مقالاتفن وأدب - مقالات

جمال نور لم يعد كافيا فقد غلب عليه جمال أختها جميلة!

كانت مليئة بالحيوية والخير ، تجري وتلعب ، تملأ ضحكاتها كل أركان المنزل ، ما إن تراها حتى تدخل إلى قلبك دون استئذان … كانت جميلة قلبا وروحا ، جمالها كان يفيض من داخلها فيملأ ثنايا وجهها الصغير بالضوء والرقة والحب .

ولكن لم يبق هذا كثيرا ، تسارعت أيام العمر ، ومع كل يوم يمر ، كانت المقارنة البغيضة بينها وبين أختها تطفىء النور بداخلها ، تهدم دعائم الثقة ، حتى أصبحت النفس الجميلة مليئة بالأسى والحزن ، والإحساس بالقبح وعدم القيمة أو الثقة بأي شيء …

كان الاختلاف بالشكل بين الأختين سببا لكثير من المقارنة بينهما منذ الصغر ، حتى شعرت كل منهما أنها حقا مختلفة عن الأخرى ، كانت نور الأخت الكبرى رقيقة الطبع والنفس هادئة الملامح ، أما “جميلة” الأخت الصغري فكانت متميزة جدا في ملامحها ، لم تكن أي منهما تشعر بأي اختلاف عن الأخرى ولكن المقارنة جعلت الأخت الصغرى تشعر بأنها الأجمل ، فشبّت وهي مقتنعة أنها الأفضل والأحق بكل شيء!

نظرت نور نظرة طويلة من النافذة ، وامتلأت عيناها بالدموع وهي تقرأ في دفتر يومياتها عن مشاعرها التي لا تبوح بها إلا على أسطر الورق ، اللذي بللته دموعها مئات المرات وهي تكتب أو تقرأ ما كتبته كلما ضاقت بها الدنيا وشعرت أن لا أحد يهتم أن يسمعها أو يعلم عنها أو يعرف ما تعانيه يوميا !

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عملت جميلة في مجال الإعلانات بينما عملت  نور بالصحافة فقد كان هذا حلمها أن تكتب ليقرأ الناس كلماتها وتؤثر في حياتهم للأفضل ، وعلى الرغم من أنها حققت حلمها ونجحت في عملها جدا إلا أن سعادتها لم تكن كاملة ، لأنها لم تتلق يوما دعما من أسرتها ، تشجيع أو حتى نقد  ، وتعجبت  كثيرا من موقفهم معها  فهم أقرب وأحب الناس إليها ، تعود للمنزل فتجد أمها وأباها منشغلين بتفاصيل ما فعلته جميلة  في عملها اليوم ، وكيف أن الجميع كان مذهولا ومعجبا بها وبجمالها ، وكيف أن الإعلان الذي صورته هو الأكثر مشاهدة على الإطلاق ، تتعجب كثيرا لأمرهم ، لا يشغل بالهم إلا ما تفعله جميلة ، تفرقتهم بينها وبين جميلة منذ الصغر آلمتنها كثيرا غير أنها لم تشعر تجاه جميلة أو أمها وأبيها يوما إلا بالحب، لم تحملها معاملتهم على أي شعور سيء تجاههم ، لكنها رسخت بداخلها شعورا بالحزن والأسى لبعد المسافة بينها وبينهم !

“ليتنا نعود يوما كما كنا صغارا يا جميلة، كنا أقرب ما يمكن لبعضنا ، نلعب ونلهو ، لا نلتفت لمن حولنا ولا كيف ينظرون لنا وتقارننا أعينهم بمقاييسهم المختلة ، أما الآن فأين أنا وأين أنتِ يا أختى ، لقد أصبح الحوار بيننا نادرا ، ولا يوجد أي شيء مشترك بيننا ليجمعنا، ففي حين أهتم أنا بالقراءة والكتابة والمشي  والبحث عن بسطاء الناس التعرف على همومهم والتحدث معهم في مشاكلهم والكتابة عنها ، أجد نفسي بينهم ، وسعادتي في ابتساماتهم وامتنانهم لي علي أي شيء أفعله من أجلهم ولو كان بسيطا ، تهتمين أنت بأحدث صيحات الموضة وأدوات التجميل ، والذهاب يوميا للكوافير ، نلتقي في طرقات البيت ، وأحيانا على الطعام ، كأننا نحيا في فندق وليس في بيت الأهل ، كيف يمكن للحياة أن تمضي وتستمر هكذا ؟! “

نظرت نور إلى جميلة بحزن وألم وهي نائمة مكسورة القلب وحيدة على سرير في غرفة  ، بعد أن كانت الدنيا بأكلمها حولها وتشير إليها.

” نور هل مازلتِ مستيقظة؟”

“نعم حبيبتي أخبريني ماذا تريدين ، هل أحضر لك بعض الماء  ؟”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

” لا يا نور شكرًا لك فقط أردت أن أطمئن أنك إلى جواري”

عادت جميلة تغط في نوم عميق بعدما اطمأنت أن نور بجوارها ، فهي لم تعد تثق إلا بها أو تطمئن إلا بجوارها !

وعادت نور إلى دفترها تقرأ يومياتها التي تحكي بين سطورها تجربة قاسية مؤلمة ، أصبحت تتكرر كثيرا لدرجة أن لا يتعجب منها أحد أو يستنكرها.

“عدت من عملي يومها متأخرة ، وما إن دخلت حتى وجدت البيت يعج بالناس ، مصورين وصحافيين ، وهذا المخرج المشهور ، يقف بجوار جميلة ويلتقط لهما الصحافيون كثيرا من الصور ، بحثت عن أمي وأبي بين هذا الزحام ، وأخير وجدتهما في آخر الغرفة بصعوبة ، تخللت الصفوف ، حتى وصلت إليهما

” ماذا يجري يا أمي ، من هؤلاء ؟ “

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“لن تصدقي يا نور ، جميلة أختك سوف تصبح من المشهورين ، اليوم وقعت عقدا لتمثيل فيلم جديد و سوف تدخل عالم الشهرة و الكل يشير إليها “

“ماذا ؟؟ كيف حدث ذلك يا أمي، إن جميلة لا يمكن أن تقوم بذلك ، كيف وقعت على عقد لفيلم دون أن تتناقش على الأقل معنا ونفكر ونتخذ القرار الصحيح في هذا الأمر سويا  ؟

” في ماذا تناقش يا نور؟! الأمر لا يحتاج إلى نقاش ، إنها فرصة العمر لجميلة ، وما فعلته هو عين الصواب”

لا يمكن أن أنسى هذا اليوم الذي تحدثت فيه مع جميلة بخصوص هذه الخطوة في حياتها ، لا يمكن أن أنسى جوابها عندما سألتها  ” ما هي غايتك وأنت مقبلة على العمل في التمثيل والفن؟ ” نظرت إلى نظرة تعجب ، كأني سألت سؤالا غبيا !

“غاية ! أنت تمزحين يا نور ، أنا جميلة وناجحة ، وسأصبح من المشاهير ، لماذا أشغل نفسي بالغاية من وراء ذلك؟! أليس كل ما سأجنيه من أموال وشهرة وأضواء كافيا لأن يكون الغاية والدافع ؟؟”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تحدثت معها طويلا في هذا الأمر ، كانت تتعمد أن تتجاهل كلامي ، وكان الضجر والضيق يقفزان من وجهها وأنا أوضح لها أن الأمر كله لا يتعدي تجارة رخصية بها وبشكلها وجسدها من أجل المال ، وأن ما ستجنيه من شهرة ومال وأضواء ، سوف تدفع ثمنه من نفسها وروحها وإنسانيتها،  ولكنها لم تهتم ، لم تستمع !!

مضت جميله في طريقها ، ومثلت فيلما ، واثنين وأكثر ، وحققت ما تمنته، كانت سعيدة جدا في البداية بالأضواء والشهرة واللقاءات والمعجبين ، تقدم لها كثيرون بعد ذلك، ولكنها تزوجت هذا المخرج المشهور الذي قدمها في هذا المجال ، ولكن لم يمض كثير من الوقت، حتى بدأت أشعر أن السعادة التي كانت تغمرها لم تعد كالسابق ، شيء ما في عينيها انطفىء، لا أعلمه ..

لم أتعجب من تغير أحوالها ، بل توقعته ، إلى أن جاء اليوم الذي استيقظنا جميعا فيه على تليفون بعد منتصف الليل يخبرنا أن جميلة تعرضت للضرب المبرح ونقلت للمشفي في حالة خطيرة.

هرعنا جميعا للمشفى ، كانت جميلة غائبة عن الوعي لم نكد نعرفها من فرط ما أصابها من كدمات وجروح ، فقد كان وجهها مليء بالحزن والأسى والحسرة وليس فقط بالكدمات والجروح ! لقد ضربها زوجها ضربا مبرحا بعد خلاف شديد حول العمل والمال ، وهددها بالعقد اللذي وقعته ، وجعله يملك حق منعها من أي عمل ، فهي ملكه قانونا و لا تستطيع أن تعمل بمفردها أو أن تقدم غير الذي يوافق عليه هو!

لم تتحدث جميلة مع أحد ولم تُرد أن ترى أي إنسان ، لم ترد إلا أن أبقى معها في المشفى ، وقد فعلت ، فبالرغم من حزني البالغ عليها ، إلا أنني سعيدة لأنها بدأت تفيق مما كانت تحياه من الوهم ، وبدأت الثقة تعود بيننا ، وبدأنا نتحدث سويا عن طفولتنا وكيف كنا كالتوأم نفعل كل شيء سويا. تعلمت جميلة من محنتها القاسية ، ولكنها دفعت ثمن ما تعلمته بالتجربة من عمرها وروحها وحياتها ، ولا أعلم كيف ومتى سوف تسترد الثقة في نفسها وفيمن حولها وتعود لتقف وتعي مرة أخرى !

إنها قصة الأمس واليوم والغد ، قصة تفريغ المرأة من روحها وعقلها وقولبتها في قالب واحد ، الجسد ، الشكل الخارجي المادي فقط، وقد وقعت كثير من النساء في ذلك الفخ اللعين ، فأصبحن يقيّمن أنفسهن بالشكل الخارجي ومقاييس الجمال العالمية ، حتى أصبحت المرأة سلعة تباع وتشترى ، لا حق لها أن تختار ، أو أن تفكر حتى ماذا تختار ، “جميلة” ليست ضحية زوجها الذي أبرحها ضربا ، بل ضحية أسرة ومجتمع لا يرى في المرأة إلا الجسد ، لا يرى إلا الشكل وجمال الملامح ، لا يرى إلا سلعة يزداد سعرها والطلب عليها بزيادة جمالها وما ترتدية من ملابس على أحدث صيحة أو تضعه من مساحيق التجميل ، مجتمع أهمل العقل والروح التي هي منبع الجمال الحقيقي ، الجمال الذي لا يزول أو يقل أو يشيخ ويكبر ، جمال لا يحتاح إلى عمليات التجميل أو إلى الأضواء والشهرة ، فقط يحتاج أن ننظر إليه ، نهتم به ، نلتفت إلى وجوده وإلى أنه هو الأساس وهو الأهم ، نغذّيه ، ليكون هذا كفيلا أن يترعرع ويفيض على المرأة  بكل ما هو راقٍ وجميل وخيّر و باقٍ.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

منى الشيخ

مطور برامج

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالاسكندرية

مقالات ذات صلة