مقالات

هل تمدد الكون ناتج عن اندماجه مع أكوان أخرى صغرى؟

نظرية جديدة تكتب نهاية لغز الطاقة المظلمة

لو سألت أي عالم فيزياء في العالم دلوقتي الكون اللي إحنا عايشين فيه دا ثابت ولا متغير؟ هيرد عليك ويقولك إنه متغير، وإنه حجمه بيكبر وبيتمدد بسرعة أكبر من سرعة الضوء نفسه، بس لو جربت تسأله ليه دا بيحصل؟ فالإجابة غالبًا مش هتعجبك ولا هتشفي فضولك، لإنك باختصار هتلاقيه بيتكلم عن حاجة مجهولة وغامضة، مفيش حد لحد النهاردا قدر يحلها أو يفهمها فهم كامل.

الحاجة دي هي الطاقة المظلمة، نوع غريب ومجهول من الطاقة الشفافة غير المرئية، اللي المفروض وفق فرضيات علماء الفلك إنها مالية كل منطقة في الكون كله، وهي اللي بتتسبب في توسعه الرهيب دا، لكن المشكلة اللي بتواجه الفرضية دي من ساعة ما بدأت في القرن اللي فات، وما زالت لحد النهاردا محدش لاقيلها تفسير ولا حل، إن الطاقة دي زي ما باين من اسمها، مظلمة ومجهولة تمامًا، ومحدش عارف يرصدها بأي شكل.

لحد يومنا هذا، كان العلماء فاكرين إنهم مش قادرين يرصدوها بسبب إنها بتتكون من نوع جديد من المادة لسه إحنا منعرفوش رغم التطور العلمي والتقني اللي وصلنا له كله، بس المفاجأة إن من كام يوم كدا، ظهر فريق علمي واتكلم عن نظرية جديدة ومذهلة، ممكن تنسف فرضيات الطاقة المظلمة دي كلها تمامًا.

قالوا إن الكون مش بيتمدد عشان جواه طاقة مجهولة بتدفعه للتوسع ولا حاجة، بل السبب أغرب من كدا بكتير، التمدد دا في الواقع بيحصل بسبب إن الكون اللي إحنا عايشين فيه بيتصادم ويندمج مع أكوان تانية صغيرة موجودة خارج حدود الواقع اللي إحنا نقدر نستوعبه، والاندماج دا بيسبب اللي إحنا بنحس بيه على إنه تمدد متسارع للفضاء!

طب يا ترى إزاي دا بيحصل بالظبط؟ وإزاي الفرضية دي ممكن تغير من كل حاجة نعرفها وكنا مفترضينها عن شكل الكون الحقيقي؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هو دا موضوعنا النهاردا، فحضر كوباية الشاي بالنعناع، وتعالى معايا أحكيلك القصة من البداية.

العالم الفلكي إدوين هابل

شوف يا سيدي، عشان تفهم الموضوع كويس، لازم نرجع مع بعض للبداية الأول، وأشرحلك إيه فكرة الطاقة المظلمة دي أصلًا، وليه العلماء اضطروا يفترضوها عشان يفسروا حاجات ما زالت لحد يومنا هذا مجهولة.

البداية كانت سنة 1929، لما كان العالم الفلكي العظيم إدوين هابل (Edwin Hubble) اللي اتسمى على اسمه تليسكوب هابل الفضائي، قاعد بيراقب الفضاء البعيد بالتليسكوب بتاعه، وبيسجل ملاحظاته، عشان يقدر يوصل لحاجة كانت محيراه، هل الكون بتاعنا دا ثابت في مكانه، ولا بيتمدد ولا بينكمش؟

لو سألتني إيه أهمية السؤال دا؟ وليه كان عايز يعرف أصلًا؟ فالإجابة يا صديقي إن السؤال دا يمكن كان أهم سؤال في علم الفلك كله وقتها، لأن إجابته كانت قادرة إنها تحدد نوع وشكل الكون اللي إحنا موجودين جواه، وإزاي بيشتغل واتوجد وبدأ أصلًا منين.

لو اكتشف إن الكون ثابت في مكانه، إذًا هيكون معنى كدا إنه مالوش نقطة بداية محددة، وإنه موجود من دون بداية، وبناء عليه مالوش نهاية، ودي مشكلة كبيرة طبعًا، ولو اكتشف إنه بينكمش، فدا هيكون متوافق مع النظرة العامة اللي كانت عند العلماء وقتها، اللي بتقول إن الكون بدأ من نقطة انفجار ضخمة، وتمدد لحد ما وصل لمرحلة معينة، وبعدين القدر الضخم جدًا من المادة اللي جواه بدأ يقلل من سرعة تمدده بسبب تأثير الجاذبية الضخم، لحد ما هييجي يوم ويتوقف عن التمدد تمامًا، ويرجع ينكمش تاني على نفسه لحد ما ينتهي تمامًا بانفجار جديد زي ما بدأ.

اقرأ أيضاً: نظرية جديدة تقترح أن الثقوب السوداء مصدر الطاقة المظلمة!

تلسكوب هابل الفضائي

تمدد الكون

الفكرة الأنيقة الشيك دي كانت هي اللي في دماغ هابل وقتها وهو بيوجه التليسكوب بتاعه ناحية النجوم البعيدة، عشان يحاول يستنتج هي بتتباعد عننا ولا لأ، وعشان يقدر يقيس دا، صمم طريقة مبتكرة، الطريقة دي إنه يرصد مدى لمعان الضوء الجاي من المجرات والنجوم اللي جواها، ويشوف مدى انزياح الضوء دا للون الأحمر أو الأزرق على مقياس الألوان.

طبعًا هتسألني إيه علاقة دا بالموضوع؟ وهقولك إن زي ما إنت عارف، فالضوء المرئي بيتكون من 7 ألوان هما بالترتيب: أحمر – برتقالي – أصفر – أخضر – أزرق – نيلي – بنفسجي.

الأشياء البعيدة لما بتكون في الواقع بتتباعد عننا، فالضوء اللي واصلنا منها بيكون مائل للاحمرار، والسبب في دا إن الطول الموجي لموجات الضوء اللي جاية لنا منها بيكون زايد ومتمدد تمدد كبير، لإنه بيضطر يقطع مسافة أكبر وأطول بكتير عشان يوصلنا، وبسبب تمدد الموجات الضوئية دا، فتردد النور نفسه بيبدأ يقل جدًا وينزل على مقياس الألوان لحد ما يوصل للون الأحمر، وبعدين ينزل حتى تحت الأحمر، ويدخل في مجال الأشعة تحت الحمراء (Infrared).

عشان كدا بتلاقي التليسكوبات الحديثة اللي بترصد الأماكن البعيدة جدًا في الفضاء، كلها بتشتغل عن طريق رصد الأشعة تحت الحمراء، زي تليسكوب “هابل” و”جيمس ويب” وغيرهم كتير.

على العكس من دا، لو الضوء اللي جاي من النجوم البعيدة دي كان مايل للأزرق، فدا معناه إنها بتقرب مننا في الواقع، عشان الطول الموجي للضوء اللي جاي منها أقصر بكتير، وتردده أعلى ومتوجه ناحية اللون الأزرق وفوق البنفسجي (Ultraviolet)، وهكذا.

النتيجة اللي اكتشفها “هابل” لما حسب مدى الانزياح الضوئي لنور المجرات البعيدة جدًا عننا دا، إنه لقاها كلها منزاحة للأحمر أو حاصل لها (Redshift)!

تسارع توسع الكون

طبعًا الموضوع دا وقتها مكانش جديد، لإن الفكرة اللي كان علماء الفلك مؤمنين بيها ساعتها، إن تمدد الكون هيفضل يزيد لحد ما يتوقف عن التمدد وبعدين يبدأ في الانكماش مع الوقت، والشيء اللي أثبته اكتشاف هابل إن كوننا لسه عمره صغير جدًا، لدرجة إنه لسه في مرحلة التمدد.

لكن المفاجأة بقى حصلت بعدها بعقود طويلة، وتحديدًا سنة 1998 لما بعض علماء الفلك جربوا يرصدوا لمعان بعض انفجارات النجوم البعيدة أو اللي بيسموها السوبرنوفا (Supernova)، وتحديدًا نوع معين منها اسمه (Supernova Type 1A).

النوع دا في الواقع بيكون لمعانه دايمًا ثابت ومستمر، ودقيق جدًا لدرجة إنه ينفع يستعمل وسيلة للقياس، ومن مقارنته بنتائج قياس الانزياح للأحمر أو الـ(Redshift) للمجرات البعيدة اللي عمله “هابل” قبل كدا زمان، اكتشفوا مفاجأة، التمدد مكانش بيتباطأ ولا سرعته بتقل ولا حاجة، بل العكس تمامًا، كان بيزيد!

يعني الكون في الواقع سرعة تمدده مش بتقل، بل بتزيد باستمرار، لدرجة إنه في بعض الأماكن البعيدة جدًا منه، معدل التمدد دا وصل بالفعل لتجاوز سرعة الضوء نفسها!

طبعًا الاكتشاف دا كان شيء مستحيل علميًا، وصعب على أي حد يصدقه وقتها، خصوصًا إن قوانين الفيزياء نفسها بتأكد إن مفيش أي شيء ينفع يتخطى سرعة الضوء، بس الدراسات والقياسات والحسابات كلها كانت بتأكد إن نتائج الرصد صح، الكون فعلًا بيتمدد بسرعة متزايدة، وعلى الأطراف المرئية لينا منه، سرعته بتتخطى سرعة الضوء نفسها!

طب إزاي بقى ممكن حاجة زي دي تحصل؟

اقرأ أيضاً: الكون الغامض واحتمالات المستقبل

لغز الطاقة المظلمة

تمدد الكون

محدش كان عارف ولا فاهم إزاي، ومن هنا بدأ لغز الطاقة المظلمة أو الـ(Dark Energy)، نوع جديد وغامض من الطاقة غير المرئية اللي افترض العلماء وجودها، وإنها ليها تأثير معاكس للجاذبية أو (Anti-Gravity Effect) زي ما بيقولوا، وعشان كدا بتدفع الكون للتمدد على نحو متسارع، على العكس من اللي المفروض يحصل وفق قوانين الفيزياء المعروفة لينا كلها.

لسنين طويلة جدًا، خرجت تفسيرات ونظريات كتير بتحاول تفسر هي إيه الطاقة المظلمة دي وبتشتغل إزاي، ومشاريع كبيرة وأبحاث ضخمة مصروف عليها ملايين بتتعمل عشان نقدر نوصل لإننا نرصد أي أثر ليها، بس من دون أي نجاح، الموضوع دايمًا كان بيبقى كأنها مش موجودة أصلًا، أو محض وهم، شبح غير مرئي وغير حقيقي، بيتفاعل مع عالمنا من نوع مختلف من الوجود، وبيدفعه للتصرف بأسلوب مغاير لقوانين الفيزياء المعروفة لينا كلها، ومالوش أدنى أثر مادي أو فيزيائي ينفع نستدل على وجوده منه.

بس أخيرًا بقى، الوضع دا اتغير، عشان في نظرية جديدة ظهرت قالت حاجة مذهلة، ممكن تحل لغز الطاقة المظلمة دا تمامًا، وتحل المشكلات كلها اللي كانت بتواجه النموذج الفيزيائي اللي إحنا معتمدين عليه حاليًا، واللي مش قادر يفسر وجودها أو يرصدها.

هل يمكن أن يندمج كوننا مع أكوان آخرى ناشئة؟

شوف يا عم، يوم 12 ديسمبر من سنة 2023، في دراسة علمية جديدة اتنشرت في دورية (Journal of Cosmology and Astroparticle Physics) العلمية، الدراسة دي اشتغل عليها فريق من العلماء من كذا تخصص وكذا جنسية، واللي قالته كان غريب ومبهر.

اللي قاله العلماء دول يا سيدي إننا مش قادرين نرصد المادة المظلمة دي، عشان هي أصلًا مش موجودة! وإن التأثير الغريب اللي إحنا شايفينه في الكون دا، واللي بيدفعه للتمدد على نحو متسارع، مش ناتج عن طاقة مظلمة ومجهولة، بل في الواقع ناتج عن تصادمات مستمرة بتحصل ما بين الكون بتاعنا، وأكوان تانية صغيرة جدًا موجودة خارج حدوده المرئية بالنسبة لنا، بيسموها الأكوان الرضيعة (Baby Universes)!

الأكوان الصغيرة جدًا دي يا صديقي وفق النظرية، المفروض إنها بتتكون بأعداد كبيرة جدًا كأنها نوع غريب من الفقاعات الكونية دي، وكل لما واحد فيها بيتكون وبيكون حجمه أصغر من الكون اللي إحنا عايشين فيه، فهو بيتصادم معاه والاتنين بيندمجوا مع بعض، وطبعًا عشان حجم كوننا أكبر، فالمساحة الموجودة جوه الكون الصغير دا، بتتضاف للكون اللي إحنا عايشين جواه، ودا بدوره بيزود حجم ومساحة الفراغ الموجود في كوننا نفسه، وهو اللي بيتسبب في التمدد المتسارع اللي إحنا بنشوفه دا!

اقرأ أيضاً: النظرية الأخيرة لستيفن هوكينج

نظرية التضخم الكوني

المبهر بقى، إن وفق معطيات النظرية، فالتفسير دا مش بيكسر أي قواعد فيزيائية خالص، حتى القاعدة اللي بتقول إن مفيش شيء يقدر يسافر بسرعة أكبر من الضوء متكسرتش، لإن مفيش حاجة هنا بتسافر أسرع من الضوء، بل اللي بيحصل إن المساحة نفسها بتزيد لدرجة إنها بتدفع الأجسام اللي جواها للتباعد عن بعضها بسرعة أكبر من الضوء!

الفكرة بقى إن النظرية دي كمان قدرت تحل مشكلات كتير كانت بتواجه النموذج الفلكي اللي كان عندنا عن نشأة الكون نفسه، وتلغي الحاجة لأفكار وافتراضات كتير محيرة وصعبة علينا، ولحد النهاردا مقدرناش نفهمها ولا نحلها، ومن ضمن الحاجات دي مثلًا فكرة التوسع الكوني الضخم اللي حصل في بداية الكون مباشرة بعد الانفجار الكبير، اللي بيسموه التضخم أو الـ(Inflation).

وفق نظرية الانفجار الكبير، فالكون في أثناء بداية تكونه، وفي جزء صغير جدًا من الثانية بعد الانفجار الكبير، المفروض إنه تمدد من حجم أصغر من الذرات، لحجم أكبر من المجرة بتاعتنا كلها، ودا كله في جزء صغير جدًا من الثانية غير قابل للقياس أصلًا، ولحد النهاردا مفيش عالم واحد قادر يفسر ليه دا حصل بالشكل دا، وإيه سبب حدوثه، وليه بيناقض قوانين الفيزياء نفسها اللي بتحرم على أي تمدد إنه يحصل بسرعة رهيبة زي دي، أكبر من سرعة الضوء بمليارات المرات!

بداية جديدة لفكرة وتصور جديد عن الكون

تمدد الكون

النظرية الجديدة بقى لغت الحاجة تمامًا للتفسير دا، وقالت إن مفيش (Inflation) حصل ولا حاجة، بل الموضوع كله مش أكتر من إن الكون بتاعنا في وقتها كان عبارة عن (Baby Universe)، وإنه تصادم واندمج مع كون تاني ضخم جدًا، والتصادم دا أدى لاندماج كوننا جوه الفقاعة الكونية التانية الضخمة دي، وهو دا سبب تمدد المساحة الرهيب اللي حصل دا، في أجزاء صغيرة من الثانية.

بالظبط كأنك بتراقب فقاعتين صابون بيقربوا من بعض لحد ما بيخبطوا في بعض وفجأة بيتحولوا لفقاعة واحدة كبيرة حجمها يساوي حجم الاتنين مع بعض!

طبعًا مش عايز أقولك إن النظرية دي قالبة الأوساط العلمية حاليًا، وفي خبراء وباحثين كتير بيدرسوها دلوقتي وبيراجعوا المعادلات والفرضيات اللي بتطرحها، عشان يحاولوا يوصلوا لتصميم تجربة تقدر تخلينا نتأكد من صحتها بأي طريقة عملية ومباشرة.

لو دا حصل، فهو معناه هيكون رسميًا نهاية واحد من أكبر الألغاز العلمية اللي واجهت البشر في تاريخ البحث العلمي، وبداية جديدة لفكرة وتصور جديد عن الكون، مبهر فوق حدود الاستيعاب كلها.

ولحد ساعتها، هفضل متابع معاك ومستني.

مصادر:

https://www.popularmechanics.com/space/deep-space/a46872441/baby-universe/

https://www.livescience.com/space/cosmology/our-universe-is-merging-with-baby-universes-causing-it-to-expand-new-theoretical-study-suggests

https://iopscience.iop.org/article/10.1088/1475-7516/2023/12/011

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست