مقالاتقضايا شبابية - مقالات

وطن مُوحش .. حوار بين أحمد وخالد

أحمد وخالدحاب، كل واحد منهم في كلية مختلفة، النهارده آخر يوم في الامتحانات لآخر سنة في الكلية ليهم هما الاتنين، اتقابلوا النهارده يحتفلوا مع بعض بمناسبة انتهاء الدراسة، الحوار بين أحمد وخالد دايماً مش بيكون جد، غالباً ما بيهزروا وينكتوا، فشوية يتكلموا في الكورة ومرة تانية يتكلموا في الأفلام الجديدة، أما النهارده أحمد أثار موضوع جدي بعكس اللى اتعودوا عليه…
بدأ أحمد الحوار: خالد إيه تخطيطك لحياتك بعدين… هتعمل إيه؟
خالد: هعمل أهبل… هه هه هههههه.
أحمد: لا، بتكلم جد
خالد: والله يا أحمد البلد دى ما يتعش فيها، ولو الواحد عايز يكون حاجة كبيرة مستحيل هيقدر يحقق حلمه… إنت مشفتش كل اللي طلعوا برا نجحوا إزاى، محمد صلاح مثلاً.
أحمد: طب يابنى وأهلك؟ أمك وأبوك مش أكيد هيحتاجولك.
خالد: إخواتي معاهم هي هتقف عليا أنا؟!
أحمد: طب إنت هتسافر تعمل إيه برا؟
خالد: إيه هعمل إيه! زي ما الناس بتعمل، هحاول أشتغل أي حاجة في البداية وبعدين أحاول أقدم في جامعة واتعلم عشان أشتغل حاجة أفضل، وأكيد هنجح في مجتمع بيدي لكل مجتهد حقه.
أحمد: طب أيوه وبعدين هتعمل إيه لما تنجح؟
خالد: إيه اللي هعمل إيه إنت بتهزر بقى؟ هنجح يعنى هيبقى عندي فلوس كتير يعني هشتري كل اللي نفسي فيه…
أحمد: أيوه وبعدين؟
خالد: لا بقى إنت بتهزر! اقفل يا عم الموضوع دا وتعالى نلعب بلايستيشن!
أحمد: لا والله ما بهزر أنا أقصد بعد كل دا وبعد ما تملك كل اللي انت نفسك فيه، فين أهلك، فين بلدك، فين الناس اللي تعرفهم وبيحبوك؟ كل دول راحوا فين من حياتك؟ أكيد مهم جداً إنك تهتم بتطوير نفسك والسعي وراء نجاحك، ولكن هتبقى أناني لو نسيت أهلك والناس اللي ساعدتك في يوم من الأيام، هتبقى أناني إنك تسيب كل الناس اللي بتحبك وليها ذكريات معاك وليها فضل عليك واجب إنك ترده في يوم من الأيام، وبعدين يا سيدى مين قال إنك مش هتنجح هنا؟ ما تحاول وابدأ باللي بتفهم فيه، حياتنا مش بس كلها إننا نشتري أي جديد، وأي حاجة نفسنا فيها، مش إننا نسافر بس ونسيب أهالينا، لا فيه حاجات مهمة لازم ناخدها في اعتبارنا، زي إننا نفضل جنب أهلنا ونعيش نساعد اللي نعرفهم، ونحاول نقدم حاجة لبلدنا مهما كانت أحوالها وحشة.
يلا يا عم تعالى نلعب ماتشين.

أشخاص مختلفة من مجتمعنا لا نعي من منهم على صواب أو على خطأ، هل من يشبهوا خالد حيث يتبنى فكرة أن المشكلة في واقعنا؟ ولا بد لنا أن ننطلق حيث المجتمعات المنفتحة المتقدمة، يجتهد فيلاقي نتيجة اجتهاده، يعمل ويدرس ليعلوا ويحصد أعلى المراتب العليا وينال المال جراء ذلك ويستطيع أن يشتري كل ما يحلم به أو يتمناه؟
هل فعلاً لن يجد معوقات في تلك المجتمعات، هل ستتوافق معه كل تلك الأيدولوجيات والاختلافات؟ فأين الانتماء هنا لديهم؟ أولاً لأهله، وثانياً لمن أعانوه يوماً ثالثاً وأخيراً لمجتمعه (بلده)؟ هل فعلاً سيفقد حلمه إن بقي فهل من شيء أهم من نفسه؟
أم أن أحمد على حق، ومن يشبهه ليس برجعي ولا متخلف، يريد أن يبقى حيث ما يسمى بالعالم الثالث والدول النامية، وإنما هو يجد المعوقات في كل مكان، وما يختلف فقط هو أن يسعى في تطوير ذاته وأن يوقن أن العالم الآن سيوفر بأدوات اتصاله الحديثة كالإنترنت كل الفرص له لينجح في أي مكان كان، المهم هنا لديه هو أن النجاح بالنسبة له أنه نجاح شخصي في الجانب المادي، وأيضاً عدم التخلي على جانبه المعنوي من أخلاق ومبادئ، أن يبقى في مكانه حيث يقوم بواجبه تجاه أهله وبلده.

نقطة ومن أول السطر:
مشهد صغير لن يكفي لأن يصف ما يمر به شبابنا من وحشة وغربة وحب الهجرة “وعقدة الخواجة ” كلها مشاكل سببها واحد، وهو جهل خلفه تعليمنا لأجيالنا، وقصور لترسيخ أخلاق ومبادئ منها على الأقل الانتماء.
كان في البداية قصور دور التعليم في تربية أبنائنا مع عدم خبرة الأسر بما يجب تربية أبنائهم عليه، وأتى بعد ذلك دور إعلام تحركه الرأسمالية، وباختلاف وسائلها استطاعت أن ترسخ في أذهان أجيالنا، حيث جعلتهم ينخدعون بالمظاهر ويحلموا أن يصيروا كأي شخص مشهور في مظهره وما يمتلكه دون أن يعرفوا جوهره وحقيقته، جردتهم من كل مبادئ وأخلاقيات وضخمت لديهم الأنا الذي لا يرى إلى الطموح بشكل خاطئ، حيث لا يأخذ في الاعتبار من كانوا سبباً ليقوي في الأصل على أن يحلم، جردت كل المفاهيم وسطحتها وألبست المبادئ شكل الرجعية والتخلف وجعلت من يحملها مادة للسخرية والضحك في برامجها التلفزيونية وإعلاناتها، كما تمكنت من جعلها المادة الخام التي يتضاحك عليها الكثيرون على مواقع التواصل، وهنا نرى أن كثيراً من أجيالنا قد غزا تفكيرهم فكر رأسمالي يقتل كل ما فيهم من أخلاقيات ومبادئ، ينسيهم ما هو واجب عليهم، يضخم ذاتهم ويمحورهم حولها ليصبحوا أيقونة جاهزة لكل أمر أتى ليحركها صاحب هذا الفكر كيفما يشاء، فقد وضع لهم في إحدى كفتي الميزان أحلامهم وأمنياتهم (وكل شيء لامع يتمنوه بعد أن شكلوا لمعانه لهم) وفي الكفة الأخرى أهاليهم ومعاناتهم في الحصول على النجاح بهذه الطريقة (بعد أن قتلوا معنى الانتماء لديهم)
ووضعوهم في اختيار جبري بين شيئين، في حين أن الشخص حر، وأن هذا ليس تخييراً بل تجبير، أما في الحقيقة فالأهل في نفس الكفة التي نكون فيها، وأما النجاح فيحتاج من الجد والاجتهاد للحصول عليه، وأما المعوقات فهنا كانت أو هناك تحتاج منا التكرار ومعاودة التقويم والتطوير لذاتنا، شبابنا قد يكون غارقاً في تلك الأفكار، والأولى من أن نتجادل معه أن نتفهم ما يريد ونعيد معه التفكير لتصويب ما هو كائن بالخطأ في ذهنه.

اقرأ أيضا :

الفكر الصهيوني الظالم – فلسطين حرة وستبقى قضية حية في نفوس الأسوياء

اضغط على الاعلان لو أعجبك

السياسة والرياضة – هل نستطيع خلط الرياضة بالسياسة ؟ وما علاقة الفكر بالسلوك ؟

كيف نرفض ما يحدث في الواقع دون أن ننفصل عنه ؟

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط