مقالاتقضايا شبابية - مقالات

“الجمال جمال الروح” ،ولكن أما من جمال خارجي؟

الجمال

يقول “ديموقريطس”بأن الجمال يخضع للأخلاق ويرتبط بالاعتدال، ووربطه”أرسطو” بالتآلف والنقاء والإشعاع والتوازن والنظام، و رأى “الفارابي”أنه تحقيق القيم الخيرة في الأشياء الجميلة من خلال بنائها وترتيبها، وننتهي “لابن سينا” الذي يقول أن جمال أي شئ هو أن يكون على ما يجب له، أي يؤدي وظيفته المطلوبة تماما. إذا-عزيزي القارئ- يتبين لنا مما سبق اقتباسه أن هناك خطب ما في مفهومنا نحن عن الجمال

تضطرم في نفسي نيران فكرة متقدة، لا أبرح أحاول إخمادها، حتى تجتمع كل الموجودات سوية عليّ في إثارة هذه النيران، وينتهي كل ذلك أن أجد نفسي في لقاء معك-عزيزي القارئ-مُحَاولةً توجيه شرارات هذه النيران نحو مواقع الباطل، أرصدها قدراستطاعتي،ونحو مواقع مظلمة جوهرية تفتقد النور، لعل لوعتها تتوقف عن حرقي من الداخل.

أستمع لعبارات تُقال، وأقرأ كلمات تُكتب، وألمح تعابير وجه تنظر، من المحيطين بي، من التلفاز، من وسائل التواصل الاجتماعي، وكل ذاك يثير حنقي، وقد تتعجب-عزيزي القارئ-أن محتوى هذا كله عن الجمال، أو ما يعتبره البعض كل الجمال: “فلانة لاتستحق كل هذا الإعجاب، ليس في تقاسيم وجهها ما يلفت!”.

أب ينهي حديثه لابنته:”يابنتي الشكل هو كل حاجة!”، إحداهن على الفيس بوك تشعر بالاكتئاب لإن جمالها لايضاهي الممثلة الفلانية مع أنها تصغرها بعقود! أحدهم يضع صورة المذيع الأجنبي الفلاني على حائطه الشخصي معلقا:”هو في كدا؟!”

سيول فيّاضة لكن من اللاشئ، من السطحية، تجرفنا بتياراتها بعيدا عن المعنى الحقيقي لماهية الجمال.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

جمال الخارج السطحي

تختلط أوراقنـا، ويصبح الجمال الخارجي كل شئ، ونندفع للهوس بالبعض لمجرد تقاسيمهم الخارجية بغض النظر عن أخلاقهم ومبادئهم التي يتبنونها، والمصيبة أن الإعجاب الظاهري ينتقل تدريجيا لتقليد السلوك، صوابا كان أم خطأً، ونهذي هذيان المحموم في محاولة الوصول لكل شئ يجعلنا أجمل، وفقا لهذه النظرية القاصرة والسطحية عن الجمال. إذا، سؤال يطرح نفسه بشدة هنا: ما هو الجمال ؟ ماهو المفهوم الحقيقي له الذي قَصُرنا عن إدراكه؟هل حقا نشخص الجمال في الموجودات حولنا بشكل صحيح؟

يقول “ديموقريطس”بأن الجمال يخضع للأخلاق ويرتبط بالاعتدال، ووربطه”أرسطو” بالتآلف والنقاء والإشعاع والتوازن والنظام، و رأى “الفارابي”أنه تحقيق القيم الخيرة في الأشياء الجميلة من خلال بنائها وترتيبها، وننتهي “لابن سينا” الذي يقول أن جمال أي شئ هو أن يكون على ما يجب له، أي يؤدي وظيفته المطلوبة تماما.

إذا-عزيزي القارئ- يتبين لنا مما سبق اقتباسه أن هناك خطب ما في مفهومنا نحن عن الجمال،لذا نخطئ تشخيصه كثيرا وبصورة تكاد تكون شبه يومية، نخطئ عندما نحكم بجمال المشهد الفلاني وهو لايُمِت للأخلاق بصلة، نخطئ عندما نحكم بجمال قطعة ما لمجرد أنها تتبع الحضارة المادية التي نركض خلفها دون تفكير.

المعيار

نخطئ في تشخيص رواية ما على أنها جميلة، غاضين الطرف عن كونها لاتلبي شروط النثر المفيد المهذب للعقل والروح، لمجرد أنها تتماشى مع هوىً نراه نحن جميلاً. إن عائقنا الأكبر هو إدراكنا الخاطئ للمفاهيم الفارقة والجوهرية في حياتنا-كما يتضح لك هنا قارئي العزيز-فمبجرد تصحيحنا لهذه المفاهيم، تسير سلوكياتنا تلقائيا بشكل سليم.

نعم كبشر، نلتفت بدافع فطري لكل ما يبدو جميلا، ذلك مركب فينا، لكن المؤرق أن يطغى ذلك على جوهر الجمال الأكمل والأسمى الذي جعله الله روحا للموجودات.

نسحق الأخلاق والمواهب والكفاءة في أحيان كثيرة إذ لم يرافقها جمال المُحيّا والوجه، مقدمين الأخير على ماسبقه، مثل من يبني ناطحة سحاب من ورق، لاريب أن تُسقط الريح هذا البناء في أي لحظة حتما، لإن من بنوه آثروا الشكل المعماري على حساب المتانة.

يقول إيمرسون:”نجوب العالم بحثا عن الجمال، ولاندري أننا يجب أن نحمله بداخلنا، وإلا لن نجده أبدا”.

الجمال الحقيقي

نعم أودع الله بداخل كل منا بذرة للجمال الحقيقي: نقاء السريرة وسمو الروح ومَلَكة العقل، لكننا عندما لانستطيع ري هذه البذور، ويعتريها العطب، نلجأ لما نعتقد أنه سيسد حاجتنا تلك، كمن يسقي البذور بالزيت ويتوقع إثمارها، فنزداد عطبا من الداخل، نزداد أفولا، يجلدنا الاكتئاب بسوطه، ونستمرفي إفساد البذرة ظنا أنها تحتاج المزيد من الملابس.

المزيد من قصات الشعر، المزيد من عُدة التجميل، ونقع أسرى للسخط أحيانا على الخلقة التي ارتضاها الله لنا، لكن..يظل منبـه الألم الداخلي يدق، نعمة مخفية في نقمة، كنداء أخير لإيقاظ كيان النفس والعقل، كجهاز إنذارمزعج، لكن الإنصات له حاجة مصيرية، يوجد خطبٌ ما، خلل ما في النظام، انتبه أيها الإنسان، أنت تموت داخليا، ولايحدث هذا حتى يتبعه الموت الفيزيائي، فأنت نظام متكامل يؤثر بعضه في بعض.

لنخرج الجمال الجوهري من مخدعه، حتى يفيض بأنواره على الظواهر، لنُجمل العين بالرحمة، واللسان بالصدق، واليد بالإحسان، والوجه بالبسمة، والقلب بالمجاهدة، والعقل بالتفكر و العلم، ولايضاهـي شئٌ جمال القلب والعقل إذا تجّمَلّا. وقبل ذلك كله لندرب أنفسنا عن البحث عن هذا الجمال الصادق في كل ما حواليْنا، نُبقي عينَي القلب والعقل متيقظتين لالتقاطه، ولإنهما بحقٍ من يستشعرانه وليست العين الفيزيائيـة، يقول “جبران خليل جبران”: (جمال الروح هو الشئ الوحيد الذي يستطيع الأعمى أن يـراه). دُمتَ جميلاً قارئي العزيز!

اقرأ أيضا:

أين أجد إجابات للأسئلة المصيرية ؟ وكيف يتم التوافق ؟

القوى الكامنة في الإنسان .. لماذا نحن مميزون بالعقل (1)

من العجب إلى الحب.. كيف نطهر قلوبنا من الغرور بالحب ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

نورهان خليل

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة