مقالات

هنعمل إيه يعنى؟!!

ذلك التساؤل الذى يشف عن حيرة اصحابه وعدم اقتناعهم الكامل بقدر ما هو نوع من الرضا بالمتاح أمام مشهد عبثى لرئيس غارق فى أوهام الشعبية الزائفة وحكومة متخبطة عاجزة ومعارضة فاشلة لا تقل تخبطاً تصارع الحكومة بلا هوادة على نيل رضا الغرب والعسكر بلا أدنى وازع من الضمير مع ازدياد فى نبرات المتاجرة بالدين والدماء وكل ما يصلح للمقايضة مقابل كرسى السلطة وما زاد الطين بلة هو ذلك التنافس المحموم بين طرفين مضرجة أياديهم بالدماء التى أهدروها أو بوضعهم أيديهم بيد من أهدرها على التحدث باسم ثورة أصبحت -للبعض- تاريخاً مريراً وكابوساً مفزعاً نعيش فى تبعاته حتى اليوم.

ففى الآونة الأخيرة ومع اشتعال الأوضاع تعالى ذلك الخطاب المغالط الذى قصر الخيارات على الصراخ بلا جدوى -دون ذكر الأثر العكسى- أو الصمت الخانع الخاضع المستسلم للأمر الواقع واقتصار المعركة على حركة عشوائية ضيقة الأفق أو الوصم بعار السلبية والجبن فى خلط واضح بين صاحب الخطوات الثابتة وإن كانت بطيئة -من وجهة نظر البعض- وبين الجالس على قارعة الطريق باكياً نادباً حظه وظروفه يائساً من أى غد ليطغى ذلك الخطاب على أى صوت للعقل فى محاولة واضحة لاستفزاز المشاعر والالتفاف على أى فكرة مطروحة لا تنتمى إلى معسكر الحركة بلا عنوان.

لتدوى فى أذنى خلال الفترة الماضية ومع كل مرة يُطرح فيها ذلك التساؤل الذى وضع الحركة فى مقابل الاستسلام فى ثنائية مقيتة تلك المقولة التى قالها أحد السلف الصالح “العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة المشي الا بعداً” والتى تلخص حالنا الآن بين رغبة عارمة فى نصرة الحق وبين نصرته فوراً وهو الخيار الذى لم يعد متاحاً مع غياب القيادة وذلك التخبط الذى شاب كل خطوات الثورة حتى بدأ تأثيره يمتد إلى أفكارها ومبادئها ذاتها مع ذلك التحالف الغير مبرر مع أذيال النظام السابق دون ذكر عدم وضوح الموقف تجاه العسكر مع ضبابية الرؤية الثورية وغياب لمفهوم العدو الحقيقى.

فمع التسرع -المفهوم جداً- من قبل شباب الثورة الذى يأمل فى رؤية ما ضحى لأجله رفاقه فى الميدان بأرواحهم وأعينهم انتقل الشباب لمرحلة (الاستسهال) بين خيار المعرفة التى ستتطلب منه ألم الصبر أو الحركة على غير هدى على أمل أن يصيب لتبدأ تلك التحركات فى أى وكل اتجاه عساه يبلغ هدفه دون أى محاولة أو رغبة لمراجعة نفسه سوى مراجعات باهتة ساذجة يلقى فيها بحمل اخطاؤه الثقيل عن كاهله متهماً الجماعة أو العسكر أو القوى العالمية أو الظروف الجوية أو حتى الشعب الذى ما استنجد به مرة إلا ووجده بالملايين فى الميادين مضرجاً فى دماءه كل إلا نفسه مترفعاً على أن يظن فى نفسه الجهل.

ليكون الحل السحرى هو ذاك الذى يعلمه الجميع ويراه عيباً فى غيره نقصاً في سواه أن نتوقف عن تلك التحركات العبثية وأن نعمل على أن ننقى الصف لا أن نوحده وإن بقى منا القليل فقد وعدنا ربنا وعداً حقاً بالنصر إن ما توجهنا له واستمسكنا بحبل عدله وكانت معركتنا لوجه الحق لا شىء غيره فى قوله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ” ولتكن أولى خطواتنا للنجاح هى أن نعمل على معرفة العدو الحقيقى لنعرف كيفية مجابهته فكما قال الإمام على بن أبى طالب -رضوان الله عليه-: “ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة” فبغير تلك المعرفة لا تزيدنا الحماسة والهمة والجدة فى السير إلا بعداً عن طريقنا لنلقى بأنفسنا فى أحضان اعدائنا ليتلاعبوا بنا فننتهى دائماً من حيث بدأنا بل واسوأ فنعود لنفس السؤال (وهنعمل إيه يعنى؟!!) دون أى محاولة جادة لعمل شىء سوى الدوران فى حلقة الظلم المفرغة .. أفيقوا يرحمكم الله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

محمد صابر

مهندس حر

باحث في علوم التربية وفلسفة التعليم بمركز “بالعقل نبدأ”

دراسات عليا في كلية التربية جامعة المنصورة

حاصل على دورة إعداد معلم (TOT) من BRITCH FOUNDATION TRAINING LICENSE المعتمد من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية