ختمنا المقال السابق بتلك الفقرة منتهية بسؤال
فإذا استطاع الإنسان أن يصل لحقيقة وجوده وارتباطه وتعلقه بموجود ينتهي إليه كل الارتباط والتعلق؛ موجود قادر عالم حكيم بحيث يكون ارتباط الإنسان به مغنيا عن أي شيء تحقق له اللذة والاستقلالية الموجبة للسعادة والحب والقدرة.
وهنا يطرح سؤال نفسه هل يمكن تحقق هذا الارتباط ؟
وهذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا المقال.
لماذا لا يسعى الناس للوصول إلى الكمال الحقيقي؟
لقد دعى جميع الأنبياء والمرسلين والمصلحين الناس للتقرب من خالقهم؛ فجميع المخلوقات لها ارتباط بخالقها من حيث ارتباط المعلول بعلته؛ فتلك الحياة المحدودة والتي أخبرنا جميع الرسل بأنها ليست نهاية الطريق؛ بل هي مقدمة لحياة أخرى دائمة، كذلك عبروا عن أثر الارتباط بواجد الوجود على الإنسان في الحياة الدنيا.
وبالرغم من تلك الحقائق السابق ذكرها؛ نجد أن أغلب الناس لا يسعون للوصول لهذا الكمال بالرغم من أنهم بالفطرة يسعون نحو السعادة واللذة، ويرجع السبب في ذلك هو تشخيص اللذة الحقيقية والدائمة، ولأن أغلب الناس لم تحدد الهدف الأصلي ولم تشخص اللذة الحقيقية؛ من الطبيعي أن لا يسير في هذا الطريق أغلب الناس، بالرغم من أن الغالبية قادرة على تشخيص اللذة المادية ويدركون السبيل إليها.
فمعرفة الكمال الحقيقي له بذور في داخل كلا منا ، لكن اختيار الإنسان في تحديد ما هو الأكثر قيمة ، هو مؤشر البعد أو القرب من الطريق السليم للتكامل الإنساني.
ولكن ما الداعي من وجود الغرائز؟
وقد يطرح البعض إشكال عن سبب وجود الغرائز التي تقودنا نحو اللذة المادية الظاهرية والبعد عن اللذة الحقيقية ، لكن ببساطة يمكن الرد على هذا التساؤل بأن التكامل الإنساني هو فعل اختياري للفرد نفسه لا جبر فيه ، لذلك يجب وجود سبل وطرق مختلفة حتى لا يكون السير في طريق السعادة إجباري.
كذلك ذكرنا أن التكامل هو فعل تدريجي له مراحل متعددة وأن يدوم مجال الاختيار مدة من الزمن حتي يستطيع الإنسان أن يختار طريقة للسعادة بحرية ويغير اتجاهه إذا أراد ذلك بحريته وتشخيصه هو.
لذلك كان العلم النافع هو العلم الحقيقي الذي يظهر للإنسان ضعفه وافتقاره واحتياجه الدائم لمصدر العلم والعطاء المستمر ، وأن يسعى على الدوام دون ملل في هذا المسير ، حتي ينعم باللذة والسعادة الحقيقية ، ويحصل على النجاة من مشكلاته النفسية والرغبات المادية التي لا تنتهي.
هكذا إنسان هو في الحقيقة قد حقق النجاة بدرجة تحقق له الاستقلالية من الأمراض الأخلاقية والخوف والقلق، وتحقق له قدر من الغنى بالاستغناء وليس بالتعلق، إنسان قوي يمتلك زمام أمره وفي نفس الوقت مرتبط بمصدر الكمال يستمد منه العون والتسديد الدائم.