فن وأدب - مقالاتمقالات

معضلة السلاحف

تقول السلاحف أن الوجهة أهم من السرعة، لكن الأرانب لا تصدق ذلك! فإذا كانت الأرانب تعشق استعراض السرعة، فإن السلاحف تهتم بالوصول، والمنضبط المواظب أسرع من السريع الكسول.

السلاحف لا تلهث، السلاحف لا تتوتر، السلاحف لا تحقد، لا تقارن، لا تلوم، لا تتذمر. السلاحف لا تنظر إلى المسافات خلفها بندم وحسرة، أو إلى المسافات أمامها بيأس واستسلام! ولا تتوقف عن الحركة. السلاحف تقيم الحُجة على من تَعَجَّل، والبَيّنَة على من أسرع، كي يثبت أن لذلك الإسراع جدوى!

أخبرتنا السلاحف أن السرعة قد تجلب الغرور! والتعجل قد يؤدي إلى الانقلاب، والغرور مهلك، والانقلاب -عند السلاحف- مميت!

علمتنا السلاحف

علمتنا السلاحف أن البطء أسرع من التوقف، كما علمتنا أن السلحفاة المغرورة أسوأ من الأرنب المغرور! السلاحف لا تنتقص من فضيلة السرعة، لكنها تقدر فضائل الانضباط والاستمرارية، وتعلم أن استخدام السرعة القصوى يكون لوقت قصير، فمقياس الاستمرارية والمثابرة أهم من مقاييس السرعة! قد تُعتبر السلاحف بطيئة في الحركة، لكنها الأسرع في الوصول.

تردد السلاحف الحكيمة دائمًا للسلاحف الصغيرة الطائشة، أن أسرع أرنب لن يسبق أبطأ سلحفاة إذا كان يجري في الاتجاه الخطأ، أو لا يعرف إلى أين يجري، أو لا يعرف سببًا لركضه! تكرر السلاحف الحكيمة للجميع: “لسنا من الأرانب! لسنا في سباق!”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

السلاحف لا تطمح في الطيران ولا تحقد على الطيور، تقبل الزحف وتقنع به، لكنها أيضا تتقبل أحلام الطيران المستحيلة. علمتنا السلاحف أن الصداقة بين الزواحف والطيور هَمٌّ وغَمٌّ وقيد وحسرة وندم ويأس لكليهما.

سرعة الكلاب لا تزعج السلاحف، لكن اللهاث يقلقها في جميع الحيوانات!

“لسنا من الأرانب! لسنا في سباق!”

علمتنا السلاحف أنها قد تنصح الأرانب بالهدوء والتروي والتأني، لكنها أبدًا لا تقف عائقا في الطريق أمامهم، السلاحف لا تلوم الأرانب، لكنها تشفق عليها، والأرانب تظن أن السلاحف هي المثيرة للشفقة!

“لسنا من الأرانب! لسنا في سباق!”

“الأرانب ثدييات تلد، ونحن زواحف من ذوات الدم البارد، نبيض ونعيش طويلًا في هدوء وتمهل وسكينة، فلماذا نتجاهل كل ذلك ونقارن السرعة؟! السرعة فقط!”.

علمتنا السلاحف أن الحقد والحسد والغيرة لا تكون بين السريعين فقط، فينالها نصيب من ذلك على الرغم من هدوئها واستكانتها، وقد يكون ذلك بسبب هدوئها واستكانتها! لو أن للسلاحف الحق في حسد الأرانب على السرعة، فمن حق الأرانب أن تحسدها على العمر الطويل وراحة البال! السلاحف لا تعاير الأشجار لثباتها، أو تنتقص من الحلزون لبطئه، تدرك السلاحف أن لكلٍ صفته ومميزاته.

بطء السلاحف ليس كسلًا

أشاعت الأرانب أن هدوء السلاحف يعود إلى أنها من ذوات الدم البارد، والسلاحف لم تعلق على ذلك بكل تجاهل وبرود! قد تكون السلاحف الأبطأ، لكنها الأسرع في الوصول لبيتها، أسرع من كل الحيوانات! بيتها المتكامل الذي تحمله معها فوق ظهرها هو اختصار وفخر وحماية تتجول به في كل مكان!

سخرت منها الأرانب وقالت: “في التأني السلاحف!”، والسلاحف لا ترى في ذلك عيبًا. مع صباح كل يوم، تقسم السلاحف لجميع سكان الغابة أنها ليست من الأرانب، وفي المساء، تقسم أنها ليست في سباق مع الأرانب!

“لسنا من الأرانب! لسنا في سباق!”.

“شكرا لكل من واسانا فيما يظنه البطء، وعفوًا لسنا في سباق!”، بطء السلاحف ليس كسلًا! والكسل عند السلاحف كارثة! الحسرة على الاستثنائيين، تمتد الحسرة إلى سلحفاة (سريعة) استثنائية، فترفضها السلاحف العادية، ولا تقبلها الأرانب!

في عصر يجري الجميع فيه مع الأرانب، تتضخم معضلة السلاحف، فتُعتبر السلاحف متخلفة لأنها مختلفة! متخلفة عن الركب والتحديث المتسارع المتصارع! من قال إن السلاحف في سباق مع الأرانب؟! أو حتى في تسابق بين بعضها البعض؟! قد يكون البطء حكمة!

معضلة السلاحف أنها ليست الأرانب! وليست في سباق!

#معضلة_السلاحف #أبوسفيان #الغابة_البرتقالية

اقرأ أيضاً:

معضلة الوحيد

الملاك

حسان وحمدان

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

م. أبو سفيان

مهندس وكاتب وفنان تشكيلي مصري، مدرب ومتحدث تحفيزي وصانع محتوى، باحث في الخطابة والتغيير الإيجابي والتطوير القيادي