مقالات

مناوشة التنين (الجزء الثالث)

مناوشة الصين .. كيف بدأت؟

في المقال السابق عرفنا أن الصين انكفأت على نفسها منذ إعلان قيام جمهورية الصين الشعبية بقيادة (ماوتسي تونج)، لكن بعد وفاته عام 1976 قام خليفتة (دنغ شيناو بينغ) بالاستيلاء على السلطة وأدخل من الإصلاحات على الاقتصاد الصيني ما جعل الصين من أكثر البلاد تصديرا وأكثرها استيرادا للسلع في العالم، وأصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في عالم اليوم باحتياطي يفوق الثلاثة تريليونات من الدولارات، لقد فتحت الصين أبوابها على اقتصاد السوق، لكن مع احتفاظ الدولة بالإشراف والمراقبة ووضع الخطط، وقادت تحديثا خاضعا لمراقبة الحزب الشيوعي الصيني، وليس خاضعا لخطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات الإقراض الأخرى.

سياسة الضغط

ومن هنا ومع تحقيق المعادلة الصعبة من التحديث بمنأى عن القوى الغربية لفتت الصين أنظار العالم، وأصبحت محط اهتمام الآخرين وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح من الضروري مناوشة هذه القوة الصاعدة من أجل إضعافها وإخضاعها، والولايات المتحدة الأمريكية تملك أوراقا للضغط على الصين ومنها مشكلات التبت وتايوان وبحر الصين الجنوبي والديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات.

بحر الصين الجنوبي

ولنتناول ورقة من أوراق الضغط هذه، ولتكن بحر الصين الجنوبي، وأدعو القارئ العزيز أن يحضر خريطة أثناء قراءة هذا المقال ليشعر معي بقيمة المقولة الشهيرة لـ(نابليون بونابرت) عندما قال: “إن سياسات الدول متأصلة في جغرافيتها”، فعندما ننظر في الخريطة على مكان دولة الصين نجد أن إطلالتها الوحيدة على المياه من جانب بحر الصين الجنوبي، واتصالها بالعالم عن طريق المياه هو بواسطة بحر الصين الجنوبي،

من هنا فإن أمريكا تناوش الصين من هذا البحر، فالخريطة تبين لنا أن دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين وفيتنام هي دول مطلة على بحر الصين الجنوبي، وجغرافيًا كأنها تطوق الصين، وهذه الدول تسميها أمريكا: “حبات عقد اللؤلؤ” لموقعها الجغرافي المهم بالنسبة للصين، هذه الدول اقتصادها محليا معتمد على الولايات المتحدة الأمريكية، فحكومات هذه الدول مسيطر عليها أمريكيا، لذلك فإن الصين تحاول السيطرة على تايوان والتي تقول الصين إنها جزء من أراضيها لكسر هذا النفوذ الأمريكي في بحر الصين الجنوبي، وأمريكا تقوم بتسليح تايوان ودعمها اقتصاديا وهي من بؤر التوتر بين أمريكا والصين .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وكما سعت اليونان قديما إلى السيطرة على بحر إيجة وروما إلى السيطرة على البحر المتوسط وأمريكا إلى السيطرة على منطقة بحر الكاريبي فإن الصين تسعى إلى السيطرة على بحر الصين الجنوبي، فبحر الصين الجنوبي مع مضيق مالاكا يفتحان المحيط الهندي أمام السيطرة الصينية بنفس الطريقة التي فتحت بها منطقة الكاريبي المحيط الهادي عند قناة بنما.

الأقليات

وأما موضوع الأقليات فإنها ورقة ضغط معروفة سياسيا تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الأنظمة التي لا تروق لها، فيطفو على السطح ما يسمى بأقلية الإيغور، وتتسابق السوشيال ميديا بتغيير الاسم الصيني للمكان الذي يسكنونه إلى اسم تركستان الشرقية، ويقولون إن الصين تعتقل منهم في معسكرات اعتقال أكثر من مليون إنسان وترتكب بحقهم التجاوزات، وهذا حتى وإن كان صحيحا فإن تركيز الإعلام الدولي عليه ما هو إلا لمناوشة الصين لفرض العقوبات عليها دوليا، وإلا لماذا لم تتحرك أمريكا عندما قام الجيش البورمي بقتل وإحراق واغتصاب أقلية الروهينجا تحت سمع وبصر العالم؟ وبفيديوهات موثقة على السوشيال ميديا؟ على الأقل لم نر تجاوزات الصين بحق الإيغور مصورة بالفيديو مثل الكوارث التي حدثت بحق الروهينجا.

ولكن من أجل مناوشة التنين الصيني وإخضاعه وإضعافه ترتدي الولايات المتحدة الأمريكية قناع الإنسانية إلى حين.

أقرأ أيضا:

الصين وأمريكا (الجزء الأول)

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الصين وظهور التنين (الجزء الثاني)

ماذا يحدث حولنا في العالم؟

على زين العابدين

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة