مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

يحكى أن الجزء لا يساوي الكل… حكاية فاقدي البصر والفيل

يحكى أن مجموعة من فاقدي البصر كانوا حول فيل ثم سألهم مبصر يا ترى ما هذا الشيء الذي بجانبكم؟

فبطبيعة حالهم معتمدين على اللمس كوسيلة لاستبصار ما حولهم بدأوا يتفقدون ما بجانبهم فالذي أمسك بذيله صاح قائلًا “هذا حبل”. والذي لمس بطنه قال “هذا جدار” والذي أمسك بالناب قال “هذا رمح” والذي لمس رجله قال “هذه شجرة” ومن أمسك بطرف خرطومه الأنفي قال “هذا ثعبان”.

لم يتفق الناس هنا على نفس الجواب وكل منهم أفاض بما وجد، علنا نلحظ أنه لم يكن أحدهم كاذبًا أو غير مخلصٍ في البحث ولكنهم جميعًا لم يستطيعوا أن يروا الصورة كاملة. ولم يعرف أحدهم أن الجواب مغاير لكل ما جاءوا به وهو “فيل”.

الذي علم الجواب هو من استطاع أن ينظر إلى الصورة كاملة فأدرك حقيقتها لأنه رآها كما هي في واقع الأمر واستطاع أن يلم بها كاملة من كل الجوانب والزوايا.

الكل لايساوي الجزء

القصة قد تكون تخيلية أو ساذجة بعض الشيء، لكنها توضح معنى هامًا جدًا وهو أن ” الكل لا يساوي الجزء”. هذا المعني هو بديهي للغاية كقولك “كل البرتقالة لا يساوي جزء منها” ولكن هذا الوضوح الذي تشعر به تجاه هذا المعني لا يلبث أن يزول إذا ما تعلق الأمر بأمور معنوية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حينها تختلف زوايا نظرتنا كبشر ولا ندري من منا على صواب ومن على خطأ. من استطاع أن يلم إلمامًا كاملا بأمر ما ومن فقط أدرك جزءًا منه وليس الصورة الكاملة.

هل شاهدت يومًا ما مناظرة والتبس الأمر عليك؟ يا ترى أي الطرفين على صواب ومن منهم على خطأ؟

هل من الممكن أحيانًا أن يكون كلا الطرفين على باطل والحق عند طرف ثالث لكن الحقيقة لم تظهر بعد؟

هل من الممكن أن تكون حقيقة أمر معين كما هو في الواقع لا يراها بعض من ادعوا أنهم علموها يقينًا على الرغم من تأكيد كل منهم أنه هو فقط من يرى هذا الأمر على حقيقته وأن الطرف الآخر مخطئًا ولا يراه بشكل صحيح؟

تتعلق كل  الأسئلة السابقة بعدة أمور منطقية هامة في عملية التفكير والتحليل التي إن غفلناها وقعنا في الزلل والتبست علينا الأمور الواضحة. فحينما يساوي أحدهم جزءًا من الشيء بالشيء كله فذلك يوقعه مباشرة في خطأ التعميم.

كقولك فلان صادق دائمًا اعتمادًا على خبرة جزئية مررت بها كان قد صدق فيها ذاك الشخص مرة واحدة. وقولك الجامعة الفلانية كل طلابها فاشلون وأنت لم تر من طلابها غير شخص واحد كان بالفعل فاشلًا فحكمت أنت حكمًا عامًا أن كلهم فاشلون.

هل يقف الأمر عند هذه الأمثلة البسيطة؟

بالطبع لا.

إن النظريات الفكرية المتعلقة بكل مجالات الحياة كالاقتصاد والسياسة والاجتماع والصحة والتربية والتعليم وغيرهم  ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه البديهية فحينما نطالع حلولًا اقتصادية لمشكلة معينة قد نجد أن ذلك الحل أو ذاك قدم حلًا لجزء من المشكلة وليس لكل المشكلة. في الغالب يرجع ذلك إلى عدم الإلمام بكل القضية من جوانبها وانعدام رؤية الصورة الكاملة. كذلك في المجال الاجتماعي فنرى بشكل كبير مثلًا أطروحات حاليًا حول كيفية حل مشكلة التحرش، وقد يظن البعض جازمين أن الحل قد يكون مقتصرًا فقط على وجود رادع قانوني وعقاب بالتغريم أو السجن للمتحرش، لأول وهلة قد يظهر هذا الحل نموذجيًا فهناك جريمة ترتكب يجب أن يكون لفاعلها عقاب رادع هذا بديهي، ولكن هل هذا هو الحل الشامل الذي ينظر نظرة فوقية للمشكلة ليحيط بها من كل جوانبها؟.

فهل المتحرش الفقير الذي لا يقدر على الزواج مثله مثل المتحرش الغني المتزوج، هل  المتحرش البالغ مثل المتحرش الطفل؟ هل العاقل مثل المجنون؟. أي حل يساوي بين كل هذه الفئات ولا ينظر لكل فئة على أنها مشكلة خاصة يجب النظر في أسبابها على حدة لمعالجتها العلاج السليم الذي يليق بها هو حل ناقص غير شامل.

وكما قد غفل هذا الحل الفروق بين المجرم فقد غفل أيضًا دور الدولة في التربية والتعليم والدور الاقتصادي الذي يساعد المجتمع على القدرة على العيش والكسب وتكوين أسرًا تحيا حياة صحية ونفسية وجنسية سليمة، كما غفل أيضًا دور الضحية في الأخذ بالأسباب والحيطة التي تتناسب مع الوجود في مجتمع به كل الفئات من البشر ومراعاة الذوق العام لكل منطقة.

لذلك حين تنشد حلًا أو اتخاذًا لقرار أو بحثًا يجب ألا تقع في هذا التعميم المتسرع غير الدقيق الذي يغفله من لا ينتبه لهذه القاعدة، وبالإضافة لتذكرها باستمرار؛ تفيدنا العلوم العقلية كعلم المنطق في تجنب هذه الفخوخ التي قد ينزلق إليها التفكير غير الملتزم بالقواعد العقلية

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

.

حازم خالد

طبيب امتياز – كلية الطب جامعة المنصورة
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة