مقالات

الخَـوالِــف

الإنسان بطبعه يحب الركون والراحة، يبتعد عن كل ما يشغله ويتعبه ويقضّ مضجعه ويثيره حتى لو كان سيجني من جرّاء ذلك خيرًا كثيرًا.

إنّ الخَلَف بطبيعة الحال يأتي بعد السلف، فاللاحق يأخذ عن السابق، فِكْره وثقافته وعاداته وتقاليده، فالسلف في كل أمة هم الأولون، ففي الثقافة العربية الإسلامية يطلق عليهم “السلف الصالح”، وهم أصحاب النبي محمد (ص)، وفي المسيحية “الحواريون”، هم أنصار عيسى من دون الناس، وبالنظر إلى الشاطئ الآخر يطلق عليهم في الثقافة الصينية القديمة “السلف، الأسلاف، الأقدمون”، وهم دائمًا أقرب الناس إلى الصواب لمعاصرتهم النبع الأصيل الذي استمعوا له واستقوا منه وتربوا عليه.

الخليفة أو القائد في الأرض هو الراعي والمحافظ على الشعب والأرض، فهو مؤتمن يقوم فيهم بالعدل والميزان وبث روح التسامح والتعاون والعمل الجاد النافع لأمنه.

من الطبيعي أن يحمل الابن اسم أبيه ويسير على طريقه ونهجه، أو على الأقل لا يحيد عن المسار القويم، فيأخذ منه أخلاقه وطباعه، وبديهي يرثه بعد موته، فالميراث بكل ما تحمله الكلمة من معنى وكل متاح ومباح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ومع امتداد المعنى فالقائد في الميدان إذا أصابه مكروه أو أمر اضطراري لمغادرة الساحة فإنه يُقيم مقامه مَن يخلفه ويحل محله وينوب عنه، ومنه النائب عن الشعب في البرلمان، والطبيب النائب في المستشفى.

ومع مرور الوقت وتقادم الزمان وبُعد العهد بالنبع الأصيل يبتعد الخلف شيئًا فشيئًا، فتلهيهم الدنيا بزخارفها ورونقها والانغماس فيها، ولهذا، جاء في القرآن الكريم: “فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِم خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ واتَّبَعوا الشهواتِ”، سورة مريم، الآية(59).

ويوجد الخوالف بالمعنى المتأخر الذين يألفون الراحة ويبتعدون عن كل ما يشغلهم أو يتعبهم، لهذا يمكننا وبكل بساطة أن نرى طفلًا صغيرًا يجلس في آخر الصف الدراسي، لأنه يتحاشى سؤال الأستاذ، أو يسعد بالانعزال والهدوء فيريح رأسه، ومن ثم يؤخذ هذا الانطباع عنه.

من هم الخوالف

file businessman holding light bulb put think growth mindset different fixed mindset concept 101179 825 1603336556 - الخَـوالِــف

هذا الصنف من الناس يرضون بالدونية والتخلف والعيش دائمًا في الذيل والمؤخرة والدركات، فمبدأ الإسراع والإنجاز مطموس عندهم غائب نفعه لديهم، أو يعرفونه ولا يجدّون في السعي إليه، فلا يتقدمون للأعمال التي تحتاج إلى جهد عضلي أو ذهني، حتى في القتال تراهم يتخلفون ويتأخرون عن الذهاب فضلًا عن اللحاق بالصفوف الأولى والأخذ بزمام المبادرة كغيرهم، لهذا جاء وصفهم: “رَضوا بِأن يَكونوا مَعَ الخوالِفِ”، سورة التوبة (87)، فهم يألفون الراحة والعيش الرغيد الهنيء الطيب ومتاع الدنيا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المتخلّفون دائمًا يخسرون ويضيّعون على أنفسهم كثيرًا من الوقت والمال والفرص التي يهملونها، وقد تكون الوحيدة في حياتهم فتتخطّاهم وتفوتهم وتذهب إلى غيرهم، الذين سبقوهم في السعي بجديّة ورجولة واهتمام وحرْص أكبر.

ينبغي أن يكون شعار الواحد منا: “اقفز في السفينة”؛ السفينة المُبحرة التي تشق عباب البحر، ومحاولة تفادي أمواج الحياة المتلاطمة التي قد تغرقنا أو تصيبنا بالأذى، التي تشبه قطار العولمة الذي انطلق ولا مجال لتوقفه، أو بالأحرى لا يستطيع أحد إيقافه، فلا مجال للمتأخرين عن تعلم اللغة الأخرى، ولا مكان لمن لا يجيد بعض برامج الكمبيوتر على الأقل في تخصصه، وامتلاك مهارات التواصل مع الآخرين، مع التمسُّك بالأساسيات والقيم النبيلة، حتى يربط الماضي بالحاضر، فالمُنسلخ من ماضيه حتمًا سيفقد مستقبله.

ضابط هذه المسألة أنّ الإنسان السّوي هو الذي يستقي من الأقدمين أصولهم وخبراتهم وأخلاقهم وأعمالهم الصالحة، والمبادرة والسعي للأفضل لكل ما ينفعهم ومجتمعاتهم، وعدم الرضى بالعيش بانعزالية وتخلف في نهاية الصفوف، أو كما نقول: العيش في الظل بعيدًا عن الناس، أو في المؤخرة، فأمثال هؤلاء لا بد من حثهم على الإسراع والتبكير بالثقة بالنفس للوصول إلى القمة السامقة والمعالي المنشودة، بما يتوافق ومستجدّات العصر، فإن استجابوا فبها ونعمت، وإلا فانفض يدك عنهم وأكمل طريقك حتى لا يصيبك ما أصابهم.

مقالات ذات صلة:

تجديد الخطاب الفكري

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“التعقل ودحض الهيمنة الثقافية”

التنوير الفلسفي بين مأزق الانغلاق ومطلب الانفتاح

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة