من أين نبدأ؟ أزمة و حل
نتساءل كثيرا كيف صار الحال إلى ما نحن عليه من الذل والمهانة والتفكك المجتمعي والإصابة بحالة من الوهن واللامبالة والفردية تلك أزمة لدى الكثير وأصبح حلم الكثير من الشباب هو الهجرة والسفر للخارج؟وكيف حدثت تلك السيطرة وما هي خطواتها؟ وكيفية الخروج منها؟
لذلك علينا أن نحلل الأمر على نحو علمي ومنطقي لوضع أيدينا على علة الداء ولمعرفة الدواء، حيث تَفرِض التحديات والتغيرات العالمية على الشعوب الضعيفة سياسات من الاستكبار والاستعلاء ويستتبعها أحيانا الكثير من الأزمات والاستبداد في الداخل كنتيجة للأحداث العالمية تارة وأحيانا تكون أنظمتنا مستقوية بالأوضاع العالمية كبيئة خصبة لترعرعها نظرا لفقدانها الدعم الداخلي،
فتواجه بعض الشعوب الحية تلك التحديات في الداخل والخارج ولكن إذا أراد المحتل أو المستكبر أن يكسر إرادتها وقدرتها على المقاومة كان ذلك بالاستهداف الفكري وخلخلة منظوماتها الفكرية وضرب هويتها مما يفقد اتزانها العقلي والنفسي وربما يستسلم البعض نظرا لاعتقاده أنه لا سبيل للمقاومة،
بل والبعض يرى عبثيتها والبعض الآخر يرى أن يذوب في إرادة القوي متناغما معها في الملبس ونمط الحياة وهذه هي الطامة الكبرى فالبداية تبدأ بالمقاومة الفكرية يليها أشكالا مختلفة من المقاومة الاقتصادية إلى العسكرية ولكن إذا لم تُأسس على أساس صلب وقوي تلك المقاومة السياسية والاقتصادية والفكرية والعسكرية بل قامت على العاطفة والحق دون التنظير المنطقي والعلمي له،
كانت عرضة تلك المنظمة الفكرية لأن تصاب بالخلل مما يستتبعه الخلل في باقي أعضاء الجسد فالأساس الفكري هو بمثابة الرأس من الجسد فلو فسد الرأس فسد الجسد بل ربما صار الجسد ضد مصلحته مدمرا لذاته خادما لغيره وهنا الطامة الكبرى، فأول تلك الأزمات الكبرى التي يجب أن نفهمها من أجل الحل هي الآتي الأزمه:
أين المشكلة ؟
أزمة ظاهرة “اللامعيارية
وهي تشير إلى حالة من التخبط الناشئ عن غيبة المعايير الاجتماعية الموجهة للسلوك، أو عن عدم وضوح هذه المعايير أو تعارض أو تصادم المعايير الاجتماعية المختلفة، بحيث يعجز الفرد عن تحديد التوجه الصحيح لسلوكه أو أفعاله وكما يعجز عن التمييز بين الصواب والخطأ.
فأول تلك التحديات هي ما تبثه وسائل الإعلام من معايير لا تتوافق مع بيئتنا والتي تكون خادمة لثقافة مضادة لنا من مفاهيم مختلفة للصواب والخطأ ومفاهيم متباينة حول الحرية والسعادة واللذة… إلخ، فتصيب الفرد بحالة من السيولة وعلى قدرته على تحديد الصواب والخطأ فتشوش عليه امرة وتلبسه عليه بل وربما تعرض بالفعل الكثير منا لذلك فيعيش حالة من تضارب المعايير وقد بات ذاك جليا في مجتمعنا من تغريب الثقافة والتعليم… إلخ، وهي تلك الأزمة التي نواجهها بالفعل تشوش تلك المعايير التي نستند عليها في مواجهة الأزمات وإصلاح مجتمعنا فهي بيت الداء والوباء، وبل من خطوراتها أنها يترتب على تلك الظاهرة أعراض اجتماعية خطيرة نشتكي منها مثل:
أ-أزمة انعدام القوة:
أي شعور الفرد بانعدام قدرته على التأثير في المواقف المحيطة به ولاسيما المواقف التي تؤثر على مستقبله أو مصيره وذلك بعد أن صارت المبادئ والتي سميت مبدأ لأن الإنسان يبدأ منها سلوكه تصير غير واضحة فلا يعرف الإنسان من أين يبدأ؟ وأين هو الآن؟ وبالتالي من المنطقي أن يفكر بالهجرة والبناء بالخارج بدلا من إصلاح البيت الداخلي.
ب-أزمة الشعور بالعزلة :
أما في حالة صموده وتمسكه بالمبادئ يعاني ذاك الفرد من شعور بالانفصال أو الانعزال عن التيار الثقافي السائد في المجتمع المشوش، وتبنيه لمبادئ ومعايير اجتماعية مختلفة عن السائد مما يجعله عاجزاً عن مسايرة الأوضاع القائمة في المجتمع من يستتبعه، أما العزلة والتوجه إلى أن يكون أقصى طموحه تربية أبناء صالحين أو التطرف والإرهاب كبعض الحركات مثل داعش وغيرها مما تخدم مصالح الخارج.
ج- أزمة فقدان المعنى :
أي شعور الفرد بعدم الرضا عن أسلوب مشاركته في الحياة الاجتماعية أو تشكيل أوضاعه وعجزه عن إدراك معنى محدد أو واضح لما يحدث حوله، ومن ثم فهو يشعر بعبثية أو بعدم جدوى أي نشاط اجتماعي يقوم به، مما يجعل الفرد عاجزاً عن إدراك ما يتعين عليه فعله، أو ما يتعين أن يكون موجهاً لسلوكه، أو ما يتعين أن يمثل غاية هذا السلوك، وهذا حال أغلب أبناء أمتنا هي لا تعلم من أين نبدأ؟ وكيف نسير؟ وإلى أين؟ وقررت أن تكون كما يقول المثل المصري “المربوط في ساقية” علامة على أنه أصبح مطحوناً في طلب لقمة العيش.
د-أزمة غربة الذات :
والأخطر من ذلك هو أن يصاب من يفكر بالعزلة أو الهجرة أو الاستسلام بأزمة أخطر وهي شعور الفرد بأنه قد أصبح مغتربا عن ذاته الإنسانية فهو لم يحل المشكلة بل إما أنه هرب منها إلى الخارج وحاول أن يسكّن ضميره وربما راح يبني في حضارة يبطش أو قرر أن يمشي بجانب الحائط مستسلما فخسر نفسه وإنسانيته وضميره.
أين الحل
فلا مفر في تلك الفترة العصيبة أن نبدأ كما ينبغي أن يكون البناء وهي بأن ننطلق أولا من العقل لتأسيس الأركان الفكرية بشكل منطقي وعاقل لتكون تلك النواة للمقاومة والنهضة الاقتصادية الفكرية والسياسية بدلا من ردات الفعل والتي قد تكون مقصودة وموجهة من الخارج كبعض الحركات المتطرفة التي خدمت الاستعمار وأضرت بأوطانها.
فالمقامة لا مفر منها وهي الأمل والحل الوحيد تبدأ فكرية وتأخذ بعد ذلك أشكالا مختلفة.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب