فن وأدب - مقالاتمقالات

نخلة شافع .. رواية عن عالم البحر

تُكمل رواية “نخلة شافع.. حكايات البحر والبحيرة” ثلاثية بدأتها الكاتبة انتصار عبد المنعم بروايتي “كبرياء الموج” و”جوكات”، وهي كتابة عما تعرفه صاحبتها، التي عاشت وعركت وعرفت كثيرًا عن المجتمع الموصول بين الإسكندرية وبحيرة إدكو.

حكايا البحر والبحيرة

نخلة شافع رواية عن مكان ساحر، وبشر مدهشين، وربما السحر والدهشة هو الذي دفع الكاتبة إلى أن تقسم روايتها إلى عشر صدفات، كل صدفة منها تشكل حكاية، وتتواشج الحكايات في عقد واحد، نرى بهاءه عن طريق الصور الغنية بالجمال، والعبارات البليغة، والسرد العفي المتمهل، دون أن يغيب عن عيوننا الخيط الذي يربط الأصداف، وهو مسار السرد الذي يمضي وفق بنية محكمة، يبدو أنها قد تكونت في رأس الكاتبة كاملة، قبل أن تجلس للكتابة، أو أن هذا الإحكام جاء متقطعًا كلما انشغلت الكاتبة بروايتها.

نحن هنا أمام عالم الصيادين، كونه رافدًا ثقافيًا مهمًا في الحياة الاجتماعية المصرية، فيه الخوف من البحر إن غضب، وترويضه بحثًا عن الرزق، ومنازلته جريًا وراء مغامرة. فيه الناجون من نوة، والغرقى في هياج الموج وقت النوات الرهيبة، وفيه الأسماك والأصداف والثبج، وغناء الصيادين، وفيه الطيور المهاجرة القادمة من الشط الآخر.

البحر ليس بالنسبة إلى الروائي ماء مالحًا أزرق اللون وأسماكًا متنوعة، لكنه حكايات كثيرة مسكونة بالخوف والرجاء والعشم والطمع والطموح والفقد والغربة والموت، وهو المعنى الساكن عند التقاء الأزرقين: الماء بالسماء، كأحد شواهد وحدة الوجود، وهو الأشباح الهائمة لأرواح غرقى تسكن البيوت والعشش، وهذا ما كان يهم الكاتبة، التي يبدو أنها لم تكتفِ بمعرفتها المباشرة عن هذا العالم، إنما عمقته عبر قراءة عن البحر، تظهر لنا بين حين وآخر في ثنايا السرد، جنبًا إلى جنب مع آثار معايشتها لعالمها، وألفته لها.

نخلة شافع المركز الذي تدور حوله أغلب الأحداث

مع هذا لا تقتصر انتصار عبد المنعم في روايتها على التقاط أسرار البحر وتفاصيلها الدقيقة، التي هي ليست غريبة على سردها الروائي والقصصي، لكنها تعمقت في استكناه ثقافة الصيادين، وأنماط البشر الذين يتماسّون معهم مثل الفلاحين والغجر، لتصنع سبيكة اجتماعية جامعة في تشكيلها بين المألوف والغريب، عن الذين يعيشون على أطراف الماء المالح، ظهورهم إلى الريف الذي يحدهم من نقطة إلى أخرى، ووجوههم إلى العالم البعيد خلف ماء المتوسط.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تبقى نخلة شافع هي المركز الذي تدور حوله أغلب الأحداث، أو فيها المغزى والمعنى الجوهري للرواية، فهي نخلة تقف شامخة عند مقام الشيخ شافع القائم عند مقابر إدكو، لتبدو وسيطًا بين الحياة الدنيا والآخرة من ناحية، ورمزًا للتمسك بالحياة في قلب الموت من ناحية ثانية. وهي في الرواية مصدر إلهام للراوي العليم الذي يسرد على جذعها الحكايات التي جمعها، ثم يطلقها على مهل، في رحلة ذهاب وإياب بين الواقع والخيال، وبين البحر والشاطيء، وبين الحاضر والماضي.

مقالات ذات صلة:

رواية صمت البحر

رواية الخيميائي .. لماذا كل هذا النجاح؟

أحلى رواية دي ولا إية؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري