مقالاتفن وأدب - مقالات

من أجلي أنا

ذهب إليها وقد خارت قواه، وانهارت دنياه، ودمعت عيناه، وتراكمت عليه الهموم، وترادفت عليه الغموم، وتكالب عليه الأعداء، وغاب كل الأصدقاء، وضاعت نفسه في غيابة الجب، وتاهت روحه، وتحرق القلب.

وها هي الفتنة وقد أطلت برأسها، والوهن وقد حمل فأسها، ولم يتبق أمامه إلا اللجوء إليها، والارتكان عليها؛ هي مصدر الأمل حينما يشتد الألم، ومصباح الدجى حينما يحلولك الليل، ويأبى الصبح أن يتبلج.

وما إن رأته حتى أيقنت بمصيبته، وعرفت حقيقته، بيد أنها تماسكت والروح منها تبكي، وتجاسرت والنفس له تهمي.

لقد أدركت منذ الوهلة الأولى ما ألم به من ألم، وما حاطه من ضيق وظلم، لقد كانت تعلم أنها مرفؤه حينما تصطخب بحاره، وشاطئه عندما يظلم ليله ويتوه ربانه.

ذكريات مؤلمة

نظر إليها نظرة المريد إلى شيخه، والطفل الشريد إلى أمه، فقابلته بابتسامة رقيقة، وهمسة حانية رفيقة، ثم سألته وهي به تعلم، وحاورته وهي بجرحه تكلم: “ما بك يا قرة العين، ويا نبض الفؤاد، ويا بؤبؤ القلب، ويا ترنيمة الحياة، ويا نغمة المحاياة؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ماذا أصاب وجهك الجميل فاربد، وروحك النبيل فارتد؟!”

أجابها ودموعه تذرف، وقلبه ينزف: ” أرى كل شيء وقد تحطم، وكل أملي في الدنيا وقد تهدم..

وها أنا قد جئت إليك بعد أن بلغ مني التعب عتيا، واشتعل القلب شاكيا شجيا..

جئت إليك مثخنا بالجراح، وأنا قاب قوسين أو أدنى من حافة الهاوية، استرجع كل شيء، شريط من الذكريات المؤلمة القاسية يبدو أمامي، تتراءى لي حماقاتي، انكساراتي، يأسي، عجزي، خذلاني، المؤامرات التي حيكت لي، المكائد التي دبرت من أجلي، أرى ما أقمته من سنين، وهو ينهار الآن، أرى الأصدقاء وقد استحالوا ألداء!

أرى سقوطي وقد غدا حتما مقضيا، وظهري وقد بدا منكسرا محنيا!”

إياك أن تسقط

فربتت على كتفه المثقل بالطعنات، ومسحت بيديها حبات اللؤلؤ وقد تساقطت على خده الأسيل: “يا حبة القلب، إياك أن تضعف، إياك أن تنهار، أرجوك، تماسك” ثم غلبتها الدموع، وهي تقول بصوت موجوع:

“إياك أن تسقط؛ أنت السماء التي تظلني، والأرض التي تقلني، أنت مصدر الأمل، بل أنت الأمل ذاته، أنت شمسي، ضيائي، هل تدري يا غاية الروح بأنك معنى الوجود، وسر الخلود، وطوق النجاة، وشجرة الحياة، وفردوسي الموعود، وحبي اللامحدود؟

تماسك، إن لم يكن من أجلك أنت، فمن أجلي أنا، نعم، من أجلي أنا! أتدري أنه لا قيمة لي بدونك، ولا حياة لي من غيرك؟! أنا لا شيء إذا غبت عني، نعم لا شيء!

فإياك أن تنطفئ؛ أنت النور الذي يضيء دياجير ظلامي، والشرفة التي من خلالها أدرك  معنى الحياة وسر النجاة!

يا قرتي، كن أبيا، ارفع رأسك، حاول مرة أخرى، انهض، تماسك، إياك أن تسقط، نعم إياك أن تسقط من أجلي ، نعم من أجلي أنا”.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

اترك اليأس وأبدأ الحياة من جديد

إن كنت محبطًا ولا ترى أملاً، فاقرأ هذه الكلمات

الحياة بين الظلام والنور

أ. د. محمد دياب غزاوي

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية- جامعة الفيوم وكيل الكلية ( سابقا)- عضو اتحاد الكتاب