معجزة خارقة للعادة
البنت الصغيرة التي تقف على أعتاب عامها العاشر، اسمها مروة، وتحب عادة القراءة بشكل عظيم، فتقرأ العشرات والعشرات من الكتب والقصص الخيالية، والخيال هو محور أحداث كل الكتب التي تقرؤها مروة،
كتاب حكايات ألف ليلة وليلة، وكتاب حدوتة عروس البحار التي أحبت الإنسي الفقير، ثم حاربت كل بني جنسها من أجله، حواديت وحواديت وحواديت، كل حياتها حواديت وكل أيامها قصص خيالية.
من فرط حبها للحواديت الخيالية تمكنت أخيرًا من فعل ما لم يفعله أحد من قبلها ولن يستطيع أحد من بعدها من جنس البشر فعله.
كلما فتحت كتابًا
معجزة خارقة للعادة ومثيرة، حيث تدب في روحها وتتملكها قوة غريبة، كلما فتحت كتابًا، وبلغت بها المعايشة الحد الأقصى، وتفاعلت مع الشخوص، وذابت في الأحداث، وهي على هذه الحال تحدث لها رعشة خفيفة، وتدور حدقتها دورتين عكس عقارب الساعة وتطلق شعاعًا ذا لونٍ أخضر توجهه نحو صفحة الكتاب،
علي بابا والأربعين حرامي
وفي نفس اللحظة ينشق الكتاب فتمد مروة يدها لتخرج كائنات صغيرة بحجم عقلة الإصبع، وتضعها على الأرض وتظل تدعك بخفة حانية فوق أجسادها المبللة حتى تكبر شيئًا فشيئًا، كانت القصة هذه المرة قصة علي بابا والأربعين حرامي، احتفت بهم جميعًا وقدمت لهم علب كنز رمان، فلم يتمكن أي منهم من فتح العلبة، واحتموا بأرضية الغرفة كلما فتحت مروة إحدى العلب لتحدث صوتًا يبعث على المرح وبعض الخوف.
طمأنتهم وشربوا جميعًا وسألت علي بابا: “لماذا أخذت أموال اللصوص؟ هل تظن أن أموالهم صالحة لتنفق على أولادك منها؟” ضحك علي بابا حتى استلقى على الأرض وأخذ يضربها بقدميه، وقال في جدية وصوت هادئ: “ذلك هو التشويق يا بنيتي، هل كنت ستقرئين القصة لو أنني ذهبت لأبلغ الشرطي عن اللصوص الأربعين؟”،
ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه الصغيرة وقالت: “هذا هو الخطر بعينة يا علي بابا، هذا التشويق جعل من السرقة شيئا يمكن قبوله دون النظر لقبح هذا الفعل نفسه، فالكثير من الأفعال السيئة يتم تقديمها بصبغة كوميدية أو تشويقية مما يساهم في انشارها وعدم رفضها من الجمهور الذي يتم التلاعب بمشاعره”.
ونظرت إلى قاسم وقالت: “وأنت ما وجهة نظرك في هذا الأمر؟”، لم يتمالك قاسم نفسه من الغيظ وانفجر باكيا بكاءً شديدًا: “هم أرادوا ذلك، أرادوني شريرًا غير محبوب، يكرهني الصغار قبل الكبار”. وضعت مروة يدها فوق كتفيه تهدئ من روعه متسائلة: “من هم يا عم قاسم؟”.
نظر قاسم إلى مروة نظرة حنان بالغ وخرجت الكلمات من شفتيه حزينة: “إنه الكاتب يا صغيرتي، وضعني في هذا الإطار البائس، قاسم الطماع الشرير، أخو علي بابا الطيب الذي سرق مال الأربعين لصًا، لكنه طيب وشريف ويحبه الكبار والصغار، وغدًا سيتوج على منصة جائزة الرجل الشريف الطيب، هل هذه عدالة يا مروة؟”.
نظرت مروة في حيرة إلى الجميع وقالت: “يا قاسم نحن لا نستطيع أن نحكم على نوايا البشر، لكن يمكننا أن نحكم على أفعالهم هل هي صحيحة أو باطلة، يا قاسم السرقة فعل خاطئ سواء منك أو من علي بابا، نستطيع أن نحكم عليكما أنتما الاثنين بأنكما سرقتما وهذا فعل غير صحيح، أما لو تم تكريم علي بابا واعتباره رجل طيب وهو فعل نفس فعلك فهذا خداع كبير للجمهور غير الواعي”. بعد هذا النقاش أدخلت الجميع بسرعة من فتحة في صفحة الكتاب وأغلقته ووضعته فوق الرف.
كتاب سندريلا
وأخذت تقلب في عناوين الكتب، هذه سندريلا أخذت تحدث صوتًا مكتومًا من داخل الكتاب: “أخرجوني من هنا، أريد أن آخذ نفسي”، أمسكت مروة كتاب سندريلا ووضعته في الرف السفلي ووضعت عليه مجموعة من الكتب وقالت في حزم: “ليس لدي وقت لمعارك أخرى مع الآنسة سندريلا وأميرها العاشق”.
جلست في أرضية الحجرة في وضعية القرفصاء، تماما مثل الكاتب المصري القديم الذي تزين صورته جدار المكتبة، وسرحت في هذه الكتب المتراصة فوق الرفوف، وهؤلاء الذين يدقون فوق أغلفة الكتب يريدون الخروج في استعراض بانورامي كل واحد يحمل من الأفكار والمظالم ما تكفي لجعلها فتاة بائسة لا تقوى على الاستمتاع بالقراءة في هدوء،
لماذا أنا دون كل الأطفال التي تمتلك تلك المقدرة المفسدة لمتعة القراءة، اعترتها رعشة خفيفة عندما تأملت صورة المصري القديم الجالس القرفصاء، الذي قام واقفًا يمد جسده الممتلئ ويقفز من إطار الصورة إلى جوار مروة، يمسح جبهتها التي تبللت بحبات العرق، تخرج الحروف من شفتيه مفعمة بالقوة مثل صوت الشخوص في عرض الصوت والضوء عند الأهرام، كلمات ذات جرس موسيقي جذاب: “لماذا تشعرين بهذه الحيرة يا مروة الصغيرة؟”.
“الغالبية يظنون أنهم على صواب وأنهم مظلومون أو مجبرون على فعل ما فعلوا دون النظر للصواب والخطأ ومدى مسؤولية كل فرد عن تصرفاته.
والكثير يدعي أنه ليست هناك حقيقة مطلقة يا صغيرتي، مبررين بذلك مواقفهم الخطأ بالرغم من أن كل ما حولنا في هذا الوجود يسير وفق قوانين ثابتة ومحددة لا تتغير ولا تتبدل، دعيهم يتحدثون من بطون الكتب، امسحي دموع الحزانى، داوي جرح المكلومين، واسمعي شكوى المظلوم، دعيهم يتحركون أمامك مثل ضفادع خضراء تخرج من بركة موحلة، اسمعيهم في شغف، اسمعيهم في شغف، اسمعيهم في شغف، ثم أظهري لهم الحقائق”.
مسح الكاتب جبينها في حنان قبل أن يعود إلى الإطار، وتعود مروة إلى جلستها المعتادة في مكتبتها الصغيرة.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا