يعني ايه تربية ؟ ( الجزء الثالث ): تأثير الصحبة والمدرسة ووسائل الإتصال والقادة
وهناك مفاتيح للتربية علينا إدراكها للعمل عليها؛ لما لها من أثر كبير على تيسير عملية التربية ، وتأتى فى ترتيبها بعد أثر المنزل والأسرة والبيئة على التربية للأبناء.
مفتاح التربية الأول : الصحبة والأصدقاء
________________________
لا أحد منا يستطيع إنكار أهمية الصحبة والصداقة فى حياتنا وأهميتها لمراحل النمو المختلفة وما تحدثه فينا من تبادل معرفى وثقافى وتربوى
ولكن لا ننكر أيضا أن لتلك الصحبة والصداقة مساوئها كما أن لها فضائلها أيضا في عملية التربية.
فهل تعتقد حقا أن يصمد الشاب أمام الصحبة السيئة والرياح السيئة التي تعصف بأفكاره يوميًا، فى الغالب لا بدَّ أن يستجيب لهذه الأفكار يوما ما إن لم تحصنه بالبيئة و الصحبة الصالحة.
أو تلك البنت التي لها صديقات جل همهم التزين والتبرج والموضة، وتجلس خمس ساعات مع مجموعة بنات كلامهن عن المسكرة والفزلكة… ففي النهاية ستجرب فتدخل في المجموعة وعليها السلام أصبحت في مكان ثانٍ.
فـ ” الصحبة ” أساس، يذكر الله تعالى في كتابه الكريم ” يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً”.سورة الفرقان
ويعرّف أرسطو الصداقة بأنها حد وسط بين خلقين فالصديق هو الشخص الذي يعرف كيف يكون مقبولا من الآخرين كما ينبغي، ويميز أرسطو بين ثلاثة أنواع للصداقة وهي صداقة المنفعة وصداقة اللذة وصداقة الفضيلة. فصداقة المنفعة هي صداقة عرضية تنقطع بانقطاع الفائدة، أما صداقة اللذة فتنعقد وتنحل بسهولة بعد إشباع اللذة أو تغير طبيعتها، لكن صداقة الفضيلة هى أفضل صداقة وتقوم على أساس تشابه الفضيلة وهى الأكثر بقاء، ويعتقد أرسطو أن الصداقة أكمل ما تكون عندما تتوافر لها الأسس الثلاثة (المنفعة- اللذة- الفضيلة)
ماذا نفعل إذاً؟
ولذلك عليك عزيزى المربى/ة مساعدة الأطفال فى اختيار الصديق المناسب الذى يكتسب منه ومعه الصفات الحسنة
ويتأثر به فالملاحظة والتوجيه والتقويم ضرورية فى مرحلة الطفولة المبكرة تحديدا، وأن نحدد معهم معايير حسن اختيار الصديق وأن نريهم فى علاقاتنا كآباء وكبار القدوة فى اختيار الصديق المناسب والبعد عن أصدقاء السوء.
فكما اتفقنا فى مقالنا الأول أن القدوة فى حياة أطفالنا هى المربى الأول ويجب أن نخبرهم ما هى صفات الصديق الجيد وما هى صفات الصديق السىء، بالطبع لا ننتقد اختيارات أطفالنا ولكن يجب علينا الشرح والتوضيح وأن نترك لهم مساحة ليأخذوا القرار وللتنفيذ أيضا، كما يجب فتح مجال العلاقات والصداقات أمام الطفل وتشجيعه على العلاقات الاجتماعية التى قد تغنيه عن التركيز على صديق واحد فقط يضطر لأن يصادقه أو يتأثر بشدة فى حالة تركه والابتعاد عنه.
يجب أن نترك له فرصًا مختلفة لانتقاء الأصدقاء وأن يعيش اجتماعيا وبالطبع يجب علينا حمايتهم من أى أذى أو إساءة حقيقية وأن نتدخل لمنع ذلك إذا أضطررنا لذلك فى الوقت المناسب.
مفتاح التربية الثانى : المدرسة
___________________
عزيزى المربى الفاضل / ابنك بأى مدرسة ، وابنتك بأى مدرسة ؟ اسأل ماذا تفعل المدرسة تربويًا وليس تعليميًا لأنه تعليميًا كل المدارس تعلِّم، أما تربويًا: فقل لى كيف يقضون أوقات الفراغ؟ وماذا يفعلون فى الاحتفالات والرحلات وعلى ماذا ينشأون فى المعاملات والعلاقات؟
إذا كان في المدرسة أحد المعلمين ورأيت أن آراءه وأفكاره وقناعاته مهترئة ويحكي مع الأطفال ويحاول أن يقنعهم بالقناعات التي عنده، وأنت لست معه لتمنع تأصيل تلك الأفكار فى ذهنه من قدوة وضعناها فى طريقه وقبلنا بها حين وضعنا أطفالنا فى تلك المدارس بمختلف أفكارها وآرائها المختلفة
فنجد أفلاطون فى كتابه الجمهورية حين يتكلم عن المدينة الفاضلة يقول: “فعلى أّى صورة نبنى مدينتنا ونحقق فيها العدالة؟
المدينة والنفس
يجب أن نشخص بأبصارنا إلى (المدينة بالذات): نجد أن بينها وبين النفس شبها قويا، فإن للمدينة ثلاث وظائف: الإدارة والدفاع والإنتاج، تقابل قوى النفس الثلاثة: الناطقة والغضبية والشهوانية.
هذه الطبقات الثلاث هى: الحكام والجند والشعب، والطبقتان الأولى والثانية حراس المدينة، فكيف نحصل على حراس أشداء فضلاء؟” ، ولمّا كانت النظرة القياسية هى الحاكمة فى منظور أفلاطون للمدينة الفاضلة، فكان التعليم هو العمود الذى تقوم عليه المدينة، يقول كولن “إن الإنسان ليس مخلوقا يتكون من جسم فقط أو عقل فقط أو مشاعر فقط أو روح فقط، بل هو عبارة عن مزيج منسجم من كل هذه العناصر.
فكلٌّ منا له جسم ينطوى على مجموعة متشابكة من الحاجات، وكذا عقل له حاجات أكثر دقة وحيوية من الجسم وعندما يُنظر إلى الإنسان، رجلاً كان أو امرأة -وهو الذي يدور حوله كل شىء من جهود وأنظمة- باعتباره مخلوقًا يحمل كل هذه الجوانب، وعندما يتم تلبية كل حاجاته، فإنه سيصل إلى السعادة الحقيقية. وفي اللحظة الراهنة، لا يمكن تحقيق التقدم والتطور الإنسانى الحقيقى فيما يتعلق بكيانه الأساسى إلا بالتعليم.
مفتاح التربية الثالث: وسائل الاتصال
______________________
الفايسبوك، تويتر، واتس آب، …، وسائل الاتصال اسمها وسائل لتستخدم كوسيلة وليست كغاية كما يفعل البعض وينصهر معها تماما وبالرغم من كل مميزات التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال إلا أن أهم مشكلات العصر وسماته أصبحت تتعلق بالتكنولوجيا من حيث إدمان التكنولوجيا وسيطرتها على الأفراد وزرع الحواجز فى العلاقات الاجتماعية التى باتت فى أسوأ حالاتها مهما كانت صلة القرابة كما عملت على رفع حاجز الخصوصيّة بين الأفراد وساعدت على ميل الأشخاص للعزلة وعملت على اكتساب الأفراد للعنف وإطلاق الشهوة الغضبية فى الإنسان بدون رادع تأثرا بالألعاب الإلكترونية، كما بات من الصعوبة التحقق من المعلومات لكثرة تعدد المصادر!
وسيطرت بعض الثقافات على الأخرى فى صورة أشبه بالغزو لكنه فى صورة مختلفة هذه المرة؛ فهو غزو فكرى ثقافى وهو أعظم وأشد على الأمم من الحروب فباتت ثقافة الشباب والأفراد التقاطية وغير موثوقة وتحولنا إلى التبعية فى تكوين الرؤى والأفكار.
والذى قد ينتج لنا جيلا التقاطيا غير اجتماعى وغير متحمل للمسئولية تتحكم فيه تلك الوسائل
ولا تخدمه بالعكس بل هو من يخدمها ويعيش لأجلها، وعلينا كآباء ومربين أن ننتبه لمثل هذه الوسائل التى تسلب أطفالنا حق طفولتهم وتغيب عقولهم ونحميهم منها بإخراجهم إلى العالم الواقعي ونشاركهم لحظات النمو المهمة والمؤثرة فى مستقبلهم.
مفتاح التربية الرابع : تأثير قادة الرأى
_______________________
قادة الرأى: هم العلماء والمفكرون والسياسيون وأصحاب الفكر والنخب.
النخب: اعتبر لازويل أنها “تلك الطبقة التى تتميز بقدرتها على التأثير أكثر من غيرها مع جنيها لنتائج ملموسة بفعل هذا التأثير.
يشير الأستاذ/ بيزيد يوسف في دراسته (دور النخبة فى ظل التحديات الراهنة) إلى أنه على الرغم من تسارع التقنيات الحديثة لاكتساح حياة الإنسان والهيمنة عليها يبقى دائمًا دور الإنسان ضروريًا وحيويًا ولكن أى إنسان؟
إنه إنسان يتمتع بمميزات وخصائص روحية معرفية ومادية تمكنه من التحكم فى مختلف المجالات والسيطرة على حاضره ومستقبله متصلًا بماضيه، هذا الإنسان الذى يتأثر ويؤثر وينفعل ويغير أو يسعى إلى التغيير هو ما يطلق عليه النخبة والنخبة بطبيعة الحال أقلية فى المجتمع تتميز بجملة من المميزات والخصائص والتى لها دور وأثر عظيم وواجبات تجاه المجتمع يجب أن تقوم به ولا تتناساه أو تتجاهله.
فاختر لطفلك من يقتدى بهم من تلك النخب المميزة وحافظ على التربية السليمة حتى تجعله أحدهم فى المستقبل القريب.
خلاصة
يقول كولن:”إن من يريدون ضمان مستقبلهم لا يمكن أن يهملوا كيفية تعليم أطفالهم وتربيتهم، فينبغى أن تتعاون الأسرة والمدرسة والبيئة المحيطة ووسائل الإعلام بكل أشكالها لضمان تحقيق النتيجة المنشودة. وإذا لم يؤد واحد أو اثنان من هذه دوره فهذا يعنى أن الشباب قد ترك ليتضارب فى هذا الجو من المتناقضات. فإذا لم تكن المدرسة متعاونة مع الأسرة، وإذا لم يتعاون الإعلام مع الأسرة والمدرسة، وإذا لم تكن البيئة فى خط هؤلاء، فستكون عملية التربية منحصرة فى الإطار الذى تُجرى فيه.
ومن البديهى أن هذا التأطير لن يأتى بالفائدة المرجوة وبتحديد أكبر، ينبغى على الإعلام المساهمة فى تعليم النشء عن طريق اتباع السياسة التربوية التى يرضاها المجتمع، والمدرسة يجب أن تكون على أفضل ما يمكن من حيث المناهج والمعايير العلمية والأخلاقية للمعلمين، والحالة المادية للمكان.
أما الأسرة فيجب أن توفر الدفء والجو المناسب لتنشئة الأطفال والتربية السليمة لهم.
اقرأ أيضا :
يعني اية تربية ؟ ( الجزء الأول ) – ما المقصود بالتربية ؟ وما هو تأثير القدوة ؟
يعني ايه تربية؟ ( الجزء الثاني ) – دور البيئة في عملية التربية وصناعة الإنسان
الكيف ( الجزء الأول ) – تأملات في بعض مشاهد هذا الفيلم العربي القديم