العزلة
يعتقد بعضنا أن معنى هذه الكلمة يكمن في أن تدخل إلى غرفتك فتغلق الباب وتطفئ الأنوار وتفصل الهاتف لتحدق في الظلام. ولكن شتان بين هذا الوصف والمعنى الحقيقي للعزلة. فالعزلة ليست عزلة الجسد عن الحياة بل هي عزلة الروح، العزلة هي فترة راحة للروح تعود للجسد بعدها بكامل قواها.
دائما ما كنت أنظر لمن ينعزل على أنه شخص يهول من الأمور، فوجودك وسط البشر أفضل بكثير من الانخراط في عالمك المظلم، لكني اكتشفت أنني كنت مخطئة، وصولي لهذه الحقيقة لا علاقة له بأن البشر سيئون، بل لأنني اكتشفت أن وجودك وسط البشر وأنت في هذه الحالة من الاضطراب قد ينتج عنه سلاسل من الأزمات النفسية لك ولهم.
إنني لم أستطع تحديد سبب ما يؤول إليه الإنسان من ظلام، فإنه يكاد يرى الظلام في كل شيء، لا يستطيع مجاراة حياته، فقط ظلمة في كل مكان وكأن فنانا قد أمضى عدة ساعات في رسم لوحة رائعة وبعد ذلك ودون أن يشعر وضع فرشاته في اللون الأسود ووضعها على اللوحة، وفجأة وبدون أي مقدمات بدأ السواد يغزو جميع أطراف لوحته ليفسد كل شيء، فيعتقد الفنان أنه فاشل فيتوقف عن الرسم.
المزيد من التشتت
هكذا أنت عندما ترى السواد، تيأس.. فلا تسعى حتى لتجد طريقة للإنارة وتعيش في الظلمة للأبد. ولكني حقيقة لا أعلم هل إن سعيت للخروج من الظلام سأجد النور قريبا؟ أم أن سعيي سيضيع هباء؟ أنا مشتتة لا أعلم شيئا!
إن هذه الصيحات المتكررة بالضياع وعدم المعرفة لا تنبع من داخلي فحسب بل هي مأساة جيل بأكمله، جيل أضاع سنوات عمره في البحث عن سعادة وتفاؤل بغير شرط أو قيد، وإن إصرارنا على البحث عنهما بنفس الطريقة سوف يفقدنا لا محالة ما تبقى من العمر،
بل سيورث جيلنا مزيدا من الانكسار والتشتت وفقدان الشغف، وكم أخشى على أمتي أن يفقد شبابها الواعد شغفه بالحياة، فكيف سيصبح ذلك الشاب أبا؟ أم كيف تصبح تلك الشابة أما؟ وعلى أي شيء سنربي أبناءنا وقد فقدنا تفاؤلنا وشغفنا بالحياة؟
الضفة الآخرى من النهر
ولننظر سويا إلى الضفة الأخرى من النهر حيث السعادة والتفاؤل، ولنتأمل سويا ضريبة كل منهما، فإن كانت ضريبة اليأس تشتتا وحزنا فإن ضريبة التفاؤل صبر وقوة وصلابة، فانظر إلى نفسك أي الطريقين تختار وأي ضريبة ستدفع، وأعود لنفسي فأسمع صوتا بداخلي يرتفع شيئا فشيئا، يقول تحملي واصبري، وإذا اعتزلتِ الناس فترة فلتعتزليهم لتعودي إليهم بعدها أصلب وأقوى، ولتكملي مسيرتك بكل عزم وثقة، ولتكن عزلتك كاستراحة محارب ينعم فيها بقليل من الراحة ليعود بعد تلك العزلة إلى أرض المعركة أشد وأقوى.
وإن أنسى فلا يمكنني أن أنسى ما قيل لي ذات مرة: “لا تقل سأتحمل اليوم لأرتاح غدا، بل قل دائما سأتحمل اليوم لأصبح في الغد أكثر قوة وصلابة”. وفي النهاية أقول أن اليأس اختيار والتفاؤل كذلك اختيار، فاختر لنفسك ما تشاء، أتختار الورد أم الشوك؟ أتختار الحياة أم الموت؟ أما أنا فقد اخترت التفاؤل والسعادة وإن كلفني ذلك مزيدا من الصبر والتحمل والألم.