مقالات

ميدان تيان آن مَنْ

قد يعيش الإنسان دهرا وقد يعمر عمرا وهو لا يعرف شيئا عن حضارة بلده وآثارها وما تركه الآباء والأجداد وخلفوه وراءهم من عمارة وتراث إنساني يحكي تاريخا وأمجادا، واستقرارا وتنقلا، وحربا وسلاما، وهدنة وانتهاكات، ومكاسب وخسائر، وتغلبا وانهزاما.

نعيش ونسمع فقط عن معالمنا الأثرية العريقة بحجة بعد المسافة أو ضيق ذات اليد وفي نفس الوقت يأتي السياح من بلاد العالم المختلفة لزيارتها والتقاط الصور بجانبها.

إن الآباء والأجداد تعبوا كثيرا للوصول إلى هذا التقدم والبراعة في صناعة الحضارة بهيئتها وضبطها وإحكامها وهندستها ودقتها؛ النجاح لا يأتي مصادفة أو على سبيل الهدية وإنما يأتي بالعمل والإتقان ووصل الليل بالنهار.

والصين كأي بلد قديم تليد أصيل له أمجاده وحضارته التي يعتز بها، بل وينجح في الترويج لها بكل السبل عن طريق الكتب والمجلات والسياحة والرحلات والأبواق الإعلامية المختلفة والمواد الإلكترونية كالدعاية والبرامج عن طريق الإنترنت وغيره.

نشأة الميدان

و ميدان (تيان آن مَن) الذي يقع في وسط بكين له خصوصيته الفريدة كميدان عالمي كبير، له لمسات محفورة في الأذهان والذاكرة لارتباطه بالحرية والتاريخ والسلام والبناء.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فعند مجيئك من الشارع الرئيس الكبير (تشانغ آن) الذي يشق بكين ويكون القصر الإمبراطوري عن يمينك ببوابته الضخمة التي تعلوها صورة الزعيم (ماو) ويرفع شعار “لتعش الوحدة الكبرى لشعوب العالم” فإنك ترى في مقابله على اليسار ميدان (تيان آن مَنْ) بإجلاله ودوره العظيم.

إن ميدان تيان آن من أو الميدان السماوي أو ساحة السلام السماوي، من أكبر وأوسع ميادين العالم مساحة حيث تبلغ مساحة ميدان تيان 440 ألف متر مربع، والذي تُقام فيه المناسبات المهمة والاحتفالات الكبرى.

تم بناء الميدان في عام 1420 وسُمي (تشين تيان مَنْ) أي بوابة التعاقب السماوي، وكان مخصصا للمناسبات الحكومية الرسمية في أسرة مينغ الملكية، وتعرض الميدان للدمار والتشويه بسبب الحروب التي لا تبقي ولا تذر، ثم أُعيد بناؤه في عهد أسرة تشينغ الملكية في عام 1651.

مكانة الميدان

والآن هيا بنا نتعرف على مكانة الميدان، حيث تعود أهميته في العصر الحديث للأول من أكتوبر عام 1949 حين أعلن الزعيم (ماو تسي تونغ) قيام جمهورية الصين الشعبية، فأصبح الميدان رمزا للوحدة والتلاحم الوطني وبداية حقبة جديدة في تاريخ دولة الصين.

تتسع ساحة الميدان لتستوعب نحو مليون شخص، وقد فتح للزائرين في عام 1988، وعلى مرأى بصرك ترى في وسطه النصب التذكاري الذي يضع عليه الرئيس إكليلا من الزهور ومعه كبار رجالات الدولة ويقفون بضع دقائق ليتذكروا الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم لتعيش بلادهم.

نحن الآن أمام النصب التذكاري المهيب والمكتوب عليه أسماء القادة والجنود البواسل، فإذا نظرت يسار ميدان تيان فسترى مبنى متحف الثورة، وبجواره المتحف التاريخي، وقاعة الشعب الكبرى الجميلة والمجهزة لاستقبال الزوار والضيوف وعقد الندوات والمؤتمرات.

إن كل خطوة عند الصينيين بحساب ونظام، حتى مشي الجنود في الشارع مع قائدهم تجدهم يمشون بالخطوة المعتادة، فالاهتمام بالأمور البسيطة الصغيرة التي نحسبها تافهة هي التي تجعلنا منضبطين وجادين في الأمور والأشياء الكبيرة والمهمة، ومن هنا يأتي التقدم والنجاح والسيادة. فبناء الأوطان لا يأتي بين غمضة عين وانتباهتها أو عشية وضحاها، وإنما يحتاج البناء إلى الصبر ويتطلب التضحية بالنفس والوقت والمال، فالاستقرار والتوازن وجني الثمار لن نراها إلا بعد الكد والتعب والنَّصَب.

ومن السياسات الجذرية والأساسية للصين الاتجاه لبناء نفسها وعدم التدخل في شئون الآخر والعمل معا للعيش العالمي المشترك، ونلاحظ هذا في الحروب العالمية الحديثة فلا تنجرف وراء أي معسكر، وهذا سر تقدمها وتفوقها، وأيضا على مستوى الفرد فلو انشغل الإنسان بغيره وشتت ذهنه وبدد قواه وقدراته فيما لا يفيد ولا يعود عليه بالنفع فمن المستحيل أن يتقدم خطوة واحدة للأمام.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

ًاقرأ أيضا:

المدينة المُحرّمة

سور الصين العظيم

“أهمية نهر سيحون أو سيردريا “

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر