معضلة البطاريق
انتفضت الغابة يومًا عندما ظهر بطريق في منتصف طريق، قالت عنه الحمير: إنه عبيط غبي! فالحمير إذا لم تفهم –هي– شيئًا وصفته –هو– بالغباء، وقالت عنه الثعالب: إنه عميق عبقري! فالثعالب إذا رأت شيئًا غامضًا، بحثت فيه عن أفكار عميقة واستخرجت كثيرًا من أعماقها.
عندما رأت الطيور جناحيه صنفته طائرًا، لكنه لا يطير! وعندما قفز في البحيرة رأت الأسماك زعنفتيه، فتحدثت عن سمكة غريبة تتنفس الهواء!
ظنت الأسود أنه “إمبراطوري” جاء منافسًا لها في حكم الغابة، وادعت الأفيال أنه يسخر من رشاقتها، ويقارنها بالغزلان! تحدثت الثعابين مع العقارب عن خطورة سمه!
راقبته الأشجار بهدوء إلى أن تحرك، فسحبت منه شرف محاولة الانتماء إليها، فلما توقف، قالت السلاحف: بطيء!
صنفته الخراف ذئبًا، وصنفته الذئاب خروفًا، قالت عنه القرود في نميمتها اليومية كل شيء، وعكسه! ظنته الصقور المحلقة نقطة! وظنه النمل جبلًا!
قالت الضباع: ننهشه! وقالت القنافذ: نتجنبه!
قالت الخنازير: قذر! وقالت الزرافات: قصير! وأشاعت الكلاب أن البطريق عدو للنباح!
قال المستنقع: ليس من ضفادعنا كي نعطف عليه، هو “سطحي” ساذج، فقالت الحفرة: بل متحذلق يدعي “العمق”! “عدَّته” الأرانب وحيدًا تافهًا، “صَوَّرَته” الطواويس مغرورًا متعاليًا، “رأته” الخفافيش نهاريًا مضيئًا حقيرًا!
تحدثت الببغاوات عنه وفقًا لأقرب أصوات الشائعات إليها.
عند الفرائس هو مفترس مخادع يخفي شراسته واستعداده للمباغتة، وعند المفترسين فريسة متخفية مراوغة تتجهز للهرب!
إذا تكلم قالت الصراصير: ثرثار مزعج، وإذا صمت قالت الدببة: خِبُّ خبيث!
تكلمت في حقه الخنافس، تجاهلته الفراشات، وحسدته الطحالب! فالخيل في الليل لا تعرفه، والبغال في النهار تشكك في أصوله!
لفظته اليابسة، ورفضه الماء!
ألوانه التي بين الأبيض والأسود لم تشفع لوضوحه، بل زادت من الجدل حوله، فهو يجمع نقيضين! قالت الغابة: ليس من حيواناتنا من يتحرك على قدمين!
اللغط حول البطاريق لا ينتهي، حتى آراء البطاريق نفسها عن نفسها مشوشة، والادعاءات بالمنطقية أو الموضوعية في طريق الاحتيال!
بطريق متعب جائع، تنهكه الحرارة، ويخاف على بيض قد يأتي! بطريق يجرب الغابة، بطريق يستفسر عن أحوال الطريق، ويحاول أن يعرف نفسه!
عند الجميع، لا مشكلة أن تتحيز في رؤية البطريق، المعضلة الحقيقية أن تكون من البطاريق!
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا