المرغوب وغير المرغوب من ألوان الاقتصاد في خطط التنمية المستدامة
في هذا المقال نتحدث عن مفهوم التنمية المستدامة، وما يرتبط بها من أهداف تسعى دول العالم لمحاولة تحقيق تقدم ملموس في العناصر المرتبطة بها، ومن ثم تقدمها في مؤشر التنمية المستدامة، وفي هذا السياق سنتعرض أيضًا للمرغوب وغير المرغوب من اقتصادات في خطط التنمية المستدامة.
في البداية تجدر الإشارة إلى أنه قد تحدد مفهوم التنمية المستدامة في تقرير اللجنة الدولية حول البيئة والتنمية عام 1987، بعنوان مستقبلنا المشترك على أنها “التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها الخاصة”، كما يقصد بالتنمية المستدامة طبقًا لتعريف الأمم المتحدة “تحقيق تنمية متوازنة اجتماعيًا واقتصاديًا وبيئيًا للأجيال الحالية والمستقبلية تضمن الاستخدام العادل والأمثل للموارد الطبيعية والبشرية والمادية بما يعزز قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”، ومن هنا يتبين جليًا أن التنمية المستدامة تشمل ثلاثة أبعاد مع اعتبار الوزن النسبي لكل بعد ومراعاة مبدأ العدالة بين الأجيال:
أبعاد التنمية المستدامة
- البعد الاقتصادي:
التنمية الاقتصادية، النمو الاقتصادي، التنافس، الإبداع والتنمية الصناعية وغيرها.
- البعد الاجتماعي:
البطالة، الرعاية الصحية والثروات، التنمية المحلية والإقليمية، الترابط الاجتماعي، توزيع الخدمات وغيرها.
- البعد البيئي:
الحفاظ على الطبيعة، التنوع البيولوجي، نوعية المياه والهواء والتربة وتغير المناخ وغيرها.
وقد وافقت 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، في مؤتمر قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذي انعقد في 25 سبتمبر 2015 بنيويورك، على أهداف عالمية جديدة متكاملة غير قابلة للتجزئة للخمسة عشر عامًا (2016-2030)، وتضمنت وثيقة “تحويل عالمنا: جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة”، 17هدفًا من أهداف التنمية المستدامة، والتي يوضحها الشكل التالي، والمنشود من تلك الأهداف وغاياتها أو أهدافها الفرعية، والبالغ عددها 169 غاية، هو مواصلة مسيرة الأهداف الإنمائية للألفية، وإنجاز ما لم يتحقق في إطارها، وهي أهداف وغايات متكاملة غير قابلة للتجزئة تحقق التوازن بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة السابق الإشارة إليها.
كما يعد تقرير التنمية المستدامة التقرير الرسمي الوحيد للأمم المتحدة الذي يرصد التقدم العالمي في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، فيعد تقييمًا عالميًا لتقدم البلدان نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو مكمل لمؤشرات أهداف التنمية المستدامة الرسمية والمراجعات الوطنية الطوعية.
بانتشار مفهوم التنمية المستدامة وتزايد دعوات حماية البيئة على المستوى العالمي، ظهرت بعض المفاهيم التي لم تكن معروفة من قبل، وجرى استخدامها على نطاق واسع في عديد من الخطط والمبادرات التنموية، وهي مفاهيم باتت تشغل كثيرًا من المعنيين بالشأن البيئي والتنمية المستدامة، لعل أهمها الاقتصاد الأخضر والأزرق، كما أن هناك عددًا من الألوان التي يربطها خبراء التنمية والاقتصاديون بنوع السياسات الاقتصادية في مختلف دول العالم، وأن الأمر لا يتوقف على اللونين الأخضر والأزرق فقط، اللذين جرى استخدامهما على نطاق واسع خلال الفترة الأخيرة، وإنما للاقتصاد 10 ألوان، منها ما اهتم بالتحول تجاه المجالات والأنشطة التى تغطيها تلك الاقتصادات، وهي الألوان المرغوبة، وتتمثل في ستة ألوان للاقتصاد: الاقتصاد الأخضر، الاقتصاد الأزرق، الاقتصاد الفضي، الاقتصاد الأبيض، الاقتصاد الأصفر، الاقتصاد البنفسجي، كما أن للاقتصاد أربعة ألوان تسعى الدول في إطار سعيها لتحقيق التنمية المستدامة السيطرة على أنشطتها وتقنينها، بل والقضاء على هذه الألوان الأربعة، والتي تتمثل في: الاقتصاد الأسود، الاقتصاد الرمادي، الاقتصاد البني، الاقتصاد الأحمر، ويوضحها الشكل التالي:
اقرأ أيضاً: الاقتصاد والاعتدال
وفيما يلي لمحة سريعة عن مفاهيم هذه الألوان للاقتصاد في خطط التنمية المستدامة:
أولًا: الألوان المرغوبة للاقتصاد في خطط التنمية المستدامة
الاقتصاد الأخضر (Green Economy)
التحول من أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدام إلى أنماط أكثر استدامة، تتمثل في الحفاظ على التنوع الإيكولوجي، وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والحفاظ على الموارد الطبيعية وحق الأجيال القادم، عرّف برنامج الأمم المتحدة الاقتصاد الأخضر بأنه: “الاقتصاد الذي ينتج عنه تحسن في نوعية الحياة، وتحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية”، ويعد الاقتصاد الأخضر وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة، وليس بديلًا لها، ويغطي الاقتصاد الأخضر سبعة مجالات أساسية يوضحها الشكل التالي، وقد سبق وتناولنا هذه المجالات بشيء من التفصيل في المقالة السابقة، بعنوان “الناتج المحلي الإجمالي والمستقبل الأخضر، بين الواقع والمأمول”.
الاقتصاد الأزرق (Blue Economy)
يعد الإدارة الجيدة للموارد المائية، وحماية البحار والمحيطات حماية مستدامة للحفاظ عليها من أجل الأجيال الحالية والقادمة، ووفقًا لمفهوم البنك الدولي، فالاقتصاد الأزرق: “الاستخدام المستدام لموارد المحيطات من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، وتحسين سبل المعيشة والوظائف، مع الحفاظ على النظام البيئي للمحيطات”، في حين تعرفه المفوضية الأوروبية بأنه “جميع الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالمحيطات والبحار والسواحل، وتغطي مجموعة واسعة من القطاعات الناشئة والمترابطة”، أما منظمة اليونسكو تعرف الاقتصاد الأزرق بأنه “يسعى إلى تعزيز النمو الاقتصادي والاندماج الاجتماعي، والحفاظ على سبل العيش أو تحسينها، مع ضمان الاستدامة البيئية للمحيطات والمناطق الساحلية في نفس الوقت”.
يرجع إطلاق مسمى الاقتصاد الأزرق إلى رجل الاقتصاد البلجيكي جونتر باولي، في أعقاب المبادرة العالمية التي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في عام 2012، في أثناء أعمال مؤتمر البيئة العالمي بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، ورغم حداثة مفهوم الاقتصاد الأزرق فقد بات يحظى باهتمام كبير، تجاوز الحدود الأكاديمية والبحثية إلى دوائر صنع القرار الاقتصادي والسياسي في عديد من دول العالم، بخاصة في ظل وجود أصول بحرية في العالم، تضم كنوزًا تقدر بأكثر من 24 تريليون دولار.
تأتي أيضًا أهمية الاقتصاد الأزرق من أن البحار والمحيطات تغطي أكثر من ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية، وتوفر أكثر من نصف الأكسجين في العالم، كما تحتضن نسبة تصل إلى 80٪ من جميع أشكال الحياة على الأرض، فالأسماك التي تُصطاد من المحيطات توفر التغذية وسبل العيش والأمن الغذائي لسكان المناطق الساحلية وغيرها، وتعتبر بمنزلة دافع هام للتنمية الاقتصادية، لا سيما في البلدان النامية، لكن تغير المناخ والتدهور البيئي والتلوث وارتفاع مستويات الحطام البحري، والممارسات السيئة لإدارة مصايد الأسماك تعرض بحارنا ومحيطاتنا للخطر المتزايد.
إلا أنه في الوقت ذاته يعمل الاقتصاد الأزرق محفزًا لتطوير السياسات والاستثمار والابتكار، في دعم الأمن الغذائي والحد من الفقر والإدارة المستدامة للموارد المائية، كما يغطي مجموعة واسعة من القطاعات كما يوضحها الشكل التالي:
الاقتصاد الفضي (Silver Economy)
نظام يشمل إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها واستهلاكها، التي تهدف إلى استخدام الإمكانات الشرائية للمسنين وكبار السن وتلبية احتياجاتهم الاستهلاكية والمعيشية والصحية، أي إنه اقتصاد يديره كبار السن وتكون غالبية موارده مخصصة للعناية بهم، فجميع الأنشطة والمنتجات والخدمات الاقتصادية تكون مصممة لتلبية احتياجات الأشخاص فوق سن الخمسين، ويشمل جميع الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة باحتياجات كبار السن، وتأثير ذلك على عديد من القطاعات، فهو ليس قطاعًا واحدًا، بل نظام إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها واستهلاكها، التي تهدف إلى استخدام إمكانات شراء احتياجات كبار السن، وتلبية احتياجاتهم الاستهلاكية والمعيشية والصحية، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقطاع المالي والإسكان والنقل والطاقة والسياحة والثقافة والبنية التحتية والخدمات المحلية وخدمات الرعاية الصحية طويلة المدى.
اشتُقَّت التسمية من “السوق الفضي” الذي ظهر في اليابان، فمنذ سبعينيات القرن الماضي كانت اليابان الدولة الوحيدة التي تحظى بأعلى نسبة من كبار السن، وظهرت أسواق مركزية خاصة بالأشخاص في سن الـ65، وذلك عن طريق تجمع القطاعات الصحية والبنوك والسيارات والطاقة والإسكان والاتصالات والترفيه والسياحة وغيرهم من الخدمات في سوق مركزي واحد يقدم خدمات مخصصة لهذه الفئة بالذات. كما أنه قطاع مليء بالفرص الواعدة، التي تلبي رغبات الشركات الناشئة سواء من الناحية المادية أو اللوجستية، ولذلك يمكن للشباب الاستفادة من ذلك بعمل مشروعات تجتذب هذه الفئة العمرية.
اقرأ أيضاً: الاقتصاد والحرب
الاقتصاد الأبيض (White Economy)
اقتصاد رقمي يعتمد على استخدام التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني في تعظيم مواردة وإنتاجيته، أي الاقتصاد الذي يهتم بتكنولوجيا المعلومات أو اقتصاد البرمجيات وتوظيفها في مختلف المجالات، ويغطي الاقتصاد الأبيض تخصصات الكمبيوتر والإبداع والفنون والترفيه والبحث العلمي والتطوير، بالإضافة إلى الإعلان وأبحاث التسوق والاتصالات والصحة.
من ناحية أخرى يعتمد هذا النوع من الاقتصاد على عمليات البيع بالتجزئة والتسويق عبر الإنترنت، كما أنه مع استمرار ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب فقد أصبح هذا الاقتصاد قناة مميزة للتوظيف لكثير منهم، وأحد أهم الأسواق التي اتجه إليها الخريجون الشباب للحصول على فرص العمل، كما أن الاقتصاد الأبيض يؤدي دورًا كبيرًا في تطوير القطاعات الأخرى مثل القطاع الصناعي والقطاع الزراعي والقطاع الخدمي، وذلك بما يقدمه من برمجيات لتطوير نظم العمل وتحقيق النجاحات لهذه القطاعات، كما تأتي أهمية أخرى للاقتصاد الرقمي فتظهر في تقدم التكنولوجيا الرقمية بمعدلات مذهلة، بتطور الطابعات ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والهواتف الذكية والروبوتات والطائرات من دون طيار وغيرها.
تجدر الإشارة إلى أنه ظهر مفهوم الاقتصاد الأبيض في لندن، إذ ألّف البروفيسور دوجلاس ماك ويليامز كتابًا بعنوان “الاقتصاد الأبيض المسطح” عام 2015، أوضح فيه كيف يغير الاقتصاد الرقمي مدينة لندن ومدن المستقبل، وضاعف الاقتصاد الأبيض فرص العمل في لندن، وزاد من نموها بسرعة كبيرة، خصوصًا بالبيع والتسوق عبر الإنترنت، فالاقتصاد الأبيض هو النظام الإيكولوجي الذي يحيط بصناعة تكنولوجيا المعلومات بمعناها الواسع.
الاقتصاد الأصفر (Yellow Economy)
أصبح العالم اليوم في حاجة ماسة إلى طرق بديلة وموارد جديدة، في تمويل اقتصاداته وتأمين طاقته خارج التقنيات التقليدية القديمة المضرة للبيئة والمسببة للاحتباس الحراري، والبحث عن طاقات جديدة ومتجددة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مما يحقق الاستقرار والنمو والدفع بعملية الإنتاج، وتوفير فرص عمل دائمة مع تحسين المستوى المعيشي للفرد دون الإضرار بالبيئة.
مما سبق جاء الاهتمام العالمي بالانتقال إلى الاقتصاد الأصفر، لتحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية والتنمية المستدامة وتحقيق مكاسب اقتصادية، وتوفير استقرار اجتماعي والمحافظة على التوازن البيئي، وذلك باستغلال مخرجات الاقتصاد الأصفر، وهو الاقتصاد الذي يهتم بدراسة الطاقة الشمسية وكيفية الاستفادة منها لتحقيق التنمية المستدامة، انطلاقًا من الدور المحوري الذي تلعبه الطاقة الشمسية في مختلف المجالات بصفة عامة، والمجال الاقتصادي بصفة خاصة، لكونها تمثل المصدر الرئيسي لمعظم مصادر الطاقة، كما أنها مصدر مجاني وغير محدود للطاقة، علاوة على أنها طاقة مأمونة المصدر، ويمكن وصولها إلى المناطق النائية، التي لا يمكن لأي مصدر آخر من مصادر الطاقة الأخرى الوصول إليها.
يمکن الاستفادة بالطاقة الشمسية في إضافة قيمة جديدة للأراضي القائمة في المناطق الصحراوية، إذ إنها أحد عناصر الإنتاج المهملة لطبيعة المناطق الصحراوية، وذلك باستخدامها في إنتاج الطاقة الکهربائية من الخلايا الکهروضوئية، ومن ثم فإن تطبيق استخدام الاقتصاد الأصفر غير الملوث للبيئة سوف يعمل على تشغيل نسبة کبيرة من الشباب، في مجالات مختلفة تحتاج إليها مشروعاته، وبناء عليه سيقلل نسبيًا من حدة مشکلات البطالة.
كما تأتي أهمية الاقتصاد الأصفر في ظل ضرورة حتمية؛ الحفاظ على حق الأجيال القادمة في مجالات الطاقة غير المتجددة، مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي، وجعل فترة الاستفادة من هذه الثروات طويلة الأمد، وفي ظل تزايد الاستهلاك العالمي للكهرباء تزايدًا كبيرًا، وتزايد التكاليف الناتجة عن استخدام الوقود في توليد الكهرباء، علاوة على تقليل الانبعاثات الغازية، من هنا ظهرت الحاجة الملحة إلى الاهتمام بتطوير مصادر الطاقة المتجددة، التي من أهم مصادرها على الإطلاق الطاقة الشمسية.
اقرأ عن: مفهوم التخطيط وفوائده
الاقتصاد البنفسجي (Purple Economy)
الاقتصاد البنفسجي يعد أحد فروع علم الاقتصاد التي استحدثت أخيرًا، الذي يؤكد ضرورة إضفاء الطابع الإنساني بين العولمة واستخدام الثقافة، إذ تسهم وتساعد في تحقيق أبعاد التنمية المستدامة، بتثمين العائد الثقافي للسلع والخدمات، ولقد ظهر هذا المفهوم في فرنسا عام 2011، خلال أول منتدى دولي حول الاقتصاد البنفسجي في باريس، تحت رعاية كل من منظمة اليونيسكو والاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، والاقتصاد البنفسجي يحمل بين طياته قيمًا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بثقافة المجتمع، ما يحقق استجابة الإنسان وتفاعله، فتكون بذلك الثقافة خادمةً للاقتصاد وموصلة لأهدافه، وهو الاقتصاد القائم على الاستثمار في الثقافة، وجعلها قطاعًا حيويًا يتميز بالإبداع، والقدرة على الانسجام مع المتغيرات، والاستدامة.
عادة ما يشير هذا المصطلح إلى الفنون الإبداعية والسلع والخدمات الثقافية، وهو قطاع ناشئ من حيث تحقيق الدخل، وهو في صميم الرفاهية الاقتصادية، ويكتسب أهمية جديدة في عالم شديد العولمة.
كما أن مفهوم الاقتصاد البنفسجي باختصار يعني “أقلمة أو تكييف الاقتصاد مع الثقافة، أو بناء اقتصاد ثقافي، أو الحرص على حضور البصمة الثقافية في الاقتصاد المستدام، بالقيام بمجموعة من الأعمال والأنشطة البنفسجية، التي تتأسس على مبدأ حضور ثقافة المجتمع في تنميته الاقتصادية”.
يتميز الاقتصاد البنفسجي بأنه ذو طبيعة شمولية، أكثر من كونه يثمن كل السلع والخدمات مهما كانت قطاعاتها، وذلك استنادًا على البعد الثقافي، لكنه يختلف عن الاقتصاد الثقافي الذي يقوم ويرتكز على منطق القطاعات، لذا يقوم الاقتصاد البنفسجي على استدعاء العوامل الثقافية، لتأخذ مكانتها ضمن العوامل المؤثرة في توجيه الاقتصاد، وتحقيق أهداف الرفاهية والتنمية، كما تقوم هذه العناصر الملجمة بلجام الثقافة، على استنهاض الحوافز الاقتصادية، والاستجابة للفرص المتاحة للفرد والمجتمع، كونها الموجه والمحفز الداخلي الأقوى والمؤثر في الإنفاق من أجل الاستهلاك والاستثمار.
ثانيا: الألوان غير المرغوبة للاقتصاد في خطط التنمية المستدامة
تتمثل هذه الألوان فيما يلي:
الاقتصاد الأحمر (Red Economy)
اقتصاد يعتمد على المركزية ولا يتمتع بالمنافسة أو التنوع، وهو الاقتصاد الذي تسيطر فيه الحكومة على معظم وسائل الإنتاج والتوزيع، بحيث تكون جميع موارد الدولة تحت سيطرة السلطة الحاكمة، فهو اقتصاد يعاني من تفاقم الروتين والبيروقراطية الإدارية، اقتصاد ذو صبغة اشتراكية، وهذا الاقتصاد فقد كثيرًا من وزنه بعد سقوط الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق وكذلك في الصين، وإن اختلفت النماذج والتيارات الفكرية الاشتراكية، فهدف الإنتاج إشباع الحاجات العامة وإدارة النشاط الاقتصادي عن طريق التخطيط المركزي، وقيمة السلعة التي يحددها قيمة العمل المبذول فيها.
الاقتصاد البني (Brown Economy)
الاقتصاد الذي يعتمد فيه معظم النمو الاقتصادي على الأنشطة المدمرة للبيئة، أي إنه الاقتصاد الذي يعتمد على إنتاج الوقود الأحفوري الملوث للبيئة واستخدامه وتصديره، وبخاصة الفحم والبترول والغاز الطبيعي، وأيضًا غازات الاحتباس الحراري، التي وصلت إلى مستويات هائلة، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وأول أكسيد الكربون وغازات الفلوروكلوروكربون، بالإضافة إلى ما يسببه الوقود الأحفوري في وفاة ملايين الأشخاص سنويًا. كما أن الاقتصاد البني يعد المحرك الرئيسي لتغير المناخ.
تجدر الإشارة إلى أن البنك الدولي أوضح إلى أن تكلفة تلوث الهواء وحده، تكلف الاقتصاد العالمي أكثر من 5 تريليونات دولار سنويًا، كما يعد تلوث الماء والهواء السمة المميزة لهذا النوع من الاقتصاد بتأثيراته الضارة، إذ تعتمد التنمية الاقتصادية على موارد محدودة، وتلوث بيئي يهدد صحة البشر.
الاقتصاد الرمادي (Grey Economy)
يطلق عليه أيضا اقتصاد الظل (Shadow Economy)، ويعرف بأنه جميع الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها الأفراد أو المؤسسات، والتي لا تدرج في الإحصائيات الرسمية، ويحتوي هذا الاقتصاد على نشاطات غير قانونية (أو ما يسمى بالسوق السوداء)، وكذا النشاطات القانونية التي لا يبلغ عنها أو يبلغ عنها بشكل ناقص من أجل التهرب من الضريبة، كما يشير الاقتصاد الرمادي إلى الاقتصاد غير الرسمي، أي لا تعرف الأجهزة الحكومية قيمتها الفعلية، ولا تدخل في حسابات الناتج القومي، ولا يتم تحصيل ضرائب عنها، ولا يخضع العاملون فيها لأي نظام ضمان اجتماعي، أي الاقتصاد الذي تدور أنشطته بعيدًا عن دائرة الاقتصاد الرسمي وبعيدًا عن أعين الأجهزة الحكومية.
يرجع مفهوم الاقتصاد الرمادي إلى العالم البريطاني آرثر لويس، كما يتنوع الاقتصاد الرمادي إذ يشكل ما يصل إلى 60% من الاقتصاد الكلي في الدول النامية، من حيث رأس المال المستثمر، والدخل الناتج، والتكنولوجيا المستخدمة، وترجع مشاركة البعض فيه إلى قدرتهم على التهرب من الضرائب، والتحايل على القانون.
الاقتصاد الأسود (Black Economy)
وينشط كثيرًا هذا النوع من ألوان الاقتصاد في الدول ذات الأنظمة الضعيفة، التي ينتشر فيها الفساد، وغياب العدالة الاجتماعية، وارتفاع معدلات البطالة، والتفاوت الكبير بين دخول المواطنين، ويمثل هذا الاقتصاد الخفي أو السري كل نشاط تجاري يمارس خارج نطاق القوانين واللوائح، وبعيدًا عن دفع الضرائب، كما يتصف الاقتصاد الأسود بثلاث خصائص رئيسية تتمثل في: جوانبه غير القانونية، استخدام غسيل الأموال لإكساب الأموال شكلًا قانونيًا، اتباع طرق ملتوية لتجنب كشف سلطات إنفاذ القانون عن المدفوعات والمعاملات المالية التي تتم.
لهذا اللون من الاقتصاد عديد من المسميات منها: الاقتصاد الأسود، الاقتصاد الخفي، الاقتصاد غير الرسمي، الاقتصاد غير المسجل، الاقتصاد الظل، اقتصاد الباب الخلفي، الاقتصاد التحتي، الاقتصاد غير المرئي، وتجدر الإشارة إلى أن صندوق النقد في دراسة له عن حجم الاقتصاد الأسود عام 2018 أوضح أنه في الدول المتقدمة يتراوح بين 14–16% من إجمالي الناتج المحلي، وفي اقتصادات الدول النامية يتراوح بين 32–35%، فيما قدر متوسطه بالدول العربية بنحو 34%، ومن أبرز الأمثلة على أنشطة الاقتصاد الأسود: تداول العملات المشفرة غير المقننة، الإتجار بالبشر، تجارة المخدرات والأسلحة، الأموال المزورة، البرمجيات المقرصنة والمنسوخة بشكل غير مشروع، سرقة المعلومات الشخصية والمالية للوصول إلى الحسابات المصرفية وبطاقات الائتمان.
وعليه، فإن الاقتصاد الأسود أو غير الرسمي مظهر من التخلف في المجتمعات، لما يحمله من جوانب سلبية مثل هدر الموارد الاقتصادية للدولة سواء الموارد المالية أو البشرية، ومن هنا يعتبر الاقتصاد غير الرسمي من أهم المواضيع إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، وأثار اهتمام الباحثين الاقتصاديين وصانعي القرارات في مختلف اقتصاديات دول العالم.
نخلص مما سبق استعراضه أن ألوانًا من الاقتصاد تساهم في تحقيق التنمية المستدامة، واتجهت الدول في السنوات الأخيرة إلى الاهتمام والتوسع في الأنشطة والمجالات التي تصنف تحت كل لون، وعلى كل دولة أن تقرر سبل إدماج هذه الغايات العالمية الطموحة ضمن عمليات التخطيط والسياسات والاستراتيجيات الوطنية، وكذا من المهم مراعاة الصلة بين التنمية المستدامة وبين سائر العمليات الجارية التي تتصل بها في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وعلى النقيض هناك ألوان من الاقتصاد تعيق الدول في سعيها نحو تحقيق التنمية المستدامة، وبدأت الدول في الفترة الأخيرة تقنن هذه الأنشطة والمجالات التي ترتبط بتلك الألوان من الاقتصاد، ومحاولة القضاء عليها حتى تحقق التنمية المستدامة، للحفاظ على حق الأجيال الحالية والمستقبلية.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا