معيار ” الخيار والفقوس ” يحكم والبقاء “للخِيار” الأقوى!
الخيار الصعب
تمهل وتريث قليلاً فلم يأْزِف الوقت بعد، ماتزال الفرصة سانحة أمامك لتعيد النظر فيما يُصدَّرُ لك من أحكام ومراجعة ما يُبثُّ إليك من أقوال وأفعال فاغتنمها، تحلَّ بشيء من التجرد، تَحامَل على ما تَخْتزِنه من شُحنات مُنحازة بمُوجبِ المحبة والعطف أوبسلبِ البغض والكراهية، اخرج من دائرة الحكم على الفاعل إلى الحكم على القول والفعل نفسه، حتمًا الأمر صعب يحتاج للكثير من المحاولات والجُهد لكن فقط لتبدأ بأُولى محاولاتك.
فلا تُسلِّم بما يَفرضُهُ عليك الواقع في زِحام الحياة أو ما يُطْرحُ عليك من معايير ومبادئ جاهزة تبني عليها أحكامك، ثبت أقدامك، اصلب طولك، خذ نفسًا عميقًا، وانزع الخُمْرة عن عقلك واستسلم لسجيته وانسَقْ لحنين عودته إلى أرض وطنه، إلى أرض الدهشة والتأمل، فشَوق العقل لا يهدأ إلا بالتفكير وطرح الأسئلة بُغية الإدراك و الفهم، ولا تحكم عليه بالنفي بعيدًاعن وطنه.
احذر الانزلاق في فخ الاعتياد والتسليم بالسائد والمقبول الذي علت أصواته خلف شعار ” الخيار والفقوس” الذي اصطلح استخدامه في توصيف حالة ازدواجية المعايير الحاكمة المليئة بالتناقضات وفرض معاملات انتقائية لأشخاص دون غيرهم بدون وجه حق؛ فتُصاب بالتخبط والتيه في نفق النسبية المُظلم و تفقد القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، ونكران الثوابت والكفر باليقينيات أو تنأى بنفسك عن كل هذا الصخب و تُفضِل الهروب من منصة التحكيم.
فلا سبيل سوى المقاومة والصمود و تسليح العقل بقواعد سليمة و منهجية للتفكير؛ يبني عليها قيمه ومبادئه الراسخة، فيظل رافضًا ومستنكرًا لثنائية الأحكام وفوضى تلك المبادئ المتضاربة.
لتجده يعي ما تؤول إليه المحسوبية والوساطة من ظلم وفساد وتعدي على الحقوق وإسناد المسؤوليات لمن ليس أهلاً لها وينكر المبررات التي تُسوِغُها مثل كونها أصبحت من طَرائق السعي وسُبل نيل المراد أو بإلقاء اللوم على واقع الحياة الصعب الذي لا يسير بدونها.
ويظل هذا العقل الواعي رافضًا ومستنكرًا للأنانية واستباحة فئة ” الخيار ” أصحاب قوة الصيت والمال و تخطيهم على رقاب فئة “الفقوس” الضعفاء بلا شفقة وإلقاء اللوم عليهم لعدم قدرتهم على الالتحاق بركبهم الفاخر العظيم، والتشبُّث برَكْب الأقوياء.
وتتسع الدائرة تباعًا لقضايا عالمية أكبر رقعه وأعظم صيتًا، فيرفض نعت أهل فلسطين و أصحاب الحق والأرض المناضلين والمضحين بأنفسهم بالارهابين، ويستنكر التحالفات مع العدو الإسرائيلي المحتل الغاشم، ويتعجب من الحديث الهامس عن قضايا المستضعفين واللاجئين والمُهجرين والمُحاصرين؛ لأنهم ينتمون لفئة “الفقوس” الضعيفة عديمي السلطة والنفوذ.
فهنيئاً لمن حافظ على مبادئه الصلبة واستودع أمانة ضميره الحي بالصمود والثبات وسلَّم بفروض الطاعة والولاء لسلطة الحق، هنيئًا لكل من يطالب ويسعى لتحقيق العدل ومنح الحقوق لأصحابها بقدر ما يستطيع، هنيئًا لمن كبح جماح شهوته ومصلحته بالعفة وغضبه وخوفه بالشجاعة فتحلى بالحكمة والفضيلة، هنيئًا لهؤلاء الأبطال.
واحذر سيدي ” الخيار ” فتحت وطئة عالم يحكمه مبدأ ” الخيار والفقوس” لا ضامن لك أيها ” الخيار ” القوي ذو السلطة والمال أن تبقى على وضعك فربما فقدت مجدك وسلطانك غدًا وانقلب بك الحال “فقوسًا” مظلومًا ضعيفًا معدوم الحيلة كالذين احتقرتهم بالأمس وتصبح تحت رحمة ” الخيار ” الأقوى منك فلا معيار يحكم في عالمك سوى البقاء “للخِيار” الأقوى.
اقرأ أيضاً:
أخلاق الفرد وتأثيرها على نفسه وعلى مجتمعه – هل الأمر مؤثر فعلاً ؟
أن نكون الشيخ ” محمد كُريم ” – بطل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي
الكوميديا ودورها الهام والمؤثر في الغزو الثقافي والفكري في المجتمعات