منذ وضع الإنسان قدمه على هذه الأرض وضعها مزودا بالأخلاق الفاضلة وعارفا للأخلاق الفاسدة وقد أمره الله سبحانه وتعالى بالانصياع لفطرته التى خلقه عليها والتحلى بمكارم الأخلاق لكى يصل إلى غاية وجوده وهى عبادة الله وإرضائه والوصول إلى سعادته وكماله.
إن الخُلُق فى اللغة هو حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر أو روية ومجموعها أخلاق أى أن أفعال الفرد هى انعكاس لأخلاقه التى تطبعت بها نفسه وترسخت فيها حتى صارت تصدر عنها دون تفكير فالخُلق هو السلوك الذى يسلكه الإنسان فى ميدان الفضائل أو الرذائل وبناءً على هذا السلوك يتصف صاحبه بالحسن أو القبح.
إذا فالأخلاق هى صفات نفسية نحدد على ضوئها كيف ينبغى أن نكون وكيف نتصرف ونتعامل فى حياتنا ومع بعضنا البعض، فالإنسان لا يعيش بمفرده فى هذا الكون ولا يمكنه تجنب التفاعل مع المجتمع المحيط به والقيم الأخلاقية بالإضافة لكونها كمال شخصى فهى أيضا لكمال المجتمع وتحسين العلاقة بين الأفراد ومن هنا فلا بد من تحديد هذه القيم والفضائل على ضوء العقل والتشريعات ثم الالتزام بها وتطبيقها على المستوى العملى فالأخلاق كما ذكرنا سابقا هى سلوك وليست مسميات تحفظ وحسب، وإذا التزمنا بالقيم كانت السعادة الفردية والاجتماعية فى الدنيا والآخرة.
والأخلاق كما ذكرنا فطرية. فالإنسان بطبعه يميل إلى كل ما هو جميل وحسن وينفر مما هو قبيح وسئ ولكن الفضائل ليست فينا بفعل الطبع وحده ولكن لا بد من تنميتها وترسيخها فى النفس بالتعلم والتجربة والوقت وإلا اندثرت واختفت نواة الأخلاق الحسنة بداخل النفس وتغيرت فطرتها.
ومكارم الأخلاق من لوازم الحياة الصحيحة ومن لوازم الأمم التى تطمح للرقى والرفعة وحيث إن غاية الشرائع السماوية هى كمال الإنسان فكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يرشدون الناس لهذه المكارم ويربونهم التربية الذكية للنفس التى ترتقى بها حيث يقول خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فالنبى الكريم يلخص رسالته التى بعث بها فى مكارم الأخلاق!
وما حثت الشرائع وما أمرنا الأنبياء بحسن الخلق إلا لما فيه من فوائد كثيرة على مستوى الدنيا والآخرة ولنا خير مثال فى النبى الكريم عليه الصلاة والسلام فقد كان خلقه القرآن وهو الذى يقول (إن أحبكم إلى وأقربكم منى يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقا وأشدكم تواضعا)
والأخلاق لا بد أن يتم تطبيقها كنظام متكامل ولا نأخذ ببعض الكتاب ونكفر ببعض فالأمانة لا تكتمل بدون الصدق، والحياء لايكون بدون العفة، والرحمة لا تثمر بغير العفو، والصبر لا يحتمل الغضب، وهكذا فالفضائل ومكارم الأخلاق نظام متكامل يكمل بعضه بعضا ولا يجوز فصله فالفضائل حق والرذائل باطل ومن خصائص الحق أنه إذا امتزج مع الباطل لا يعود الحق قادرا على المكوث فيذهب؛ فالحق والباطل لا يجتمعان فى مكان واحد.
فعلى الإنسان أن يكرم نفسه عن الانزلاق فى المفاسد المنبثقة عن الشهوات وإلا تردى فى نظر نفسه ومجتمعه ولن ينال حتى السعادة التى اعتقد أنها ستأتيه بعد أن يتحرر من الفضائل, إن الذنب أو الفعل القبيح يترك أثرا غير هين على النفس، فمع كل فعل قبيح يتشوه جزء من فطرة الإنسان، ومع الاعتياد على الذنوب وتكرارها تصبح النفس مشوهة ولا يعد الفرد مهيئا لتلقى اللوم سواءً من نفسه أو الآخرين من أجل الرجوع عن هذه الأفعال ففطرته أصبحت مشوهة بحيث غلبت عليها الشهوات ومحى منها أثر الدين والعقل وليس منا من لا يخطئ فكلنا أنفس بشرية تخطئ وتصيب، ولكن لا بد من السيطرة على القوى الشهوية بالقوى العقلية، ولا بد من سرعة السيطرة على النفس وتربيتها على أن تعتاد الفعل الحسن وتنفر من الفعل القبيح قبل أن تفسد فطرتها؛ فالفضيلة بالنسبة للقوى الشهوية هى كبح جماحها وتحكم العقل فيها، والفضيلة بالنسبة للقوى العقلية هى حسن توجيهها واستخدامها للوصول للتكامل.