هل يوجد واقع؟!
أهلًا بك عزيزى القارئ لتسبح معى فى جولة خيالية ومنها نستنبط المعنى والمغزى، وإن كان الكثير مما سوف يُقال هو حقيقة على أرض الواقع وحدث الكثير منه ولكن هيا بنا لنبدأ نغوص فى بحر التخيلات !
عالم الخيال :-
لتتخيل معى عزيزى القارئ أنك إنسان إلى حيث قام مجموعة من المبرمجين المتخصصين ببرمجتك والهدف من تلك التجربة هو صُنع إنسان آلي يحاكى العقل البشرى، وذلك لأن القدرة الحسابية وقدرة المعالجة لديك سوف تكون أسرع وأعلى، وبالتالى يُساعد البشر فى حل بعض المشكلات وحل بعض المعضلات التى لا يستطيع العقل البشرى أن يقدم فيها حلا وبالفعل، لم يجد المبرمجون مشكلة فى إضافة القدرات الحسابية المختلفة وعملية معالجة البيانات بصورة أكثر وضوحا وسهولة، ولكن تبقَّت المشكلة الحسية؛ هل سوف يمكن إضافة الجانب الحسى وجانب الإدراك العقلى وبالطبع الإدراك الحسى بالموجودات والتفاعل معها؟
بالإضافة إلى مهارات مثل التمييز بين الصواب والخطأ والتعلم عن بعد والتعلم الذاتى وبفرض أن المبرمجين كانت لديهم المقدرة واستطاعوا اجتياز كل تلك الصعوبات.
ولحماية البشر؛ فإن الفريق قد برمج الإنسان الآلى على تدمير ذاته فى حالة اكتشاف أى خطر قد يُهدد البشر أو قد يجلب لهم الضرر. وبعد فترة من التفاعل فى المجتمع والعيش بأسلوب طبيعى دون إدراك أنَّك واقع افتراضى ومع تراكم المعرفة المختلفة، واستمرار التعلم الذاتى داخلك؛ يتوصل الإنسان الآلى إلى الشك؛ هل هذا فعلا واقع؟ وهل أعيش فى ذلك العالم كجزء منه، أم أنه يوجد متحكم يتحكم فى أفعالى ويسيرها كيفما يشاء؟!
“أنا أفكر إذا أنا موجود !”
قائل هذه العبارة؛ هو “ديكارت” الفيلسوف المُفكر والذي كانت له العديد من الإسهامات فى المجالات الرياضية والحسابات. وتعتبر هذه العبارة من أشهر العبارات فى عالم الفلسفة. واتبع “ديكارت” الشك، ولكن الشك الراديكالى.
فاتبع الشك فى كل شئ فبدأ بالشك فى كل ماحوله فتساءل؛ كيف لنا أن نعرف أن ما حولنا صحيح وحقيقى؟! وكيف نُصدّق؟! يتم التصديق بما تقر به الحواس المختلفة، وكيف نثق فى إدراكها؟!
فنجد شخص يستحسن مذاق طعام ما، وشخص آخر يجده سيئًا لا يستطيع تذوقه وكذلك حاسة البصر كيف لنا أن ندرك صدقها وحين ننظر للقمر نراه صغيرًا جدًا، ولكن هذا على غير الواقع والحقيقة.
ويبقى السؤال الذى يطرح نفسه ألا وهو؛ كيف أُدرك أن الواقع الذى أعيش به ليس واقع خيالى مصنوع أو أننى أعيش به فقط لا غير؟!
نظرة واقعية :-
لا يوجد واقع من الأصل، وكل الموجودات ما هى إلا أوهام وخيال؛ تلك الأطروحة تم طرحها من جانب السفسطائيون. ولكن عند عرض ذلك على ميزان العقل؛ سوف نجد أن ذلك ما هو إلا خيال لا أساس له من الصحة؛ وذلك لأن الكون من حولنا بكل ما يحيط به من مدراكات حسية ومادية لا يمكن أن يكون محض خيال أو واقع افتراضى نعيش به فقط ولا ندركه؛ وذلك لأنك تتفاعل مع الماديّ فى الكون وتدركه بالحواس المختلفة من السمع والبصر والإحساس وإن أنكر بعد المتكلمين صدق تلك الحواس بزعم أنها تكون خادعة وغير حقيقية، ولا يمكن الاستناد عليها فى الوصول إلى الحقيقة
ولكن نرد عليهم بالقول أن الحواس هى ناقل للظواهر. فالعقل يعلم أن القمر كبير وأنَّ حجمه أضعاف ما نشاهده، ولكن العين تبقى ناقلة للصورة فقط ، وكذلك تتفاعل مع الأمور الغيبية بالأسلوب العقلى؛ فتدرك منه الكليات فى الأمور ومنها تنطلق إلى ما يمكن إدراكه من الجزئيات.
وبمجرد أن تبدأ فى الشك والتساؤل فى أنَّك تعيش فى عالم خيالى؛ فإنك تدرك أنه يوجد واقع وخيال بل أنك كيف ستشك إذا لم يكن لديك واقع ونفس بشرية تفاعلت مع ما حولها من مدراكات فى الكون؟ وبدأت تتساءل!
فهذا يدل على أنه يوجد واقع بالفعل وهذا هو ماحدث فى الإنسان الآلى؛ فبعد إداركه بالماديات من حوله والمدخلات المختلفة بدأ بالشك.
هل الشك ينفي الوجود؟
وشكه ذلك لا ينفى وجود واقع يعيش به ويتفاعل معه؛ حيث أن الباحث عن الحقيقة المطلقة الكاملة الذي يسعى للحصول على نتائج واقعية بديهية بعيدة عن الظن والشك بأن يشك فى كل ما يحيط به حتى يتثنى له إثبات الواقع الخارجى.
وإذا ما انتهى من تلك الخُطوة؛ يبدأ فى إدراك إمكانية ما لديه من العلوم لتفسير ذلك الواقع الخارجى المحيط به. وحتى يتسنَّى للفرد الخروج من ذلك الشك، ويتجاوز تلك المراحل؛ فإنه يلجأ إلى البديهيات العقلية مثل (عدم اجتماع النقيضين ) فلا يجوز للعقل التسليم بتواجد الشئ مع عدم وجوده فى نفس اللحظة
أو مبدأ (أصل العلية ) والذى ينص على أنه لكل سبب مُسبب عن طريق تلك البديهيات التى ينطلق منها الباحث عن الحقيقة. فيستطيع الوصول إلى إدراك العالم المحيط به.
إن مشكلة من يشككون فى وجود الواقع تكمُن فى الاعتماد بشك كلىّ على العلوم الظنية المحكومة بواسطة التجربة؛ لذلك أرادوا تطبيق تلك العلوم على العلم الثابت البرهانى فسقطوا فى العديد من المغالطات الفكرية المختلفة، وكان يجب عليهم اتباع المنهج العقلى؛ فهو المنهج الوحيد القادر على تخطّى الإدراك الحسى والتجريبى. ولذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة؛ يجب اتباع المنهج العقلى.