مقالاتفن وأدب - مقالات

مفترق طرق …. ما هو موقعنا في هذه الدنيا ؟

الدنيا محل الاختيار والقرار!
كان هناك صديقان، يعرفان بعضهما البعض منذ الطفولة، فالمدرسة واحدة والفصل واحد والشارع واحد والعمارة واحدة، يأكلان ويشربان مع بعضهما كثيرًا، ولا يفعل أحدهما أي شيء قبل أن يُبلغ الآخر به، ولم يحتج أحدهما للآخر إلّا وأتى مُسرعًا يُلبي النداء، ويستشيران بعضهما البعض في كل كبيرة وصغيرة، ظلوا هكذا سنوات وسنوات، إلى أن انتهوا من المرحلة التعليمية وفرقتهم الحياة العملية، مرت الأيام ولم يعد هناك مدرسة، بالتالي لم يعد هناك فصل، اختلف الشارع، بالتالي اختلفت العمارة، قل كل شيء بينهما، وتغيرت العلاقة كثيرًا بينهما، ومع بداية الحياة العملية ومع اختلاف بيئة العمل لكل واحد منهم، اختلفوا عن بعض في التفكير.

 

أحدهما أصبح يمتلك شركة كبيرة ومن خلالها أصبح مشهورًا كثيرًا في الدنيا ، لا يمر يوم عليه إلا وتهافت عليه الكثير من المعجبين ليأخذوا معه الصور وليأخذوا منه إمضاءه، لا يذهب إلى أي مكان عام إلا ويجد له معجبين كثيرين فيه، وهو بالطبع في غاية الانبساط والفرحة لأن هذا ما كان يطمح له من البداية، كان مغرورًا ومُحبًا لنفسه كثيرًا، لدرجة أنه يتغاضى مرارًا وتكرارًا عن فعل الخيرات حتى البسيط منها لأن هذا كان يؤخره عن التقاط الصور مع معجبينه، فكان يُحب كثيرًا أن يُشير الناس إليه وأن يقال عنه وعليه “انظروا إنه أتى، انظروا إنه سيذهب”، فكان يستمد قيمته من عدد معجبينه وعدد صوره معهم، بل يفتخر بنفسه بأنه أصبح ما أصبح عليه لأن ابنه أصبح يفتخر بوالده المشهور، لأنه اشتهر بشهرته…

والآخر أصبح يمتلك شركة صغيرة فهي خيرية وربحها بسيط، في البداية كان يفتخر بهذه الشركة وسعيد بسببها لأنه يساعد الناس من خلالها، كان يُلبي احتياجات الناس ولم يتأخر عنهم قط، فهي حقًا السعادة الحقيقية، وكان يُنشأ ابنه على هذا المنوال، لكن لطبيعة الدنيا فهي دار للمتاعب ولا مكان للراحة فيها، يحتاج ابنه إلى السفر لكي يدخل جامعة كان يطمح لها، فذهب والده معه، واحتاج الابن إلى واسطة للقبول في الجامعة، فجلسوا ثلاثة أيام في المدينة التي توجد بها الجامعة، لكي يُدبر الوالد واسطة لابنه، حاول الوالد في اليوم الأول ولم يفلح، فذهب مع ابنه في نهاية النهار إلى مطعم لكي يُخفف على ابنه، وهناك التقى بصديقه المشهور الذي يمتلك شركة كبيرة وبالطبع معارف كثيرة، التقيا وتحدثا مع بعضهما كثيرًا فعرف كل واحد منهم ظروف الآخر، لكن لم يقدر الوالد الذي يحتاج واسطة لابنه على أن يطلبها من صديقه فيتوسط له إن كان يقدر أو يتواصل مع أحد يقدر على ذلك، لم يقدر الوالد لأنه أحس بأن علاقتهما ببعضهما أصبحت ضعيفة جدًا بالتالي لن يقدر على طلب كهذا حتى وإن كان بسيطًا بالنسبة إلى صديقه، وهنا تمنى الوالد أنه لو كان مثل صديقه مشهورًا ولديه معارف كثيرة، مر اليوم الأول وجاء اليوم الثاني، وفيه ذهب الوالد مع ابنه إلى الجامعة وأخذا يسيران فيها، إلى أن التقى الابن بصديقة قديمة له، تحدثا مع بعضهما كثيرًا وكان والده بجانبهما لكنه كان مشغولًا في تدبير الواسطة، إلى أن استأذن الابن لكي يرد على والدته لأنها كانت تتصل عليه، وتأخر الابن لبضع دقائق، وفي خلالها تحدث الوالد مع صديقة ابنه، وكان يبدو على وجه الوالد الحسرة والحيرة لأن عقله مشغولًا فقط بتدبير الواسطة، لاحظت صديقة ابنه هذا الأمر وسألته سؤالا مُفاجئًا لكي يشغل عقله بشيء آخر ولو لبضع دقائق، وقالت له ما هو أكثر شيء ندمت عليه ولو رجعت بالزمن لم تكن لتفعله على الإطلاق؟ لم يُفكر الوالد كثيرًا في الإجابة، وقال أكثر شيء أندم عليه هو إنشائي لتلك الشركة الخيرية ومساعدتي للناس من خلالها، لأنها لم تجعلني غنيًا –مع أنه كان ميسور الحال– ولم تجعلني مشهورًا كصديقي القديم، فلا أحد يُشير إلي أينما ذهبت، ولا أحد يطلب التصوير معي أينما ذهبت، ولا يوجد عندي معارف كثيرة لكي أطلب منها أن يتوسطوا لابني، وهنا كانت الصدمة لصديقة ابنه، فدار في عقلها أسئلة كثيرة، كيف له أن يندم على فعل شيء، وهذا الفعل هو أفضل شيء يفعله الإنسان على الإطلاق، وهو فعل الخير ومساعدة الناس، كيف له أن يفكر مجرد تفكير في أن يندم على هذا الفعل؟! –ضع من علامات الاستفهام والتعجب بقدر ما شئت في هذا الأمر- انتهى الابن من الاتصال الذي كان مع والدته، وانتهى اليوم الثاني وجاء اليوم الثالث، ومر أيضًا سريعًا في محاولة تدبير الوالد للواسطة ولكنه لم يفلح وعادوا من حيث جاؤوا، وجوههم شاحبة بسبب فشلهم، لكن هل واقعًا هذا يسمى فشلًا بحق؟
هل فعل الخير ومساعدة الناس يُسمى فشلًا؟!
هل عدم نجاح الإنسان في وسيلة ما يجعله فاشل الغاية؟
الوسائل تتعدد وتتغير وما أكثرها، لكن الغاية الفاضلة ثابتة ودائمة.

كثيرون هم الصالحون والمُصلحون، كثيرون هم الذين على حق،
لكن مع تفرقهم، ومع كثرة الذين على باطل من حولهم، ومع متاعب الدنيا وانشغالهم بها، يتآكل الحق بداخلهم ويضعف شيئًا فشيئًا، إلى أن يتمنى الذي على حق لو كان على باطل، تذكّر غايتك ومبتغاك دائمًا ولا تلهو عنهما، والتف حول من هم مثلك، فأنت أقوى بهم وهم أقوى بك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

متاعب الدنيا كثيرة، والمواقف التي تختبر معاييرك ومبادئك كثيرة جدًا، لكن هل أعددت نفسك لكي تتصدى وتقف لها بالمرصاد؟ فهل أعددت لنفسك أرضًا صلبة تقف عليها؟ فلا تميل حيث تطلب منك المواقف.

انظر إلى نفسك يا صديقي ماذا أنت بطالب؟ هل تطلب الدنيا ؟ فتطلب الشهرة والسُلطة والثراء؟
انظر من حولك يا صديقي ولا يَغرّنك كثرة الهالكين، ولا يُضعفك قلة السالكين.

يا صديقي إن كان وجود المتاعب من ذاتيات الدنيا، فكما يقول الإمام الشافعي :” دع الأيام تغدر كل حين… فما يغني عن الموت الدواء”
يا صديقي لا تتمسك بهذه الدنيا فهي لا تتمسك بك.

 

اقرأ أيضاً:

هل يوجد أمل ؟

أعرف نفسك

خالد حسام

عضو فريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة