يمكن للعقول أن تلتقي عليها
“وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ”. هنا دعوة كريمة إلى الإنصاف، والمؤكد أن إنصاف الناس من نفسك ليس باليسير على كثير من الناس.
ورغم أن الآية الكريمة جاءت في سياق الدعوة إلى عدم تطفيف الكيل والميزان وهو أمر مادي يمكن ضبطه، إلا أن المعنى يمكن أن يتسع لآفاق شديدة الرحابة.
في الآية دعوة جليلة إلى ضرورة التوقف عن إطلاق الأحكام على الناس ووصمهم بكل نقيصة، والملاحظ أن وصم الناس بالنقائص غالبًا ما يأتي في سياق تزكية النفس التي يُفترض أنها خالية مما تأخذه على غيرها، وهذا -كما تعلم- مما نهاك عنه الله!
تربط الآية الكريمة بين ظلمك للناس وعدم إنصافهم والإفساد في الأرض، إنصاف الناس عدل، وكل عدل استقامة، وكل استقامة تربية للنفس.
لذا فقد دعاك القرآن إلى مقاومة سخْف نفسك، دعاك إلى العدل مع الذين تكرههم، وهذا هو الاختبار الحقيقي، فالطبيعي أن المرء يعدل مع من يحب، وقد يزيد عن العدل معه فيحسن إليه.. ولكن الاختبار الصعب أن تعدل مع من تكره.
الانشغال بالنفس سيعود عليك حتمًا بالفائدة
الإنصاف، دعوة إلى المعرفة والفهم، وكل معرفة تتطلب جهدًا في الوصول إليها، ونحن نعيش عصر الجماهير الغفيرة، فالجميع يدون ويكتب، والجماهير بطبيعتها تسلّم عقولها لغيرها، وتردد ما تظنه الصواب.
الإفساد في الأرض مما يحرمه العقل والمنطق بقدر ما يحرمه الدين، ولا يكون الإفساد بقطع الطرق واغتصاب ما ليس لنا فحسب، هذا إفساد من السهل مقاومته والتخلص منه، رغم خطورته، الإفساد الأكبر أن تُخْسر ميزان التعامل مع الناس، وتضيّع الحق الذي يربط ما بينك وبينهم، والأكبر منه أن تفعل ذلك باسم الله وعلى سنة رسوله.
هنا دعوة راسخة إلى تحرّي الدقة. دعوة إلى جهاد نفسك التي تسكن بين جنبيك (هذا هو الجهاد الأكبر)، هنا دعوة إلى التوقف عن النظر إلى القشة في أعين الناس والانشغال بالعصا التي توشك أن تقتلع عينك.
والانشغال بالنفس سيعود عليك حتمًا بالفائدة؛ سيكون لديك الوقت لتكتشف عيوبك، وتعمل على تطويرها، أمّا الانشغال بالناس وتفسيقهم فسوف يضرّ بك وبهم، ويفسد ما بينك وبينهم، والله -كما تعلم- لا يحب المفسدين.
أحبّ هذه الآيات، وأحب أن أتأمل فوائدها معكم، باعتبارها من التوجيهات السامية، التي يمكن للعقول أن تلتقي عليها، رغم اختلاف الأديان والثقافات.
اقرأ أيضاً:
الأنا والآخر في تجليات الاختلاف الفلسفي
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا