هم لا يكترثون حقًا
جلست أنا و صديق لي نتذكر ما مر من أيام.. جلسنا نتذكر أيام الثورة الأولى.. لحظات الفرح التي انتابت كل واحد منا يوم علمنا قرار التنحي .. الترحم على الأصدقاء و المعارف ممَّن كنا نعرفهم و ذهبت أرواحهم إلى باريها بعد أن قدموا حياتهم فداءً لهذا الوطن و من عليه.. الدعاء بالشفاء لكل من دفع ثمن التعبير عن رأيه دما.. تذكرنا كل المشاعر المتضاربة حول تلك الأيام.. الفرح بالنصر مختلطة بالحزن لما حدث للأصدقاء.. جلسنا نعيد استرجاع شريط الذكريات من بدايته نضحك قليلا و نصمت طويلا .. فمنذ بدأنا باسترجاع ذكريات الأمس و نحن نسرد أحداثا تصيب القلب بالعجز و الضعف و تصيب العقل بالارتباك و الحيرة .. تذكرنا ثلاث سنوات و زادت عليها بضعة شهور عشناها في الظلام.. لا نتذكر من اللحظات الجيدة إلا القليل.. شهداء و مصابون و أزمات تعقبها أزمات هذا هو كل ما نستطيع أن نتذكره في الأعوام الماضية لأجد صديقي قد بدت عليه علامات الهم على وجهه فقررت أن أحاول تغيير مسار الحديث فقلت له:هل لكل شيء حادث سبب؟!
قال نعم.. لكل شيء سبب.. ما جدوى سؤالك؟! قلت قد رأيتك متجهما فقلت لابد لذلك من سبب قوي .. صحيح؟!
قال أنت تعرف ما وصلنا إليه بعد اليوم و بعد كل التضحيات التي بذلت في سبيل الوطن يعود كل ما ثرنا ضده ذات يوم ليطفو على الساحة من جديد.. اعتقالات بالجملة و إعلام أمني يأمن ستارا يغطي به على مساوئ السلطة و سلطة تتخذ سياسات لا تضع العدالة نصب أعينها.. قتل هنا و تفجيرات هناك وشعب مقهور مازال يعاني بسبب الصراعات السياسية التي لا تنتهي و شباب قد فقد الأمل في ثورته و فقد الأمل في إقامة دولة عادلة يعيش فيها الإنسان حرا كريما.. و مع كل هذا لم يجد الشعب المقهور غير أباطرة الحكم القديم ليقدم لهم فروض الولاء و الطاعة بعد ما أن قدموا لهم أنفسهم على أنهمالمخلصين من أبناء الوطن و بعد أن شيطنوا كل محاولة جادة لمعارضتهم.. ماذا تبقى لأبناء الوطن المقهورين إلا أن يسيروا عن طواعية نحو جلادهم يأملون فقط في العيش آمنين سالمين و لتذهب أحلام الثورة و الثوار إلى الجحيم.
أحسنت الوصف يا صديقي هكذا كان ردي فعلا أنهم يسيرون عن طواعية و لكن كما قلنا من قبل لكل شيء سبب.. صحيح؟!.. و لابد من سبب لكل ما قلته.. و في رأيي لكي تتغلب على مشكلة يجب عليك أن تعرف أسبابها أولا بذلك تكون قد وصلت إلى نصف الحل.. و ما قلته و شرحته صحيح تماما.. وما نحن فيه ظلم للمجتمع ككل ولا أحد ينكر مدى المظلومية الواقعة على عدد كبير من أفراد هذا الشعب.. و لكن يا صديقي ما الشر إلا غياب الخير والخير للمجتمعات وليدة العدالة، والعدالة ابنة العلم، و العلم لا يختص به الله إلا للخواص من عباده الصالحين.. فماذا يحدث عندما يتسلم أمور المجتمع أناس بينهم و بين العلم والمعرفة مسافات ومسافات؟! .. ببساطة يحدث ما ذكرت وشرحت.. فالثورة التي تسلم أمرها من ثارت عليهم هي ثورة حكم عليها بالفشل وقد قضينا أعواما نعاني بجهلنا وربما سنعاني في الأيام القادمة أكثر لا أدري حقا كم يطول هذا الأمر.. أعلم فقط الآن أن ثورتنا كتب لها الهزيمة عندما ارتضينا جميعا أن نسلم أمرنا لأناس هم جزء لا يتجزأ من كل ما ثرنا عليه.. فأصبحنا رد فعل وفقط لكل أفعالهم الظالمة المستبدة فظلمنا و ظلمنا و مازلنا نسير في طريق الظلم حتى يتبين لنا معرفة العدالة ومعرفة الطريق الأصلح فكل ما مررنا به من تجارب لم يقربنا من العدل خطوة، واليوم يدعوننا للتوجه لصناديق الاتخابات للانتخاب.. فهل تظن أنهم يكترثون للعدل حقا؟!
هم لا يكترثون بالعدالة أو للحرية أو حتى للإرادة.. لا يكترثون لمحاربة الفقر ومواجهة الفساد ولا يكترثون لأحلام الشباب ولا يكترثون لكرامة هذا المواطن الفقير أو احتياجاته.. هم يكترثون فقط لتوطيد حكمهم ولتوسيع رقعة مؤيديهم لا يكترثون إلا لتغييب العقول وقتل الأفكار الناشئة في المهد.. لا يكترثون إلا لأنفسهم.. هم لا يكترثون حقا لا بك ولا بي ولا لشعوبهم
أما أنا يا صديقي فأنا أكترث لا بهم، ولكن أكترث للعدالة وأتوق إليها و للقيم النبيلة من الكرامة والحرية التي لا تقدر بثمن.. أنا لا أكترث بصراعاتهم التافهة ولا بعالمهم البراجماتي الساذج.. أكترث لقيمة العدالة الغائبة لا طمعا في شيء منهم أو رغبة في شيء من هذه الدنيا القصيرة.. بل لأن العدل قيمة ترتقي بها العقول والأرواح قبل الأجساد،فما جسدي هذا إلا جسم فاني سيدفن في التراب عما قريب و ستعود روحي إلى خالقها و لكم أحببت أن تكون روحي العائدة على قدر كافي من الرقي الكافي للقياه باطمئنان قدر المستطاع.. هم لا يكترثون حقا يا صديقي.. لكني أكترث لخالقى.. و هو وحده يكفينى.