مقالاتقضايا وجودية - مقالات

معرفة النفس – الجزء الأول

بداية الطريق

لقد اهتمت الكثير من فروع العلم بدارسة الإنسان، من علم نفس وتاريخ وعلم اجتماع إلى الفلسفة والأخلاق والطب؛ حيث تعمق كل علم من تلك العلوم في دراسة الإنسان من جوانب مختلفة. وما سنقدمه في هذا البحث حول الإنسان، هو من حيث أن الإنسان كائن يقبل التكامل والرقي، حيث يملك من الطاقات والقدرات ما يؤهله للوصول لدرجة من الرُقي التي تسير به لمرحلة من مراحل السعادة.

حيث نسعى أن ندرك معا معرفة العوامل التي يمتلكها كلا منا لتسير بنا إلى الهدف الأصلي من وجودنا، كما نسعى إلى معرفة العوامل التي تجذب الإنسان نحو تلك الأهداف والقيم الكبرى في الحياة.

المقصود من معرفة النفس

إن معرفة متطلباتنا وعناصر الجذب داخلنا كبشر تعد هدف هام في حد ذاته، فلا يمكن أن يُحدث الإنسان أي تغير إيجابي في حياته دون تلك المعرفة الضرورية أولا، والتي منها ينطلق لتحقيق قدر من التكامل الإنساني المطلوب لكلا منا بقدر الطاقة .

حيث أن الانشغال بالأشياء التي لا تدخل ضمن تحقيق السعادة هو أمر غير طبيعي يجب الانتباه له؛ بل يجب علينا أن نبحث بجد عن سبب تلك الانشغالات غير الضرورية والتي قد يُفني البعض منا عمره في تحصيلها.

وهنا حتى لا يختلط علينا الأمر ونتخبط بين المفاهيم التي ستمر علينا في هذا البحث يجب التنويه إلى أن المقصود من معرفة أنفسنا هو معرفة الطاقات والقدرات التي نعلمها يقينا عن أنفسنا، كما أننا لا نبحث هنا عن مكونات الجسد وكيفية عمله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فنحن نسعى لمعرفة تنظيمية لحركتنا العلمية والعملية في الجهة الصحيحة، كي يسهل علينا بناء النفس بناءًا صحيحا متكاملا؛ حيث يجب أن يعرف الإنسان هدفه الحقيقي ومصيره النهائي وكذلك سبيل سعادته، كما يجب التأكيد على أن هناك ألفاظ لها معان اصطلاحية متعددة لها استعمالات متفاوتة في العلوم المختلفة وقد يكون لها معاني مغايرة وفق كل رؤية ومنهج فكري مثل العقل والقلب والنفس؛ لذلك سيتم تعيين المعني المراد من خلال سياق الكلام نفسه.

التكامل الحقيقي

إن التكامل الحقيقي للإنسان ما هو إلا الأوصاف التي بمقدار تأثيرها يصل الإنسان إلى تكامله الحقيقي، فعند مقارنة الإنسان بغيره من الموجودات نجد أن الإنسان يمتلك بالفعل قوى خاصة لا توجد في باقي الموجودات الأخرى.

فإن الإنسان يستخدم كل ما يملك من قابليات بالقدر الذي يؤثر في تحقيق هدف التكامل المطلوب، وحتى لا يختلط المعنى على البعض بالقول بأن الإنسان هو أرقى المخلوقات؛ فلماذا لا يمكنه أن يأكل بقدر ما تأكله الأبقار ويفترس كالوحوش؟! وهنا يبدو الخلل الفكري واضحًا، فليس هذا النوع هو المقصود بالتكامل الإنساني ، فالإنسان مختلف عن الحيوان وإن اشترك معه في بعض الصفات .

لذلك نجد أن الإنسان مطالب بمعرفة عوامل وشرائط هذا التكامل الإنساني ليتسنى له الخوض في تلك الحركة التكاملية بوعي وحكمة ويدرك ما يمتلكه من قابليات. كذلك يدرك ما يميزه من فوارق عن باقي الموجودات.

حيث تعد تلك الحركة التكاملية تغييرات تدريجية تحصل فيه والتي بدروها تكون المقدمة للوصول لدرجة معينة من درجات هذا التكامل والرقي الإنساني ، تلك التغييرات تحصل بمساعدة تلك القابليات الموجودة والمودعة في خلقته والتي هي بالأساس قابلة لهذا الرقي والتكامل الإنساني وذلك بالاستفادة من الشرائط والإمكانيات الخارجية المتاحة.

أهمية الوعي ومعرفة الهدف

فالبذور عندما تستقر تحت التراب ويتوفر لها الماء والمناخ اللازم تنتج الثمرة، وهنا يجب التأمل جيدا؛ فكم من بذرة واحدة بتوافر الظروف ووجود القابليات ينتج منها عشرات بل مئات الثمار.

هذا على مستوى البذور، أما على مستوى الإنسان؛ فإنه مرتبط بتلك الحركة الاختيارية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بإرادة الإنسان نفسه، ولا يحدث ذلك إلا بعلم ووعي وتشخيص سليم، فكلما زادت واتسعت دائرة المعلومات اليقينية؛ فإن الاستفادة منها تكون أكبر، كذلك يتسع ميدان الحركة والشرائط الخارجية فتكون أكثر تنوعا مما يسهم في تنفيذ الأعمال الاختيارية بشكل أكثر حرية.

وهنا يظهر لنا أهمية معرفة وتشخيص الهدف ومعرفة الطريق لتحقيقه والسير نحوه، وهذا كما أشرنا مرتبط بالعلم والوعي والمراد ليس أي علم؛ بل المقصود هو العلم الحاصل عن طريق البرهان والاستنتاج من المقدمات العقلية أو الاستنباط من الأصول النقلية المسلم بها .

ومن الطبيعي أن تكون مقدمات الاستدلال من أبسط المعلومات اليقينية وأوضحها لتكون النتائج أوضح وأكثر اطمئنانا.

ولكن كعادة ما يرتبط بكمال الإنسان؛ نجد اختلاف في آراء البعض حول هذا الكمال وسبيل الوصول إليه، فالبعض يرى أن هذا الكمال في أكبر تمتع ممكن من اللذائذ المادية ، ويرى البعض الآخر أن الكمال هو في حصوله الاجتماعي على المواهب والمكانة، والبعض الآخر يرى حدوثه في الرقي المعنوي والروحي، ويرى آخرون في رقيه العقلي الذي يحصل عن طريق العلم والمعرفة.

ونحن في بحثنا هذا؛ نذكر أننا أردنا الاستفادة من المقدمات الواضحة وترك الاستدلالات المعقدة التي تحتاج لمقدمات كثيرة حتي يستفيد منها أكبر عدد ممكن من الأفراد الذين لا يملكون اطلاعًا على المسائل الفلسفية.

اقرأ أيضاً:

الحياة الإنسانية والإنسان

وعاء النفس والروح

هواجس النفس وسمومها