هل أنا حر؟
كلما أنكرت على أحد من الناس فعلًا لا أخلاقياً أو تصرفاً شاذاً، قال لك أنا حر أفعل ما أشاء وقت ما أشاء
فهل هذا صحيح؟
وهل الإنسان حر فعلا؟
هل هناك حرية مطلقة؟
1-الحرية هي الفوضى
الحرية ضد العبودية وهي القدرة على التصرف بملء الإرادة والاختيار، ومن هذا التعريف نستنتج أن للحرية الخصائص التالية:
– أن الإنسان له حرية الإرادة والاختيار
– أن الإنسان له حرية التصرف وهي حرية الممارسة
أما حرية الإرادة والاختيار فهي مطلقة في ذاتها؛ فالإنسان كائن له إرادة مستقلة تتيح له الاختيار بين البدائل بدون قيود أو حدود أو شروط، بينما تطبيق الحرية وممارستها أمر نسبي يفهمه كل شخص وفق إرادته ومعتقداته، وبالتالي يختلف كل إنسان عن الآخر في ممارسته للحرية، فما تراه حرية قد لا يراه الآخرون من الحرية في شيء.
إذاً هذه الحرية بهذه الخصائص لا تعرف القيود ولا الحدود؛ فهي حرية بلا غاية، هي حرية من أجل الحرية؛ لذلك يكون المسمى المناسب لها هو الفوضى!
2- الحرية الغربية
لقد ساهم الفكر الغربي ومفكروه في نشر الحرية بمفهومها الفوضوي المصادم لكل الأديان السماوية والأخلاق، فها هو الغرب يروج لنظرية دارون التي أعلن فيها أن الإنسان حيوان متطور وفقط! مما جعله يصطدم بالكنيسة ويدخل معها في صراعات عنيفة خلاصتها نشر الإلحاد والكفر بالأديان وانهيار منظومة الأخلاق.
فانسلخت أوروبا من النصرانية إلى المادية البحتة باحثة عن المادة والشهوة اللتين حرمتهما منها الكنيسة التي قمعت غرائز الإنسان؛ فانفلت الشعب من الشيء إلى نقيضه.
أضف إلى ذلك فكرة عالم النفس اليهودي “سيجموند فرويد” مؤسس علم التحليل النفسي وصاحب التفسير الجنسي للسلوك الإنساني، وأن سلوكيات الإنسان وتصرفاته نابعة من رغبته في الجنس، وأن الكبت الجنسي وعدم إطلاقه ينتج عنه ما يسمى بعقدة أوديب، ومن هذه العقدة تنشأ القيم والأخلاق وهي عملية ضارة بالإنسان تنشأ عنها الاضطرابات النفسية والعصبية والعقد فضلا عن تأخير الإنتاج والعمل!
وبالتالي أصبحت أوروبا كلها تنادي بالحرية، أي الحرية والتحرر من الدين والأخلاق والعادات والتقاليد.
ثم أصبحت الحرية الغربية ركيزة أساسية ومكوناً أساسياً للحضارة الغربية بهذا المفهوم، ومن الثوابت التي لا تتغير ولا يجوز المساس بها، ثم ربط ذلك بتطور وتقدم الحضارة، ومن ثم تصدير هذه الفكرة إلى جميع أنحاء العالم.
وهكذا حتى تكون متطوراً أو متقدماً، لا بد لك أن تتخلى عن دينك وأخلاقك!
حرية الفجور والانفلات
هي مجرد عقدة يجب التخلص منها والانطلاق إلى حرية الانفلات والانحلال والفجور
وهكذا فإذا كانت الحرية تعني الفوضى وأيضا التحرر من الأخلاق والدين، فإننا نستنتج من ذلك أن كل فرد يضع له القوانين التي تعجبه والتي تتماشى مع هواه ومع ما يحبه أو يكرهه!
فهي حرية تجعل الفرد يعيش لذاته منعزلا عن مجتمعه فلا ينظر إلى المجتمع بعين الرحمة والشفقة والتعاون والاحترام؛ وبالتالي فهي حرية تتعدى على حريات الآخرين، فإن لم يكن فيها تعد على حريات الآخرين صارت هي بذاتها حرية على حساب الآخرين!
وأيضا إذا كانت الحرية تعني الفوضى ، فإن ذلك يؤدي إلى تصور يؤدى إلى عدم وجود نظام يحدد من يحكم الفرد والمجتمع، وبالتالي يصبح المجتمع كله كالبهائم تحكمه الغرائز ورغباته الشخصية وكأنهم حيوانات في غابة يأكل القوي الضعيف
والحرية المطلقة التي تعني أن تفعل ما تشاء وقت ما تشاء وبدون حساب هي من المستحيلات الأربعة؛ فحياة الإنسان منذ كان جنينا في بطن أمه وحتى بلوغه الرشد، هي اعتماد على الغير وخضوع للقوانين، فإذا كنت حرّاً فحاول أن تكسر قوانين البلاد ثم استمتع بإقامتك في السجن لتدفع ثمن فعلتك!
سعادة الإنسان وحريته الحقيقية
أخيرا فإن الحرية بمفهومها السابق فيها خروج على أي سلطة من السلطات الإلهية أو الوضعية أو المجتمعية، وهو أمر مرفوض تماما، ويجب علينا جميعا أن نواجهه فكل حرية لا بد أن تقيدها بعض القيود، وإلا فإن البديل هو انتشار كل ما هو قبيح وشاذ في مجتمعاتنا، بحجة أن هذه حرية وأن أي شخص يقول أنه حر يفعل ما يشاء يجب أن يدرك أنه ليس حرا يفعل ما يشاء وقتما يشاء بدون أن يحاسب، وأن تكون المسؤولية والمحاسبة في مقابل الحرية، فإذا علم كل إنسان أنه محاسب ومسؤول عما يفعل فسوف يفكر قبل أن يرتكب شيئا قبيحا أو غريبا أو شاذّاً
أضف إلى ذلك أن سعادة الإنسان لا تكتمل إلا باتباعه للأخلاق الفاضلة والدين؛ فالإنسان كائن له جانب مادي وجانب آخر معنوي وروحي، ويبحث الإنسان في كل حياته عن السعادة بتغذية الجانب الخطأ من طبيعته؛ وبالتالي فتحرر الإنسان من الدين والأخلاق الفاضلة يجعله تعيسا مفتقدا لشيء ما دائما؛ ومن ثم لا تكتمل سعادته إلا بما يغذي روحه، بهذا يكون الإنسان إنساناً، ويرتفع من مرتبة الحيوانية إلى مرتبة الملائكية.
اقرأ أيضاً:
هل الإنسان حر ومسئول عن أفعاله؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.