محمد بن عبد الله
المعلم الأكبر صلى الله عليه وسلم،كثيرا ما نذكر أرسطو ونلقبه بالمعلم الأول ونذكر الفارابي ونلقبه بالمعلم الثاني لسيره على درب أستاذه أرسطو، مع الفارق فهو لم يكن ناقلا ومقلدا، وكثيرا ما يتردد على ألسنة الباحثين في الفلسفة اسم ابن سينا وتلقيبه بالشيخ الرئيس، وقيل أنه لقب بالمعلم الثالث، وأبي الوليد بن رشد ووصفه بالشارح الأعظم، وكثيرة هي الألقاب الأكاديمية والدرجات العلمية من معيد إلى أستاذ دكتور، لكن نحن في هذا المقام بصدد الحديث عن المعلم الأكبر الذي علم البشرية جمعاء، علمها كل شيء، علمها الحب والحق والخير والجمال، علمنا الخصال الحسنة والفضائل الجميلة،
علمنا العدل كيف يكون، والرجل ذو الخويصرة يقول له: “اعدل يا محمد!”، فيتغير وجه النبي ويشرئب بالحمرة قائلا: “إن لم أعدل فمن الذي يعدل؟!”، علمنا المساواة بين الناس، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها، لو سرق فيكم الغني تركتموه ولو سرق فيكم الفقير أقمتم عليه الحد؟! أي حكم هذا؟
أخلاق الحبيب
علمنا الأمانة والصدق في الكلم والإنصات إلى من يتكلم، فكان يسمع للطفل الصغير ويئن لأنينه، علمنا الرحمة، يجد المرأة لا تستطيع أن تحمل حملها فيحمله عنها فتقول له: “يا ولدي! أنت رجل صالح، أنصحك نصيحة، يقولون أن رجلا يدعى محمد يزعم أنه نبي إذا رأيته لا تتبعه!” فيقول النبي: “أنا محمد” فتخجل المرأة من نفسها وتسلم لله رب العالمين.
علمنا الحب ولم لا؟ وهو المحبة والحب والحبيب والمحبوب. انظروا كيف كانت محبته لآل بيته وزوجاته وبناته، إذا وضع تمرة في فم إحداهن يضع تمرات في فم جميعهن، انظروا إلى النبي بعين الاعتبار وتعلموا كيف كانت محبته لأصحابه، كيف يغضب على المنبر من عمر حينما شكاه أبو بكر بعد أن ذهب إليه ليصالحه فأعرض عمر وبكى أبو بكر وذهب يبكي ويشكو للرسول فيتغير وجهه: “ما لكم بأبي بكر؟ اتركوا لي صاحبي، صدقني وقتما كذبتموني ونصرني حينما خذلتموني، الله الله في أبي بكر لا تؤذوه” ويبكي النبي صلى الله عليه وسلم،
علمنا طرح الأنا والأثرة، علمنا الإيثار، علمنا أن حب الله قبل كل شيء، قبل المال والأهل والولد والجاه والسلطان، علمنا الرضا وعدم التذمر من ضيق الحال، علمنا كيف القناعة، أجوع يوما فأصبر وأشبع يوما فأشكر، علمنا القوة في الحق وأن نقول الحق ولا نخشى في الله لومة لائم.
علم لدني
انظروا رسائله التي كان يرسلها إلى طواغيت الكفر: “من محمد عبد الله ورسوله إلى فلان حاكم كذا وكذا أسلموا تسلموا”، لم يكن مداهنا يتودد لفلان ولا علان وإنما كان سيفا في الحق، من الذي علمك يا حبيبي يا رسول الله؟ الإجابة من فوق سبع سموات قرآن يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، علمه شديد القوى، إن هو إلا وحي يوحى، وهذا هو الفرق بين علمه وعلومنا، فعلومنا مكتسبة نكتسبها بالاجتهاد والدرس والبحث، أما هو فعلمه لدني، وعلمناه من لدنا علما، علمنا ليس بمعجز أما علمه صلوات ربي عليه معجز، علمه وهبي أما علمنا كسبي، علمه وحي من الله تعالي.
ومبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم، إذا أردنا حقا أن نتعلم من رسول الله فعلينا بسنته وبشريعته العصماء، ألم يقل المعصوم: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي عضوا عليهما بالنواجز”؟ اجعلوه قدوة لكم وسيروا على دربه، انتهجوا نهجه وطبقوا منهجه، طبقوا قول الله تعالى: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر”، اتبعوا ولاتبتدعوا،
الفارق بين الابتداع والإبداع
وهناك فرق بين الابتداع والإبداع، لا تبتدعوا وتبدلوا وتغيروا ولكن أبدعوا في فهم شريعته وفهم ما جاء به صلى الله عليه وسلم واجتهدوا ثم اجتهدوا، فدينه حركي ديناميكي أتى به للعالم أجمع وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، تمثلوا أخلاقه وصفاته ومحاسنه وخصاله، هكذا يكون الاحتفاء والاحتفال بمولده، أما غير ذلك فهي أمور ثانوية أكل الحلوى، ولا مندوحة في ذلك نأكلها ولكن هناك ما هو أرفع من ذلك،
اتباع هديه صلوات ربي وتسليماته عليه، اللهم صل على صاحب الخلق الرفيع، وإنك لعلى خلق عظيم، اللهم صل على من قال: “أدبني ربي فأحسن تأديبي”، اللهم صل على صاحب البشارة، اللهم صل على صاحب الشامة، اللهم صل على صاحب العلامة، اللهم صل على خير من شد العمامة محمد بن عبد الله القائل: “إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل بنّاء بنى بيتا وحسنه وجمله إلا موضع لبنة يمر عليه الناس يمدحونه قائلين لو وضع اللبنة، فكنت أنا بعثني الله لأكمل البناء”، ونشهد يا أيها المعصوم أنك أديت الأمانة ونصحت للأمة فكشف الله بك الغمة وتركتنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك أو ضال.
حقا إنه المعلم الأكبر، الفيلسوف الأعظم الذي جمع العلم والحلم بداخله، ربِ صل وسلم وبارك عليه، وأستميحك عذرا أبا الزهراء إن كنت قد جاوزت قدري فحبي لك قد فاق حدي. وفقني الله وإياكم إلى مايحبه ويرضاه.