إصداراتمقالات

وعد الشيطان

وعد الشيطان

نيزك ضخم يقترب من الأرض مهدداً إياها بفناء الحياة عليها تماماً ، فيروس خطير يقضى على البشر مستشرياً بينهم كالنار فى الهشيم ، حضارة ما من خارج كوكبنا تجتاح الأرض بحثاً عن ملاذ لها ، حروب عالمية متتالية أتت الأسلحة النووية والبيولوجية فيها على الأخضر واليابس لتترك البشرية تلاقى حتفها ، وهكذا دواليك من روايات وأفلام تحكى كلها عن مصير قاتم لا ملاذ من ملاقاته ، تبدو البشرية عاجزة تماماً أمامه ، لتجد نفسك تتسائل أهكذا هى النهاية حقاً؟!! أما بين طرفة عين وانتباهاتها تنهار كل تلك الصروح الحضارية والتكنولوجية القائمة ، فما المغزى إذن من كل ذاك؟!! أحياتنا ما هى إلا صراع عبثى فارغ المعنى والقيمة لا جدوى منه ، ينتهى بقدوم الأقوى؟!!.

ولكن ربما بالنظر إلى التجربة الغربية كلها بشكل كامل ، يصبح من المفهوم تماماً من أين أتت تلك النظرة السوداوية للبشرية ، والتى تعنون بنسبية الحق وما يندرج تحت ذلك العنوان من فلسفة مادية، قامت علي أثرها الحضارة الغربية ، منتجة تلك النظرة المتشائمة التى ملأت الكتب والروايات. فمع وصول الديانة المسيحية إلى روما سنة 42 م ، جمعت أوروبا بالمسيحية علاقة صعود وهبوط ، حتى استقر الأمر عام 325 م مع عقد المجمع المسكونى ووضع قانون الإيمان ، لتبدأ السيطرة الكنسية على مقاليد الأمور حتى أن بعض المعارك قد شهدت قيادة البابا للجيوش ، ليشكل هذا العصر بما شهده من محاربة العلم بشكل فج وإراقة دماء مئات الألاف فى ما يدعى بالحروب الصليبية وغيرها ، حجر الأساس لتلك الفكرة التى غزت الغرب حتى يومنا هذا عن نسبنة الحق ، فى محاولة ساذجة لتجنب الخلافات التى كادت تودى بأوروبا مورد التهلكة مع وعد بعصور رغدة.

لذا كان من الطبيعى أن يمثل ذلك القانون المتمثل فى نسبية الحق ، ركيزة أساسية لما تبعه من فلسفات قامت كلها بالتعامل مع حقيقة وجود الإله من عدمه بالتجاهل ، بما يعنيه ذلك من تجاهل -إن لم يكن انكار- غائية الكون وهدفيته الناتجة عن وجود خالق عالم حكيم ، واختزال الحق فى المصلحة وفقط وما تستدعيه من فكر أو عمل ، وهو ما عبر عنه (وليام جيمس) بقوله : “إن الحقيقى باختصار جداً ، ليس سوى النافع الموافق فى سبيل تفكيرنا تماماً ، مثلما أن الصحيح ليس سوى المطلوب النافع الموافق فى سبيل سلوكنا” لتصبح اللغة السائدة هى حق القوة أو المصلحة ، مما دعم الاعتقاد السائد فى الأدب الغربى بالنهاية الكارثية ، التى معها ستنتهى الحضارة كما نعرفها بعد اندحارها على يد الأقوى ، سواءاً كان عدواً طبيعياً أو صناعياً.

بينما على الجانب الآخر ، تجد الفلسفة الإلهية المنطلقة من مطلقية الحق ، المؤمنة بوجود خالق عالم حكيم ، عز وجل أن يكون خلقه قائم على عبث ، فلابد وأن الكون يحكى هدفية ما تصبو البشرية لتحقيقها ، تلك الغائية القائمة على العدل وإقامته لما فيه من كمال للإنسانية ، لذا جاء قوله سبحانه وتعالى فى سورة البقرة الآية 268 : “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” قاطعاً بما تذهب إليه كلاً من الفلسفة العقلية المتألهة ، والفلسفة المادية القائمة على نسبية الأخلاق ، فيصبح الكذب والسرقة وسوء الخُلق ما هم إلا وجهات نظر تحكمها المصلحة ، مع وعد من شيطان الفلسفة المادية بأن كل هذا إلى زوال ، فلن تلبث أن تكون إلى النسيان ، فتمتع كثيراً وإن ظلمت ، وأغرق فى ملذاتك وإن أثمت ، بينما تجد الله يعدك السعادة إن نصرت الحق ، وأقمت العدل فى الدنيا ، ويبشرك بنعيم الآخرة إن انطلقت فى معرفته حقاً ، ليتحقق لك ولإنسانيتك الكمال الذى وعدك الله وعده الحق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

محمد صابر

مهندس حر

باحث في علوم التربية وفلسفة التعليم بمركز “بالعقل نبدأ”

دراسات عليا في كلية التربية جامعة المنصورة

حاصل على دورة إعداد معلم (TOT) من BRITCH FOUNDATION TRAINING LICENSE المعتمد من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية