر تحدٍ جديد أمامه متمثل في التضحية بجزء كبير من يوم عمله المخصص لمقابلات المبيعات في مقابل البرنامج التدريبي الموضوع، بل وأن يتفوق على جميع المتدربين لينال الوظيفة بنهاية فترة التدريب، ليقرر بالنهاية قبول التحدي، ويمر بمجموعة من العقبات والتحديات مع ابنه الصغير فيعيش المشاهد لحظات إنسانية مبكية في بعض الأحيان ليصل بالنهاية للفوز بتلك الوظيفة.

بعد هذا الملخص الموجز للفيلم، أود التركيز على بعض المشاهد الهامة والمعاني السامية التي يترسخ معناها والاستمتاع بها على مدار العمر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المشهد الأول: إصرار وعزيمة وإرادة التغيير للأفضل

كثيرة هي تلك العقبات والمنغضات التي واجهت ” كريستوفر ” أثناء رحلته للوصول لهدفه الذي حدده ووجد فيه حلاً لمشكلاته وتيسيرا لحياته، وأكثر منها تلك العقبات التي تواجهنا يوميا عندما نقرر تغيير واقعنا أو السعي نحو الأفضل، لاسيما في ظل أوضاعنا الحالية، ذات الموانع الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، التي تعطي الانطباع بأن النجاح والتميز شيئ مستحيل، ووسائل استلهام الأمل تكاد تكون معدومة، فيعطي ” كريستوفر ” للمشاهد درسا قيّما، وعبرة متحققة من قصة واقعية، بأنه مهما ضاقت الأحوال وبدت الظروف في ظاهرها معرقلة ومعيقة، فإن الإصرار والإرادة هما مفاتيح النجاح، والأخذ بالأسباب – وإن ضعفت في ذاتها – كفيل بالتوفيق، في ظل الإيمان بالله والثقة بالنفس.

المشهد الثاني: اتخاذ القرار وتغيير المسار

انها لمشاعر قوية، تلك التي يستطيع فيها الانسان اتخاذ القرار الذي ربما يكون صعباً ويتطلب التضحية ببعض ما لديه لتحقيق هدف أسمى وأعظم، يعود بالنفع عليه وعلى من يحب، يشعر فيه الإنسان بقيمة نفسه وتميزه واختلافه، بتمرده وتطلعه للأفضل لأنه بالفعل يستحق الأفضل، تلك المشاعر المتولدة لمجرد اتخاذ ذلك القرار هي درجة من  السعادة حقيقية، حتى وإن اتضح فيما بعد عدم صحة القرار، فالعاقل يتعامل مع المعطيات المتاحة ويستخرج منها أفضل النتائج على حد قدراته وخبراته ليصل بالنهاية لتجربة جديدة يستخلص منها خبرة جديدة.

المشهد الثالث : تعميق التواصل مع من يحب

في تيارات الحياة المتشابكة وتداخل الأهداف والأولويات، قد ينسى الانسان من يحب، من يعمل ويتعب في الأصل لأجلهم، يشغله عمله عن التواصل معهم والمحافظة على دفء المشاعر بينه وبينهم، وهذا ما اختبره ” كريستوفر ” في علاقته بابنه، ومتعة التواصل معه وتعليمه من خبرات الحياة، وإضفاء مشاعر الحب والحنان والشفقة التي يحتاجها كليهما، حتى ولو مر بهما بعض اللحظات القاسية، من عدم الشعور بالأمن أو افتقاد المأوى، لكن وجودهما سوياً واختلاق وانتزاع المنحة من المحنة سلوك العقلاء، تلك السعادة التي يفتقدها كثيرون ممن تملّكوا مقومات الحياة المادية مهما تفاخروا باشباع احتياجاتهم المادية بكماليات وملذات الدنيا المختلفة.

المشهد الرابع : شعاع الأمل وفرحة الإنجاز

يكد الانسان ويتعب ويتحمل مشاق ومصاعب كثيرة، بل ويضحي ببعض سعادته الوقتية الحالية في سبيل تحقيق هدف أسمى وأعظم، فإذا وصل لهدفه وتحقق مراده شعر بسعادة حقيقية، وأحس بقيمة إنسانيته وتميزه، لاسيما إن كان ذلك الهدف متعديا أثره على أسرته والمجتمع من حوله، فحينها تكون سعادته أقوى وإحساسه بالإنجاز أعلى.

وكما ترى عزيزي القارئ، فإن كل تلك المشاعر القوية هي لمسببات سعادة غير محسوسة – وان أدت لأهداف مادية، فإن ذلك لا يتنافى مع رقي تلك المشاعر – والتي لا يمكن قياسها أو تحديد مدى نفعيتها بالمادة، لكنها في مجملها تسمو بالإنسان وتتوافق مع إنسانيته وما ميّزه الله به من عقل وحكمة، وترقى به من عالم المادة لعالم الروح، ليحدد بالنهاية الفارق بين ما يستحق سعيه وتعبه وبين ما لا يستحق

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

.

اقرأ ايضاً:

لم أجد السعادة إلا في عيون البسطاء

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مناقشة فيلم كوكو

تأملات في فيلم الذهب الأسود

أحمد عبد الدايم

محاسب

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالاسكندرية

مقالات ذات صلة