هل الأرض كروية أم مسطحة ؟ – كيف نبحث عن الحقيقة ونتأكد من صحة الأمر ؟
كروية أم مسطحة
برز مؤخرا عدد من التجمعات العالمية التي تدّعي أن الأرض مسطحة ، وتخالف ما كان مشهورا لفترة طويلة من كونها كروية ، وقدمت هذه التجمعات آراءً مختلفة تحاول تفسير السفر عبر العالم وحركة الليل والنهار وغيرها من الظواهر باستخدام أطروحتهم الجديدة، التي هي في الحقيقة قديمة جدًا لكنهم يعيدون إحياءها، ورسموا خريطة للعالم مختلفة عن الخريطة الكروية المعروفة، تظهر فيها الأرض كقرص دائري؛ قلبه اليابسة التي تحيط بها المحيطات، ويحدهما الجليد.
كما قدموا نقدا لنظرية كروية الأرض مثل أننا إن استخدمنا منظارا مقربا فإننا نرى الأرض منبسطة أمامنا لمساحات شاسعة، برغم امتلاكنا حاليا تقنيات هائلة في المناظير والتصوير، بينما طبقا لنموذج كروية الأرض يجب أن تبدأ الأرض في الانحناء بعد مسافة معينة محسوبة، وغير ذلك من النقد.
على الجهة الأخرى يوجد قطاع كبير من سكان العالم حاليا يرون أن الأرض كروية ، ويستشهدون بصور وفيديوهات الأقمار الصناعية ومحطة الفضاء الدولية، وببعض الظواهر الطبيعية مثل أن شكل السماء والقمر يظهر مقلوبا في نصف الكرة الجنوبي عن الشمالي، ومثل قياسات ظلال الأجسام وميلها وتغير الفصول.
وكل فريق لديه ردود على الفريق الآخر، فأتباع الأرض المسطحة يقولون إن الصور والفيديوهات مزورة، فمصدرها عدد محدود من الدول العظمى التي من مصلحتها أن توهم العالم امتلاكها تكنولوجيا معينة، كما تحتوي بعض الأمور غير المنطقية. وأن اختلاف طول وميل الظلال يرجع لأن الشمس صغيرة وقريبة على عكس الشائع عند الفريق الآخر وبالتالي فشعاعها لا يسقط على الأرض بشكل متوازي، كما أنها تكون أقرب لبعض الأماكن من بعض، وغيرها من الردود.
وأصحاب نظرية كروية الأرض يرون أن الفريق الآخر غارق في نظريات المؤامرة، وأنهم يختارون تفسيرات عجيبة للأمور بعيدة عن النظريات العلمية الشائعة والمقبولة حاليا.
فهل الأرض كروية أم مسطحة ؟
ما هو مصدر معلوماتك ؟
قبل أن تسارع للإجابة عن هذا السؤال دعني أسألك السؤال الأهم؛ كيف عرفت ذلك؟
هل هو أمر تربيت عليه؟ هل أخبرك شخص تثق به؟ هل قرأتها على الإنترنت؟ هل هو أمر مشهور؟
حسنًا، من قال إن طريقة معرفة الحقيقة هي اتباع المشهور أو ما تربينا عليه أو الاستماع لشخص نثق به أو خبر من أي مصدر؟
بالعكس، كثير من الاعتقادات المشهورة عند العامة يعرف المختصون خطأها، أيضَا كان مشهورا في الماضي أن الأرض مسطحة ثم أصبح مشهورًا أنها كروية، فالشهرة ليست دليلا على صحة معلومة ما.
وليس كل ما تربينا عليه صحيحا، فهناك من تربى على البوذية وهناك من تربى على الإسلام وهناك من تربى على اليهودية، فأيهم على حق؟ من الواضح أن اتباع آباءنا وأجدادنا دون تفكير ليس طريقًا علميًا ومضمونًا للوصول للحقيقة.
وهل كل خبر نسمعه أو يخبرنا به شخص نثق به صحيح؟ بالتأكيد كثير من الأخبار التي نسمعها ليست كذلك، ومن نثق به قد يخطئ أحيانا، وقد يتلاعب بنا أحيانا أخرى إن لم يكن أهلا للثقة.
فهل الأرض إذن كروية أم مسطحة ؟
طريقة البحث المنطقي
الأهم من إجابة هذا السؤال هو طريقة بحثنا عن هذه الإجابة، وطريقة بحثنا عن الحقيقة بشكل عام، وطريقة تعاملنا مع المعلومات والمعارف التي تصلنا، فلا يكفي سماع معلومة ما حتى نصدق بها ونعتبرها حقيقة مسلّمة.
يجب أن نلجأ لطريقة البحث المنطقي التي تعتمد على البديهيات العقلية، وهي معلومات صحيحة وواضحة ومشتركة بين الناس، مثل أن لكل حادثة سبب، والكل أكبر من الجزء، واستحالة أن يكون الشيء موجودا وغير موجود معا، واستحالة كون معلومة صحيحة وخاطئة معا، وأن النتيجة التي تحدث في كل الظروف لها سبب ثابت ملائم لها متواجد في كل مرة، ومثل ذلك من المعلومات الصحيحة والبديهية.
وبناء على هذه المعلومات نبحث عن الحقيقة، فنستخدمها لإثبات صحة ما نراه بالحواس ونتجنب خداعها، ونستخدمها لتمحيص الأخبار فنفرق بين الخبر المتواتر الصحيح وبين الأخبار الظنية، ونستخدمها لإجراء التجارب العلمية، ونستخدمها لبناء البراهين العقلية اليقينية البسيطة والمركبة مثل براهين علم الرياضيات، وبراهين وجود الخالق وكماله المطلق ووحدانيته، وغيرها من البراهين في كثير من العلوم.
بمثل هذه الطريقة وبمعرفة قواعد علم “المنطق” يمكننا أن نبحث عن الحقائق بشكل سليم، وأن نصحح طريقة تفكيرنا وبحثنا، وطريقة تكوين اعتقاداتنا. ويترتب على ذلك تكوين أفكار جديدة وسليمة عن أنفسنا وعن العالم وعما ينبغي أن نفعله في حياتنا.
وطريقة تفكيرنا وبحثنا ذات تأثير عظيم في حياتنا، فهي التي تؤدي للإيمان أو الكفر، للسعادة أو الشقاء، للنجاح أو الفشل.
إذن هل الأرض كروية أم مسطحة ؟
قلنا إن الأهم هو طريقة البحث، وتغيير طريقة تفكيرنا، وأن هذا أهم من كون الأرض كروية أم مسطحة.
لكن إن أردت أن تبحث في هذا الموضوع باستخدام الطريقة المنطقية سابقة الذكر فأمامك عدة طرق؛ أولا يمكنك استخدام الحس المباشر لرؤية الأرض من بعيد، لكن هذا يحتاج لسفرك للفضاء الخارجي.
ثانيا يمكنك استخدام الأدلة الرياضية والفيزيائية والبراهين العقلية، مثل محاولات بعض العلماء من قديم الزمن قياس طول الظلال والفرق بينها واستنتاج شكل الأرض من ذلك، أو قياس الزوايا الناتجة عن مرور شعاع ضوء بين قمة جبل وسهل. وعند التعامل مع هذه الإثباتات يجب أن تتأكد من صحة كل خطوة، فبعضها يبدأ بفرضيات مسبقة مثل كون أشعة الشمس تصلنا بشكل متوازي، فيجب أن تتأكد من هذه النقطة أولا، وهكذا.
يمكنك ثالثا أن تعتمد على الصور والفيديوهات التي تصور الأرض، بشرط التأكد من صحتها وكونها غير مزورة، وبشرط صدورها من جهات متعددة يستحيل اجتماعها على الكذب.
أخيرا يمكنك أن تبحث أقوال كل فريق، وما يترتب عليها من نتائج، وتحاول أن تختبر هذه النتائج بنفسك، واختبار هذه النتائج يتم بالطرق السابقة بالإضافة للتعامل العقلي مع الأخبار الواصلة إلينا، فمثلا تختلف المسافات بين الدول طبقا لكل نظرية، فيمكن أن تبحث عن المسافات التي قطعها المسافرون بين هذه الدول فعلا، وتعتمد على أقوال المسافرين، أو أقوال من بحثوا هذه المسافات، لكن يجب أن تتأكد من صحة أقوالهم، ومن معرفتهم لما يقولون فعلًا، ويجب أن تكون أقوالهم متواترة؛ أي كثيرة ويستحيل أن تجتمع على الكذب.
حظا سعيدا في بحثك، لكن تذكر أن الأهم هو تغيير طريقة تفكيرك وليس رؤيتك للأرض سواء كانت كروية أم مسطحة! كما يجب أن نتعلم أن نحترم أية فكرة مهما كانت غريبة طالما أنها ليست مستحيلة عقلا! وأن نعتنق الفكرة التي عليها أدلة صحيحة سواء كانت مألوفة أو غير مألوفة! وأن نتحلى بالتفكير المنطقي السليم!
اقراأ أيضا :