نحو فهم أشمل للغة وفلسفتها… كيف تعكس اللغة حضارتنا؟
نحو فهم أشمل للغة.. ما هي فلسفة اللغة وما علاقتها بالفكر ؟
كيف يمكنني أن أناقش فلسفة اللغة باستخدام اللغة ذاتها ؟ هذا هو السؤال الذي تبادر إلى ذهني وأنا بصدد كتابة هذه السطور القادمة، فاللغة وعلى الرغم من استخدامنا اليومي لها إلا أننا لا نستطيع أن نفهمها فهما شموليا دقيقا، فهي من أصعب المواضيع التي قد يتسنى للذهن بحثها،
ذلك أن اللغة في مثل هذه الحالة ينطبق عليها البيت الشعري المشهور للمتنبي “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم” لأن اللغة تكون في هذه الحالة موضوعا للبحث وفي نفس الوقت تكون هي الباحث ذاته أي أنها من تطرح بشأنه الأسئلة وهي أيضا من ينتظر منها أن تقدم الإجابات الدقيقة.
عذرا على هذه المقدمة الغريبة نوعا ما ولكني أردت أن ألفت انتباهك يا صديقي على صعوبة الموضوع وهذه السطور القادمة ليست هي محاولة للفهم الشامل التام للغة ولا حتى هي عرض لأهم ما قاله فلاسفة اللغة وعلماؤها وإنما هذه السطور هي مجرد محاولة متواضعة جدا لطرح الأسئلة حول اللغة ومواضيعها الشائكة
أي أن ما يعنينا من هذه السطور هو إلقاء الأسئلة بشكل أكبر مما يعنينا تقديم الإجابات الجاهزة، وعلى أي حال فهذه السطور مهما طالت فإنها لن تستطيع أن تغطي الأسئلة التي تطرحها فلسفة اللغة ولا أن تقدم إجابات شافية عليها
فلسفة اللغة
حين نتكلم عن فلسفة اللغة فيجب أن نفهم أن هذا المصطلح يحتمل معنيين: المعنى الأول وهو المعنى الخارجي والمعنى الثاني هو المعنى الداخلي، المعنى الخارجي بمعنى اعتبار اللغة موضوعا معروفا، وينصرف إلى دراسة علاقتها بالموضوعات الأخرى: مثل علاقة اللغة بالفكر، وبالعالم، وبالواقع، وبالوجود، وبالمجتمع، وبالسلطة،
وأما المعنى الثاني هو الذي ينصرف إلى دراسة اللغة ذاتها وهو الاتجاه الذي يعتمد عليه علم اللسانيات الحديث والذي من أهم أقطابه الآن البروفيسور نعوم تشومسكي المفكر الأمريكي المعروف عالميا ونحن هنا لسنا بصدد البحث عن اللغة ذاتها وأصولها واختلاف الألسن الناطقة باللغات المختلفة بقدر ما سنهتم بإلقاء الضوء على دور اللغة في الفكر والثقافة وبالتالي على المجتمع والحضارة أيضا
محاورة افلاطون عن اللغة
على الرغم من أن فلسفة اللغة كمصطلح أو كمفهوم لم يعرف إلا في منتصف القرن العشرين إلا أنه يذهب الكثيرين من المهتمين بـ فلسفة اللغة إلى أن فلسفة اللغة قديمة بقدم الفلسفة ذاتها فقد كتب أفلاطون الفيلسوف اليوناني القديم (محاورة كراتيليوس) وهي محاورة للأسف غير معروفة عند الكثيرين من محبي الفلسفة نظرا لأنها تناقش موضوع اللغة وهو غير المتعارف عليه في فلسفة أفلاطون والتي كانت تميل إلى مناقشة المواضيع الأخلاقية والسياسية بالدرجة الأولى كما هو معروف عنه
وقد ناقش أفلاطون في محاورته السابق ذكرها قضية مهمة وهي تساؤل من أفلاطون حول ماهية الألفاظ التي ان نستخدمها للغة ، فهل اللفظ الذي نستعمله لوصف الوردة مثلا – هل لفظ الوردة – يطلق على الوردة لشيء في ذاتيتها أم أن هذا اللفظ هومجرد اصطلاح، وإن كان اصطلاحا فمن الذي اصطلح على هذا المصطلح، وعلى الرغم من أن أفلاطون لم يصل في بحثه إلى نتيجة حقيقية نهائية، إلا أن أسئلة أفلاطون قد أثارت عقول من تبعه ليبحثوا في هذه المسائل المعقدة.
اتجاهان لفهم اللغة
وقد تبع أفلاطون عدد كبير من الفلاسفة الذين حاولوا فهم حقيقة اللغة وعلاقتها بالفكر الإنساني وانقسم الفلاسفة في العصر الحديث في هذا الصدد إلى قسمين القسم الأول قال بأن اللغة والفكر منفصلان عن بعضهما وهو ما يعرف بالاتجاه التحليلي للغة وهو الاتجاه الذي يفصل فصلا كبيرا بين اللغة والفكر
ويعد أبرز أعلام هذا الاتجاه هو الفيلسوف برغسون الذي كان يقول ” اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر ” وأصحاب هذا الاتجاه يحتجون بأن الإنسان في كثير من الأحيان يشعر بأشياء لا يستطيع التعبير عنها من خلال الكلمات وهو أسلوب في التفكير يقرب إلى الشعر منه إلى الفلسفة وهو ملائم جدا لقول الشاعر الفرنسي فاليري ” أجمل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها ” ، بالتالي اللغة في هذه الحالة قاصرة جدا ولا تستطيع أن تحيط لرحاب الفكر الفسيح.
وأما الاتجاه الثاني وهو الاتجاه التوحيدي بين اللغة والفكر يذهب إلى أنه لا يمكن أبدا بأي حال من الأحوال فصل اللغة عن #الفكر لأن اللغة في نظر الكثير من علماء النفس واللغويين هي طريقة لتعبير الإنسان عما بداخله سواء كان ما بداخله أفكار أو أشعار، خوف أو حزن، محبة أو كراهية
وبم أن الفكر هو نتاج للتفكير الإنساني وثمرة عقله ففي رأي هذا الاتجاه تعتبر اللغة هي مرآة الفكر والمعبرة عنه وقد حاول البعض الجمع بين الاتجاهين بالقول بأن الفكر لا يستطيع أن ينفصل عن #اللغة، وأن اللغة والفكر هما عبارة عن وجهان لعملة واحدة وهذا هو الأقرب للصواب في رأي أغلب المهتمين بهذه القضية.
علاقة اللغة بالحضارة
وبم أن اللغة هي مرآة الفكر – كما أسلفنا – فبالتالي تصبح اللغة مرآة للحضارة الإنسانية أيضا، لأن الحضارة الإنسانية هي نتاج تفكير الإنسان الاجتماعي، وهي تكليل لمجهوداته في مجالات شتى، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والفلسفية والعلمية والحربية أيضا، وبالتالي تصبح اللغة هي حلقة الوصل بين الإنسان وبين الحضارة
وبدون فهم قوي للغة يصبح من المستحيل الحصول على حضارة لها شأن عظيم، لذلك القارئ الجيد للتاريخ يعلم أن الحضارات المختلفة كانت تهتم دائما بلغتها وتعليمها وفهمها لأنها ببساطة بهذه الطريقة تضمن لنفسها البقاء والحفاظ على نفسها وعلى هويتها وأيضا تضمن لنفسها القدرة على الخوض في بحار الفكر المختلفة وبالتالي تصبح #الحضارة قادرة على التقدم وعلى التحاور مع الحضارات الأخرى،
في الأخير أحب أن أقول من لا يفهم لغته لا يفهم نفسه ومن لا يفهم لغته لا ينتج فكرا ولا يبدع صنعا، لذلك فهم اللغة وأسرارها هو أهمية قصوى يا صديقي وليس محض رفاهية فكرية أو نشوة ثقافية
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.
.
اقرأ أيضاً .. اللغة العربية، نظرة مستقبلية
اقرأ أيضاً .. كيف يكون البر بالمجتمع ؟
اقرأ أيضاً .. لأن الحلال أجمل لاتنتظر