مجتمع الموتى – هل من سبيل لإحياء مجتمع كثرت خطاياه؟
مجتمع ينتشر فيه الكثير من الخطايا كعقوق الوالدين والاستهزاء بالمستضعفين وعدم احترام العجزة وكبار السن، مجتمع لا ينجح فيه إلا “الفهلوي” الذي لا تفوته وسيلة غير شريفة إلا واستخدمها، مجتمع ينتشر فيه الطمع والشراهة والاستهلاكية والناس فيه يلهثون وراء كل ما هو جديد من مأكل وملبس، مجتمع تنتشر فيه الفردية والأنانية واللامبالاة بمعاناة الآخرين مجتمع تنتشر فيه الشهوانية والعلاقات غير الشرعية والتعدي على حُرمات الآخرين؛ هل هذا هو مجتمع الموتى؟
لا؛ إنما مجتمع الموتى هو المجتمع الذي يرى أفراده كل هذا ويتقبلونه ويتكيفون معه، هو المجتمع الذي اعتاد الظلم وظن أنه مُكون أساسي من مكونات الوجود، مجتمع يُفضل ألا يستنجد أو يستعين بأحد خوفًا من المن والأذي الذي سيُحدثه هذا الأحد بعد تقديم المساعدة؛ هذا هو مجتمع الموتى.
الخطايا السبع
الخطايا السبع هذه الحالة المجتمعية اللامبالية هي التي دفعت بطل فيلم “seven” أو “الخطايا السبع” للانفجار في مجتمعه الذي تأقلم مع القتل والشراهة والجشع والطمع والغضب وغيرهم من الخطايا وما ينتج عنها من أفعال، والتي لخَّصها البطل في سبع خطايا (الشراهة – الطمع – الكسل – الغضب – الشهوة – الغرور – الحسد )
بطل الفيلم هنا هو قاتل متسلسل يقوم بتعذيب المخطىء بأشنع وسائل التعذيب الممكنة ولكنه يرى أن الجزاء لابد أن يكون من جنس العمل، لذا نجده يعاقب أحد ضحاياه الذي يُعرف بالشراهة لدرجة أن وزنه يمنعه من الدخول من باب المنزل بسهولة، فقام بطلنا بربطه في كرسي أمام كم ضخم من المكرونة “الاسباجتي” وأجبره على تناول هذا الكم الضخم حتى الموت.
العجيب في قصة الفيلم أن المُحقق “سومرسيت” وهو أحد المحققين في قضية القاتل المتسلسل، والذي تميز بهدوئه وعمق فكره كان يفكر بنفس طريقة القاتل المتسلسل وإن كان يعارضه في طريقة تنفيذه، بمعنى أنه يرى أن المجتمع قد تأقلم مع الظلم المتفشي بدرجة تثير الاشمئزاز وأن دوره كمحقق يسعى لتطبيق العدالة لم يعد إلا أمر روتيني ليس له معنى؛ فما الغرض من تطبيق العدالة في مجتمع يقبل الظلم ويساهم في صناعته بلا مبالاة !
هل من سبيل لإحياء مجتمع الموتى ؟
بطل الفيلم كان يرى أن المجتمع بحاجة لصدمة قوية ليستيقظ من غفلته وهذه الصدمة تتمثل في تجسيد صورة المخطىء كما هي صورة يجب أن لا يقبلها المجتمع مهما انتشرت، كما لا ينبغي للمذنب أن يشعر ولو للحظة أن خطأه سيمر دون عقاب وهذا أمر صحيح ونتفق معه،
ولكننا نختلف تمامًا مع الأسلوب الذي اتبعه القاتل في تجسيد هذه الصورة، حيث أنه وضع نفسه قاضيا وجلادًا في حين أنه يعترف بكونه مخطىء كضحاياه فخطيئته الحسد والتى رأى أنه يجب أن يعاقب عليها هو الآخر، وهنا يكمن اعتراضنا كيف نصلح الآخرين ونعاقبهم على خطاياهم إذا كنا لا نستطيع إصلاح أنفسنا ؟ ثانيا كيف نضمن أن حكمنا على الآخرين حكما صحيحا حتى نعاقبهم بما يتناسب مع خطئهم دون زيادة أو نقصان ؟
ما الذي يحتاجه المجتمع؟
خلاصة القول المجتمع ليس بحاجة لجلاد غير قادرعلى كبح جماح نفسه -وما أكثرهم- ولكنه بحاجة لشخص صالح في المقام الأول ومُصلح في المقام الثاني، صالح بمعنى أنه قادر على تقديم المثال العاقل الأخلاقي في نفس البيئة والظروف الصعبة التي يمر بها باقي أفراد المجتمع دون تذمر أو شكوى، فهو يفعل ما يتمنى أن يراه في مجتمعه؛
لأنه الحق الذي اطمأن له وعلم أن سعادته في الالتزام به، ومصلح بمعنى أنَّ لديه من الحكمة والشجاعة والعفة ما يؤهله لتربية مجتمعه وإرشادهم لما فيه صلاحهم وتحمل جهلهم وسوء معاملتهم له، هذا الصالح المُصلح هو الصدمة التي يحتاجها المجتمع حقًا ليستيقظ من غفلته .