مقالات

تعريف السلام العالمي ومدى امكانية تحقيقه وكيف ومتى يتم ذلك – بحث شامل

لا شك أن هذا العنوان سيثير شجونا وهموما عند الكثيرين، من منا لا يحلم بحلم السلام الذي ينبغي أن يسود العالم؟ من منا لا يمقت الحروب الطاحنة الدائرة هنا وهناك التي لا تبقي ولا تذر؟ التي تأتي على الأخضر واليابس، والتي لا نجني من ورائها إلا الويلات، من منا لا يريد أن يعم الخير والعدل الجميع؟

من منا لا يحلم أن يأتي يوم يكون العالم كله قلبه على قلب بعض كالجسد وكالنسيج الواحد إذا اشتكى أحد أعضائه يهتم بشكايته وبأوجاعه سائر الأعضاء؟ من منا لا يريد الطمأنينة والراحة وهدوء البال؟

تعريف السلام العالمي

مفهوم السلام العالمي أو السلم العالمي هو حالة من الاستقرار والأمان بين الشعوب، ويتمثل في عدم حدوث اعتداء أو عنف مادي أو معنوي على مستوى العالم وإنما يتم حل النزاعات بغير الحروب والصراعات العسكرية عن طريق الحوار وتحكيم قيم الحق والعدل.

هل تحقيق السلام صعب؟

دوما ما نجلس أمام شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي ونرى ونسمع حرب هنا وأخرى هناك، أطفال تشرد وتيتم، شيوخ وعجائز تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، أمهات ثكلى حزنهم يقطع الأكباد،

شباب – صبيان – نساء أرامل – أطفال يبكون ويقولون سنشكوكم إلى الله ونخبر الله عما فعلتم بنا. بأي ذنوب قتلوا هؤلاء؟ مخيمات للاجئين تغرقهم الأمطار لا يجدون ما يدفئهم اللهم إلا بعض الخرق البالية يشعلونها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

السلام اسم من أسماء الله تعالى فدعوة الله السلام وتحية الله السلام، وجميع الأديان السماوية دعوتها السلام، فالسلام طريق للحب والمودة والعطف، فلم لا نلبي دعوة الإله ونعيش وننعم بالسلام؟! لماذا لا نضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض لنحقق السلام؟ هل هذا صعب التحقق؟

معوقات تحقيق السلام العالمي

وتتلخص الصعوبات التي تواجه هدف تحقيق السلام العالمي في النظرة المادية الأنانية للفرد والحكومات، وهي النظرة الناتجة من اعتقاد الإنسان أنه مركز الكون وبالتالي فإن سعادته المادية أهم من قيم الحق والعدل التي هي حقيقة طريق سعادته الحقيقية والدائمة، وهذه النظرة المادية ينتج عنها:

  • عنصرية وتمييز بحق فئة أو عرق أو جنس.
  • صراع على المصادر الطبيعية والثروات.
  • حصر مفهوم السعادة باللذة المادية والتي تتمثل في السيطرة والتبذير.
  • غياب العدالة في التوزيع والتفاوت الرهيب في المستويات المادية والمعيشية.

أهمية تحقيق السلام

  • حفظ الأرواح والممتلكات.
  • توجيه الجهود والثروات المبذولة في الحروب لصالح الصحة والتعليم والبنية التحتية.
  • الاهتمام بصورة أكبر بالجانب الفكري والمعنوي

تحقيق السلام على مستوى الفرد

تعريف السلام العالمي

في اعتقادي وإيماني أنه ليس صعبا، كيف لا يكون صعبا؟ ننزع الحقد والغل والحسد والضغينة من قلوبنا ونحب بعضنا البعض، ويرحم صغيرنا كبيرنا ويعطف كبيرنا على صغيرنا هذا على المستوى الفردي، والفرد بدوره عضو فاعل في مجتمعه فلماذا لا يحاول أن يطبق هذه المعطيات على واقعه؟

يطرح الأنانية جانبا ولا يكون ذئبا لأخيه الإنسان، ويحيي قيم المواطنة فالجميع مواطنون من الدرجة الأولى، ويترك الطبقية والعنصرية فالجميع لآدم وآدم من تراب، والجميع متساوون في الحقوق وكذلك في الواجبات فلا داع لهذه العنصرية البغيضة.

تحقيق السلام على مستوى الدول

أما على مستوى الدول أو على الصعيد الدولي دوما ما نسمع مصطلح السلام الشامل، السلام العادل، مصطلح جميل ونحب أن نسمعه لكن هل من الممكن تحقيقه؟ أم عبارات رنانة تأخذ العقول وتذوب لها الآذان حين سماعها؟

نريد سلاما حقيقيا لا استسلاما، سلام تكافؤ القوى وتوازنها لا سلام تفرضه الدول الكبرى على الصغرى، جلوس على طاولات مفاوضات والكبير يملي إملاءاته على الصغير، قبيح أن نطلق على ذلك سلام.

أرى أنه استسلام ومن يرعى ذلك فهو يضيع وقته لأنه بالحتمية والضرورة المنطقية سيكون سلاما هشا. إذا أردنا سلاما حقيقيا لا بد أن تطرح الدول أو ما تسمى بالدول العظمى هيمنتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، تطرح ذلك أرضا وتوظف تلك الطاقات لرعاية وتحقيق السلام للجميع.

دعوة الأنبياء للسلام

تعريف السلام العالمي

منذ بدء الخليقة وصراع مستمر بين الخير والشر، هابيل وقابيل أحدهما يحمل بيده السلام والآخر يحمل بيده الشر، لكن ما استمر شر أبد الآبدين، والغلبة في نهاية حلبة الصراعات ستكون لمن يحمل بيده أغصان الزيتون، ويحمل بشارات الأنبياء الذين كانت دعواتهم للسلام،

فها هو عيسى المسيح عليه السلام دعوته في مواعظه على الجبل وترانيمه تحمل السلام الله محبة والمحبة سلام، وها هو محمد صلى الله عليه وسلم راياته السلام وبشاراته السلام وتحيته السلام، وها هو موسى حينما يخاطب فرعون “قولا له قولا لينا” واللين سلام لين الجانب سلام وليس استسلام.

دعوة الفلاسفة للسلام

وإذا ما تطرقنا إلى هذا المفهوم قديما فدعوة الفلاسفة منذ الفلاسفة الطبيعيون الأوائل إلى كانط فيلسوف العصر الحديث دعواتهم سلام، وأذكر على سبيل المثال الفيلسوف الرواقي زينون الرواقي ودعوته لإنشاء المدينة العالمية ودعوته إلى وحدة الجنس البشري،

لأن الكون كله يخضع لإله واحد ويحكمه قانون واحد هو قانون العقل الذي بدوره يدعو إلى المحبة لأن المحبة من الإيمان، وإذا ما تحققت المحبة سيتحقق السلام،

وكذلك ما ذكره إيمانويل كانط في كتابه المشروع الدائم للسلام العالمي ودعوته إلى إقامة مدينة عالمية تسودها الطمأنينة والهدوء، ومن قبله الفيلسوف الإسباني ريمون لول الذي تحدث عن السلام،

ومن قبلهما الفارابي في المدينة الفاضلة وكذلك ابن رشد، وأيضا مصلحوا العصر جميعهم دعواتهم إلى تحقيق السلام الشامل العادل الذي ينعم به الجميع، فهل هذا صعب التحقق؟ هل هذا صعب المنال؟

يا سادة نفتش في أنفسنا جيدا ونطرح هذه الأفكار على عقولنا ونستفتيها ثم نعرضها على قلوبنا وعلى فطرتنا الخيرة التي فطرنا الله تعالى عليها، فالإنسان بفطرته مفطور على الخير وحب السلام وكراهية الشرور.

كيف يمكن تحقيق السلام العالمي؟

على الرغم مما ذكرناه من تزاحم وخلاف، إلا أن في حقيقة الأمر هذا التزاحم ما هو إلا انتصار للمادية والأنانية والفردانية داخل الشعوب كأفراد والدول كنظم ومؤسسات.

فالفارق المهول في توزيع الثروات واستئثار ١٪ فقط من سكان العالم بما يقرب من 50٪ من ثروات العالم، والأرقام المهولة من الغذاء المهدر والثروات المهدرة، كلها تؤكد أن العالم لا يعاني من تزاحم الكثرة (أفراد) على القلة (الثروات) وإنما يعاني من غياب العدالة والرحمة.

كما أن الخلاف ما هو في حقيقته إلا اختلاف، يتجاهل الكثير أن المشترك الإنساني الذي يجمع بين أفراد العالم قادر على تجاوز تلك الخلافات، فالعقل وقدرته على التفكير المنطقي قادر على بناء رؤية موحدة جامعة تستوعب الاختلافات الفردية.

نظريات مقترحة لتحقيق السلام العالمي ومدى واقعيتها

نظرية السلام بالقوة فقط:

نظرية ترى وجود قوة عالمية قادرة على فرض السلام العالمي بالقوة فقط، وهي نظرية اصطدمت بالواقع مع فشل الولايات المتحدة مثلًا على تحقيق السلام العالمي، بل ومساهمتها في تأجيج الحروب والصراعات حول العالم، فالقوي الذي لا تحكمه قيم الحق والعدل وإنما شهوة السيطرة والعنصرية سيؤدي إلى دمار نفسه والعالم.

النظرية الشيوعية للسلام العالمي:

حيث يرى كارل ماركس أن السبيل الوحيد لتحقيق السلام هو أن تسود الشيوعية في العالم كله، بمعنى أن انسحاق الفردية تمامًا أمام المصلحة العامة قادر على دفع عملية السلام العالمي للحدوث.

النظرية الشيوعية تصطدم بالطبيعة البشرية التي لا تستطيع اهمال مصلحتها الفردية، فغريزة حب النفس والميل الفطري لسعادتها الشخصية لا يمكن من خلالهم تحقيق فرضية كارل ماركس التي تحارب التميز الفردي والملكية الخاصة وهما قيمتان حقيقيتان وعادلتان، فلا يمكن الاعتماد على دافع حب المصلحة العامة فقط!

نظرية السلام العالمي الديمقراطي:

نظرية ترى أن غلبة الفكر الديمقراطي هي الحل، انطلاقًا من طرح حالم بأن “الديمقراطية لا تحارب الديمقراطية”! وهو طرح يدحضه التاريخ العامر بحروب بين ديمقراطيات (ألمانيا والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية كمثال).

هل تحقيق السلام في العالم أمر حتمي ومؤكد؟

كل الفلسفات والأديان على اختلافها أقرت وتؤيد أن في نهاية التاريخ سيسود العالم حضارة عالمية عادلة مستقرة تحقق الأمان والسلام والتقدم للفرد والمجتمع، وهذا يتوافق مع العقل، فالإله الحكيم القادر الرحيم الذي خلق الكون من العدم ووضع قوانينه وسننه لا بد أن يصمم الكون بطريقة مبدعة تؤدي لنفاذ هذه السنن و القوانين بحيث تحقق في النهاية خير الإنسان وسعادته في الدنيا وفي حياته الأبدية.

متى يتحقق السلام في العالم؟

ويمكن أن يتحقق ذلك بصورة غير جبرية بل باختيار الإنسان نفسه، فمع تراكم التجارب البشرية المريرة ومعاناتهم نتيجة تطبيق الأيدولوجيات الخاطئة سيصل أغلب مكونات الشعوب إلى قناعة أن السعادة الحقيقية لن تتحقق إلا بتطبيق قيم الحق والعدل وأن مركزية الإله مبدأ لا يمكن اهماله، وهنا سيتبعون المصلحون العادلون وسيضحون في تطبيق هذه القيم وبالتالي سيادة الحضارة الإنسانية العادلة وتحقيق السلام العالمي الذي يوازن بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة ويهتم بالسعادة المعنوية والمادية للفرد والمجتمعات.

معلومات إضافية ..

قوات حفظ السلام

أحد جهود مجلس الأمن والأمم المتحدة لتحقيق السلام العالمي تتحقق في قوات حفظ السلام، والتي بدأت إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وهي قوات من مختلف الجنسيات تجمع بين مدنيين وعسكريين، هي قوات عالمية لا تتبع بلدا، وتهدف إلى حفظ السلام في مناطق النزاع والصراع وتحقيق سيادة القانون.

وبالرغم من أن قوات حفظ السلام هي نتاج شراكة بين الجمعية العامة ومجلس الأمن والأمم المتحدة إلا أن قرار نشرها في يد مجلس الأمن وحده، وهو ما يجعل قدرتها على إحلال السلام محدودة بامتلاك القوى العظمى حق الفيتو! وكأن تحقيق السلام لا يشمل تلك القوى العظمى التي تعيث في الأرض فسادًا واحتلالًا.

يوم السلام العالمي

حددت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة يوم ٢١ سبتمبر من كل عام يومًا للسلام العالمي، وهو اليوم الذي أعلنت عنه عام ١٩٨١ –قبل٢٠ عامًا من تحديد يوم ٢١ سبتمبر– لإرساء قيم السلام وتعزيزها، من خلال وقف إطلاق النار واللا عنف لمدة ٢٤ ساعة.

وبقدر ما هي مبادرة طيبة ولكنها بالتأكيد لا تكفي لإحلال السلام العالمي، أو وقف نهر الدم المتدفق نتيجة الحروب والصراعات الدولية والإقليمية.

اقرأ أيضاً:

السلام الحقيقي

فلسفة التسامح

الحرب والشرف

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا