هل روجت السينما للدجل والشعوذة؟
شخصية العرّافة والدجّال من الشخصيات التي لها تواجد كبير في الموروث الشعبي، وهي شخصية ثرية فنيا وهو ما دفع صُناع السينما لتناولها في أكثر من عمل، سواء بشكل هامشي داخل عمل فني أو بشكل رئيسي عندما ظهرت كشخصية محورية، هذا التناول ساعد في الترويج لها وإظهارها بشكل مغاير للواقع أم لا؟
أمثلة كثيرة من السينما المصرية
في كلاسيكيات السينما المصرية ظهرت العرّافة بصورة قوية، لديها علم المستقبل والماضي وتستطيع التنبؤ بالأحداث بكل ثقة ودقة، كما في فيلم “أيامنا الحلوة” عندما تنبأت بفشل قصة الحب بين هُدى وأحمد ثم وفاتها وهي صغيرة بسبب المرض، وفي فيلم “أنت حبيبي” أوضحت للبطل أن هناك من تحبه من أجل المال ولا بد أن يبتعد عنها وهو ما حدث بالفعل، وأيضا في فيلم “دعاء الكروان” العرّافة كانت تعلم كل ما حدث لـ هنادي وتنبأت أيضا بقتلها،
وفي فيلم “أيام السادات” تنبأت بوصول جيهان لقصر الحكم، وفي فيلم “الكف” تنبأ العرّاف بموت أبناء البطل في ليلة فرحهم وهو ما تكرر مع كل أبنائه، مما جعله يرفض زواج ابنه الأصغرخوفا من نفس المصير، وبالفعل يتعرض لحادث لكن ينجو منه، وفي فيلم “صوت من الماضي” تنبأت المرأة بأنه سوف يصبح طبيبا وأن أخته سوف تتزوج من ضابط جيش ثم تموت في حادث،
وهو ما سوف يحدث، كما تتنبأ بأنه سوف يموت في سن الـ 25 ويحدث انفجار في المعمل لكن ينجو منه، وفيلم “ريال فضة” والذي تنبأ فيه العجوز للبطل بكل ما تعرض له بعد ذلك، والأمثلة كثيرة في تاريخ السينما، هذا الطرح والتناول منحها القوة والحضور في أذهان الجمهور وكان سببا في ظهورها بشكل متكرر في الدراما بشقيها.
مبررات لظهور العراف في الأعمال الفنية
ظهور العراف الذي يقرأ الأحداث بشكل دقيق له أكثر من مبرر، الأول: مزيد من الإثارة والتشويق وجذب انتباه الجمهور، وبالطبع مع تحقيقها للنجاح في أي عمل يُصبح ظهورها مرة أخرى أمر بديهي، والثاني التراث الشعبي الذي يحمل الكثير لهذه الشخصية وتفاصيلها، مثل البنورة المسحورة، وعلام قارئ المستقبل في الرمل، وأيضا قارئة الودع،
وغيرها من تنويعات هذا النموذج الذي تواجد في التراث الشعبي منذ سنوات طويلة ونقلته الأجيال، المبرر الثالث وهو الأهم وجود العراف في أدب شكسبير وهو المصدر الأول والرئيسي للدراما في العالم، حيث ظهر العراف في كثير من مسرحيات وروايات شكسبير، ومنه أُخدت كل التيمات والمواقف الدرامية، في زمن شكسبير كان وجود العراف وقارئ المستقبل أمر مقبول ومتعارف عليه،
أما الآن لم يعد مقبولا أن يتم تقديم الدراما في هذا الوقت بنفس المنطق والشكل، خاصة وأن تقديمها لم يكن له مبرر كافِ، ولم يراعِ صُناع بعض الأعمال البُعد الاجتماعي والأخلاقي لظهور هذه الشخصية بشكل قوي وإيجابي ومدى تأثيره على ضِعاف النفوس، واستغلال غموض الشخصية في تحويلها لمهنة والإيقاع بالضحايا والنصب عليهم،
وهو ما حدث بالفعل حيث تزايد ظهورها وتصدرت المشهد ثم تحولت لمهنة خاصة مع زيادة معدلات الجهل والإحباط وبحث الناس عن أمل وضمان للمستقبل، ومن ثم كان اللجوء لهذا الأمل الخادع، وتم تقديم هذا النموذج بشكل أكبر وكدليل على فساد المجتمع وابتعاده عن العلم والدين ولجوئه للخرافات مثلما حدث في أفلام البيضة والحجر والأونطجية ودقة زار وغيرها من الأعمال التي تناولت كذب وادعاء هذا العراف.
السينما المصرية هي من روجت لهذه الشخصية في البداية، وهي أيضا من حاولت محاربتها بعد أن تصدرت المشهد وتربحت من جهل وخوف البعض.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.