إصداراتمقالات

هيباتيا غزة

هيباتيا غزة

قُتِلت هيباتيا وتم تمثيل جسدها سواءً كان هذا بحرق أو بتمزيق في شوارع الإسكندرية, اختلفت الروايات في كيفية قتلها والتمثيل بها واتفق الرواة على وحشية الجُرم, ولم يكن الجناة مجموعة من قطاع طرق يرغبون في سرقتها أو اغتصابها أو خلافه, وإنما مجموعة من (المتدينين) الذين سولت لهم أنفسهم التوحش في عقاب هيباتيا, فقد أذنبت حينما ظنت أن لامرأة الحق في أن تصبح عالمة وفيلسوفة، بل وتأبى أن تؤمن بآلهتهم وتدين بديانتهم التي فُطروا عليها, لأن هيباتيا ساحرة كافرة شريرة و(خطر على المجتمع) يجب إبادتها!

لم يتخلى إنسان عن حياته مدافعًا عن فكرة؟ ولم يقتل إنسان أخيه هادمًا لتلك الفكرة؟! ولماذا شهِد التاريخ على مر العصور حروبًا بين الخير والشر, لطالما انتصر الخير فيها في سطور أوراق الأساطير وانتصر الشر في الميادين؟!, لماذا شهد التاريخ –ومازال- محاكم ظالمة كان المتهم فيها ما هو إلا عالم أو فيلسوف أو ثائر ينادي بالحق؟!.

لم تكن المعركة يومًا معركة خير وشر, المعركة دائمًا ما كانت النتاج النهائي لصراع جال في نفس كل إنسان, حتى وإن لم يدرِ به, فلما كان الانقياد من ذاتياته وجب عليه اختيار قيده, قيد العقل أم قيد الشهوة, منهم من آثر قيد العقل, ومنهم من أعلى قيد الشهوة, ثم دافع كلٌ عما آثره, أي أن عدو كل منهما ليس الآخر, بل جانبه المنهزم في ذاته, كلٌ يحاول الإبقاء على جزئه المنهزم مخدرًا, وإن تمثل ذلك في محاربة أنصاره من خارج النفس, فاختار معركته وفق ما اختار من قيده، ولطالما انتصر النوع الثاني ولم يبق من الأول غير قلائل تنقل قابس علمها لمن تبعها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لم كانت الغلبة دائماً لناصري الشهوة على ناصري العقل؟! لأنه ببساطة دين الشهوة أسهل اتباعًا من دين الحق, فكثر أتباع الشهوة وقل تابعي الحق, ولطالما شهد التاريخ على أكثرية أهل الشهوة، حتى أنك لتجد الله –جل جلاله- فى كتابه العزيز لطالما ذم الأغلبية، فيقول –سبحانه وتعالى- : “لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ”،وحين تفتقد قيد عقلك تصبح كل الوسائل في تحقيق غايتك محمودة, وإن شملت السرقة أو القتل أو الافتراء كذباً على خالقك, فتستحل دم كل مخالف لك أو حتى محايد, وإن آثر متبع العقل الجهاد النظيف في سبيل إعلاء كلمة الحق, واجتنب من الأساليب أدناها استحال عليه قتل إنسانيته بقتله لأخيه وإن كان باسطًا إليه يده ليقتله, لأن مُعلي العقل يعمل من أجل خير الإنسانية, وبقتله لأخيه فهو بذلك يجمع بين النقيضين أي يُخرِج نفسه من فئة ناصري العقل بمخالفته لأحد بديهياته.

أي نغمة تردد الجماهير الآن؟! الوطن؟! هؤلاء الخونة والجواسيس يجتهدون لتعكير صفو بلادنا وسلامها, هم خطر عليكم لا على الدولة, فالدولة خالدة وأنتم الفانون, الدولة تحميكم باعتقالهم أو قتلهم, تضحي الدولة برجالها المخلصين من أجلكم وإن كانت مؤمنةً بأن تراب الوطن أغلى من حياتكم, بالطبع هم عملاء ممولون من الخارج, أيعقل أن يعارض إنسان سلطة فقط دفاعًا عن الحق والإنسانية؟! أيعرض ذاته للفناء دفاعًا عمن لايأبهون لوجوده؟! أتفعل أنت ذلك؟! وإن استحال عليك تصور أنك قد تفعل فكيف تصدق أنه برئ إذًا ومدافعًا عن الحق كما يدعي؟! ارجموهم او اطرحوهم أرضًا أو دعونا نتكفل بذلك وأكملوا التهليل لنا ولن ينالكم منا إلى الرضا.

لن ينسى من اختار قيد شهوة السلطة والمال أن يلعب بورقة الدين, فقد ثبتت فعاليتها ونتائجها الممتازة مع الشعوب, ومن سلك كل طرق إشباع تلك الشهوة ارتأى أن تأييد الله قد يكسبه العديد من تأييد محكوميه, كما قال لينين : “الطبقات الحاكمة كلها تحتاج من أجل الحفاظ على سيطرتها إلى وظيفتين إجتماعيتين هما الجلاد والكاهن”، فلا مانع فى شيخ يرى أن الخروج على الظالم حرام، أو قس يرى فى الحكومة عناية الله، بل وربما نجد يومًا من يخرج علينا من عمم السلطان داعيًا للتخلى على فلسطين طاعة لإرادة الله .

ولذا فكان من ينادى بإعمال العقل وتغليبه على الشهوة واستخدام المنطق في التفكير, أو ينادى بحقوق بدائية, أو لاقدر الله استرجاع الإنسانية, تراه السلطة كما كان يرى الإنسان البدائي الوحش الذي يحاول الانقضاض عليه وتدفعه غريزة بقائه إلى محاربته وإن استطاع لقتله.

أي قضية لا تخدم شهوة صاحب السلطة أو لا سمح الله تهددها فهي قضية مرفوضة بل وإن لزم الأمر فلنتخذ جانب الظالم وإن علمنا الحق, سنشاهد مجازر غزة وذبح أطفال فلسطين وقتل الأخيار ونهلل للقتلة والفجار, لأن مجرد التفكير في فك أسر أفواهنا المغلقة قد يقلل من رضا أولياء نعمتنا, بينما نحن قد نقتل أبناءنا قربانًا إن قضي الأمر لنيل رضا أسيادنا واحتماءً من سخطهم والعياذ بالله. وكما قتلت هيباتيا لكى لا تذكرهم بضلالهم تُسَب و تُلعَن المقاومة الفلسطينية لكى يتناسوا مع سبابهم ولعناتهم تخاذلهم فى نصرة الحق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يخاف الإنسان مما يجهل, يخاف مما يهدد بقائه, يخاف مما يهدد مصالحه أو حتى يقلل من نسبة مكاسبه في دنياه, ويخاف من نصرة الحق إن كان فيه أذى, فيحكى أن الحسين جاء له رجل شهد سيدنا على وهو يبلغهم بمقتل الحسين فى كربلاء فلما روى للحسين فسأله: معنا أنت أم علينا؟ فقال الرجل لا معكم ولا عليكم فقال له الحسين: “فول حتى لا ترى لنا مقتلًا، فوالذى نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار”.

ربما مازال هدفي من جميع ما سبق غامضًا, ربما هى ثرثرة محبطة بائسة مصدومة فيما ترى من تخاذل للعقول والأفكار، أو ربما هى ببساطة محاولة يائسة ترجوك وتدعوك أن تتشبث بإنسانيتك, قد يكون الخمول أصابك, قد ترى مشاهد أو صور القتل لعُزَل ولا تهتز لك شعرة, قد تسمع أرقام المجازر ولا تحرك ساكنًا, لا أطالبك بالجهر بمعارضتك للقاتل فلست متأكدة من جدوى ذلك الآن, ولكن توقف عن التهليل للقتلة أرجوك, لا تشارك في قتل هيباتيا …تذكر وأنت تحاول تجريم شعب مقاتل أن جزءًا من شعبك يستحل انتهاك عرضك أو سرقتك أو قتلك وفقط تنقصه الفرصة السانحة, فقط استنكر ما يفعلون ولو في نفسك وإن جعلك ذلك تحس بضعفك أوتقصيرك نحوهم فصدقني ذلك أكمل, فأنت حينها مازلت إنسانًا, أما إن بدأت تدريجيًا بالتوقف عن الاستنكار ثم اعتدت واستسلمت ثم اتخذت جانب الظالم فأنت تتخلى تدريجيًا عن إنسانيتك لتصبح حيوانا, ستتخلى عن عقلك والمنطق شيئًا فشيئًا, وحتى وإن وصلت لقاع الحياة البهيمية عجزت عن إرضاء شهواتك, وبالطبع لن تصل لسعادتك واكتمالك ما دمت حيًا.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

آية سعيد

طالبة بكلية الطب _ جامعة المنصورة

عضوة ومحاضرة في فريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة

مقالات ذات صلة