فن وأدب - مقالاتمقالات

معضلة التنين

قالت سلحفاة لصديقتها: “أنتِ بطيئة بطء التنين!”، وقال أرنب لزميله: “أنت سريع سرعة التنين!”، وقيل لبغل: “أنت عنيد تنين!”، ولأن التنين كائن خرافي خيالي، فهو مطاطي هلامي تمامًا! يتشكل في أي صورة، ويناسب أي استدعاء، ويوافق على ويتوافق مع كل التشبيهات!

تنضج معضلة التنين في أعجب حالاتها بين الضباع والأرانب، تعطي المعضلة للتنين وجودًا وبذلك يتضخم، وتشتعل في الغابة نيرانه، لوجوده الزائف حاجة، أو حاجات!

يتمسك بعض سكان الغابة بنيرانه الزائفة، كي لا تحرقهم النيران الحقيقية للحقيقة! فيهرب الجميع من حزن وهَمّ إلى راحة الوَهْم المحبب المطلوب، التنين المرعب الخارق الخارج في سماء أسطورية، متحررًا من الجاذبية الأرضية بجناحين عملاقين بينهما وجه مرعب وذيل تابع فتاك! ووقود داخلي لا ينضب، يستثمر في النيران التي تخرج مع كل كلماته الحارقة!

فرق متنافرة

عندما بحثنا عن حاجات الضباع إلى التنين، قالت الضباع للأرانب: “نحميكم من نيران المفترس الشرس التي قد تقتلكم جميعا، في مقابل الحق في نهش بعضكم فقط! ونستبقي بعضًا آخر كي يستمر في الإنتاج!

سوف نذكّركم كل صباح، أن التنين قريب، أن التنين مرعب، أن التنين محرق، وسوف يختلط قناع التنين بوجهنا! فكأننا نحميكم من بطشنا! والتنين مهم لنا أيضًا داخليًا؛ هو مؤجِّل لكل انقسام وتصارع وتطاحن داخلي، لا صوت يعلو فوق صوت التنين الخارجي!”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثم بحثنا عن حاجات الأرانب إلى التنين، الخوف حاجة ملحة، الأرانب تحب أن تخاف! وللجبن أقدام تهرب في كل مكان، تتشتت الأرانب مع كل حديث عن التنين وتقول: “الضباع أهون!”، فتستمتع الضباع بهذا الهوان، والأرانب بعض وبعض، وبعض وبعض،

فرق متنافرة بعضها يستسلم للضباع، وبعضها يُسلِّم بعضها للضباع، وبعضها يلعن الضباع في الخفاء، وبعضها يلعن التنين في العلن، وبعضها يستسلم للتنين في واقع افتراضي، وبعضها يتخفى بقناع ضبع أو تنين، وبعضها يلعن بعضا!

بعضها يؤيد الضباع أملًا في ألا يكون من البعض المنهوش، وبعضها يترك بعضها أملًا في أن يكون البعض المنهوش! بعض الأرانب يرى التنين أهون من الضباع، بعضها يصفق للضباع أملًا في أن يصير منهم، بعض الأرانب يرى التنين مُخلِّصًا مختارًا منتظَرًا! ننتظر حتى يأكل التنينُ الضباع!

ومع الانتظار تبرر الأرانب حكمة عدم فعل شيء، أي شيء، وعدم جدوى قول شيء، كل شيء، فيكون التخاذل والتراخي والسكون والكسل والاستسلام مُبرِّرًا مُبرَّرًا!

التنين خرافة خيالية

في كل صباح يُقسم التنين أنه غير موجود، وألا دخل له في حرائق الغابة، لكن الضباع تتعاون مع الأرانب في نفي ذلك! تتهم الضباعُ الأرانبَ بأنها من أعوان التنين، وبذلك تتهم الأرانبُ الضباعَ، التنين تبرير جاهز دائم سهل للكسل والفشل والهرب والنهش والقمع والتخوين،

والقرود فوق الأشجار تعمل في الليل والنهار على تضخيم التنين، وتصديق التنين، وتبرير التنين، فتنشغل كل الأرانب في حديث التنانين الخرافي، أو في واقع الجزر.

الضباع والأرانب في تعاون دائم لإثبات وجوده وخلق نيرانه، فذلك أفضل لتبريراتهم واتِّسَاقِهم النفسي، فكل حدث كبير في الغابة هو مؤامرة خلفها التنين!

أما الانقسام والنقاش والجدال الدائم بين حيوانات الغابة فيكون عن توقع المنتصر في حال مقابلة التنين للغول! والبعض قد يكشف السر في أن التنين هو العنقاء! ذلك حديث متكرر خرج من الرماد وطارت به العنقاء!

الضباع تستغل التنين في تبرير إرهاب كل الأرانب، والثعالب تستغل التنين في المتاجرة بقضية الأرانب، والقرود تستغل التنين في ترويج الانشغال بمسألة عبثية، والأرانب تستغل التنين في تبرير استمرار البكاء على حياة المظالم وأدوار الضحية، والأسود والذئاب والثعالب والخنازير والأفيال و.. المزيد! يبدو أن التنين وحده لا يستفيد!

التنين أسطورة تحقق مصالحهم المختلفة، فهو عندهم أَبَدِيّ سَرمَديّ، متجدد متمدد متعدد، قد يختفي لسبب، لكنه يظهر دائمًا عند الطلب!

التنين خرافة خيالية، لكن استدعاء الاستعانة بفكرة وجوده حقيقة متكررة واقعية، معضلة التنين الزائف في اقتناع الغابة أنه حقيقة! حتى كاد يصدق!

#معضلة_التنين #أبوسفيان #الغابة_البرتقالية

اقرأ أيضاً:

معضلة الوحيد

معضلة السلاحف

معجزة خارقة للعادة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

م. أبو سفيان

مهندس وكاتب وفنان تشكيلي مصري، مدرب ومتحدث تحفيزي وصانع محتوى، باحث في الخطابة والتغيير الإيجابي والتطوير القيادي